تتوجه السياسة التركية بدعم روسي واضح نحو إعادة العلاقة البينية مع نظام الإجرام السوري، منهية بذلك حقبة طويلة من الخلاف والاصطفاف، ورغم تعثر حالة التطبيع هذه، وتمنع النظام السوري عن المضي في مسار المصالحة، بتحريض إيراني ماورائي، بسبب تخوفات إيران من أن تخرج من المولد بلا حمص، إلا أن الاتحاد الروسي مايزال في حالة تحرك حثيث نحو إعادة مسيرة التطبيع إلى سكتها والولوج ضمن مآلات متجددة تخدم المصلحىة الروسية أولًا، وكذلك التركية، دون أن تهمل بالضرورة المصالح الإيرانية ضمن متحركات التواجد الإيراني.
لقد كانت المسألة بالأساس رغبة تركية حكومية لتحقيق المكسب الانتخابي التركي الذي يضمن بقاء حزب العدالة والتنمية على سدة الحكم في تركية إلى فترة انتخابية أخرى، وهو ماتسعى إليه تركيا بل وتفعل كل هذه الاستدارات (إن صح التعبير) ولوجًا في البرزخ الانتخابي السهل والمضمون لصالح أهل الحكم الحالي في تركيا. ومن ثم فإن اللقاء الذي يُشتغل عليه بين وزراء الخارجية لتركيا والنظام السوري وأيضًا فيما بعد اجتماع بشار الأسد والرئيس أردوغان سوف يكون بداية لعلاقات قد لاتنتج شيئًا ملموسًا، خاصة وأن النظام السوري يُدرك مدى حاجة الأتراك لمثل هكذا لقاءات. وليس في منظور الروس الضغط كثيرًا على الأسد ولوجًا بالحل السياسي، إلا إذا تأكد الروس من أن ذلك لن يؤثر على مصالحهم، وقضية بقاء بشار الأسد في الحكم لفترة طويلة وسط صمت مطبق من العالم والمجتمع الدولي. ومن ثم فإن الفائدة هي ليست فقط للنظام بل للروس الغارقين اقتصاديًا وعسكريًا في الوحل الأوكراني، حيث لايدرون كيف يخرجون منه آمنين.
المعارضة السورية المتهالكة والبائسة لاحول لها ولاقوة وهي قد وضعت كل البيض في سلة الخارج كما أنها غارقة في مشاكلها البينية، سواء السياسية منها أو العسكرية، ناهيك عن حالة التشظي والتذرر القاتلة التي يعيشها العسكر في (الجيش الوطني) الآيل نحو المزيد من الاقتتال الداخلي. وليس في مقدوره فرض أي شروط على نظام القتل الأسدي المدعوم إيرانيًا وروسيًا . وإن حصل أي تفاهم ما من الممكن أن يستمر متتابعًا في التفاصيل، وقد يتم إحياء اللجنة الدستورية النائمة بأمر روسي منذ مدة، وقد يتمظهر شكلانيًا بعض التجلي للقاءات هنا أو هناك على شاكلة لقاءات أستانا. لكن بكل تأكيد لا جدية مفيدة في ذلك، لأن غاية روسيا إعادة الإعمار لتستفيد منه اقتصاديًا. كما أن غاية تركيا/ العدالة والتنمية الوصول بشكل آمن إلى الصندوق الانتخابي وتحقيق مايتجاوز الخمسين بالمئة .
لكن النظام السوري الذي يسير نحو الإنهيار المعيشي والاقتصادي سيبقى حبيس الإرتباط بالإيرانيين تارة والروس تارة أخرى، وقراره السياسي لم يعد في يده منذ فترة طويلة.
ومن ثم فليس متوقعًا أن تحصل مصالحة جدية قريبة بين النظام السوري والمعارضة بجميع ألوان الطيف السياسي، ولا توجد أية آفاق ولا مؤشرات تدل على مصالحة حقيقية، بل هناك حالة نوسان مستمرة ومراوحة بالمكان لن تؤتي أي أُكل واقعي مفيد في القريب القادم من الزمن. وإن حصل فهي توافقات روسسة تركية تبقى كحال تفاهم إدلب البروتوكولي بين الطرفين الذي جرى في ٥ آذار/مارس ٢٠٢٠ وهو تجميد للوضع ليس إلا، لكن لاحل نهائي، والمؤقت لايمكن أن يصبح دائمًا بأي حال من الأحوال.
واقع الحال في جل المناطق السورية شبيه ببعضه ولا قدرة للنظام أن يعطي أو أن يتنازل عن مكسب سبق وحققه بالحرب ضد المعارضة بدعم روسي إيراني كبير، والمعاناة لدى السوريين واحدة، والجميع يبحث عن حل، لكن أي حل بوجود هذا المجرم الأسدي لن يكون منصفًا للسوريين الذين ضحوا بما ينوف عن مليون شهيد حتى الآن، ولاثقة بكل مايُوقِّع عليه النظام السوري الذي يسهل عليه جدًا النكوص، ولحس ماوقع وصادق عليه، خاصة وأن لديه ضامنين اثنين يدعمانه هما إيران وروسيا كما أنه يرى الصمت الدولي غير المسبوق والانشغال الأوروبي والأميركي بأوكرانيا التي يرونها الأهم بالنسبة لهم من كل الواقع السوري ومشاكله التي لاتنتهي، حتى لو تمظهرت بعض الاعتراضات الأميركية الرخوة، لكن الموقف الأميركي مايزال لايملك استراتيجية حقيقية تجاه المسألة السورية، ويترك اللاعبين يتحركون الهوينا في مساراتهم، إلا إذا عوق ذلك (الأمن القومي الإسرائيلي) أو مصالح الإدارة الأميركية شمال شرق سورية، ولايبدو أن أحدًا باستطاعته فعل ذلك.