مع تكثيف الضغوط الدولية على الأطراف المحلية في ليبيا، لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية المعطلة، لوحظ تعدد في المسارات الموازية للحل، ما عكس شبكة المصالح المتضاربة، وطرح تساؤلات عن إمكان تلاقي تلك المسارات على أرضية مشتركة في النهاية، أم أن الصراع على السلطة والنفوذ سيظل يراوح مكانه؟
فبعد أيام قليلة من إعلان رئيسي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، من القاهرة، عن الاتفاق على مشروع “القاعدة الدستورية” كخطوة رئيسية نحو تنفيذ الانتخابات الرئاسية والنيابية، مع أن هذا المسار يعتمد بالأساس على تشكيل سلطة انتقالية جديدة “موحدة” تقود البلاد، نظمت العاصمة المصرية، لقاءً نادراً جمع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، مع قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، ناقش تفاصيل مبادرة كان أطلقها الأول، وترتكز على التوجه لتضييق الخناق، محلياً ودولياً، مجلسي النواب والأعلى للدولة لإنجاز الوثيقة الدستورية، وإجراء الانتخابات، إنما في ظل إدارة السلطة الحالية برئاسة المنفي، والذي سُجل حصوله على دعم من دول نافذة في الملف الليبي، في مقابل شكوك حول توجهات رئيسي مجلس النواب عقيلة صالح والأعلى للدولة خالد المشري.
زيارة بيرنز… ما الحسابات الأميركية؟
في هذه الأثناء، كانت لافتة زيارة مدير وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي إي” وليام بيرنز لليبيا، للمرة الأولى، وذهابه للقاء حفتر في مقر الجيش الوطني الليبي في الرجمة، ما أظهر الاهتمام الأميركي بالتقدم لحلحلة الملف الليبي.
المسؤول الأميركي المخضرم، والذي كان تولى العديد من الملفات الأمنية مع ليبيا خلال توليه منصب وكيل وزارة الخارجية الأميركية خلال الفترة من 2008 إلى 2011، ركز في محادثاته مع حفتر على “النأي عن أي إجراءات تقوّض مسار الذهاب إلى الانتخابات، وكذلك ضمان استمرار إمدادات النفط” من آبار الشرق الليبي الغنية.
ووفقاً لمصدر مطلع تحدث إليه “النهار العربي”، فإن بيرنز أكد لحفتر دعم بلاده للمسار الذي يقوده المنفي، وأن “واشنطن تعمل على حشد الجهود الدولية والإقليمية لضمان إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري، وأن على الأطراف المحلية تنحية خلافاتهم لضمان نجاح هذا المسار”، ملوحاً بـ”عقوبات”، لم يكشف فحواها، على أي طرف يقوّض تلك الجهود. وأضاف المصدر أن المحادثات تطرقت أيضاً إلى ملف توحيد المؤسسة العسكرية، فأكد بيرنز دعم بلاده لجهود اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في هذا الإطار.
كما التقى مدير وكالة الاستخبارات الأميركية، في العاصمة طرابلس، رئيس حكومة “الوحدة الوطنية” عبد الحميد الدبيبة، حيث جرى بحث “تطوير التعاون الاقتصادي والأمني بين ليبيا والولايات المتحدة”، وفقاً للبيان الليبي. فيما أكد الدبيبة أن الهدف هو استقرار ليبيا ودعمها دولياً للوصول إلى انجاز الانتخابات.
محادثات حفتر – المنفي
وتأتي هذه الزيارة، بعد يومين من محادثات أجراها حفتر مع المنفي، في العاصمة المصرية، سعى خلالها الأخير إلى الحصول على دعم قائد الجيش الوطني الليبي لمبادرته للحل، في حين تطرقت محادثات الطرفين مع المسؤولين المصريين إلى قرار القاهرة ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا بشكل منفرد.
رئيس المجلس الرئاسي الليبي، مضى أمس الخميس، في محاولات حشد الدعم الدولي لمبادرته، إذ التقى سفراء بريطانيا وألمانيا وتركيا والجزائر، لكن مبادرته تلقت ضربة في المقابل، بإعلان الموفد الأممي عبدالله باثيلي دعمه خيار تشكيل حكومة “موحدة”. وقال باثيلي أمس الخميس إن “المصالحة لن تكتمل إلا بحكومة موحدة ونظام اقتصادي واجتماعي وسياسي موحد”، داعياً جميع الأطراف إلى “تحمل مسؤولياتهم للتوصل إلى حلول”، ومحذراً من “تفكك ليبيا إلى أشلاء”.
المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش قال لـ”النهار العربي”: “من الواضح أن الدول الأكثر فاعلية في ليبيا والموفد الأممي، توصلوا إلى نقطة اتفاق، كون محور المشكلة الليبية في مجلسي النواب والأعلى للدولة، وأن على الأخيرين الخروج بسرعة بإطار دستوري وقانوني لانتخابات ذات صدقية، أو يبحث الجميع عن آليات أخرى… أعتقد أن الأمر الآن بات أكثر جدية ونتمنى أن يُترجم هذا الموقف إلى أفعال على الأرض في القريب العاجل”.
أين الوثيقة؟
وأضاف البكوش: “من المهم أن نضع النقاط على الحروف، وما يراد الاتفاق عليه بين عقيلة صالح وخالد المشري هو إسكات المجتمع الدولي وباثيلي، وإصدار قاعدة دستورية لا تصلح لإجراء الانتخابات، إضافة إلى تشكيل سلطة جديدة. لم نسمع في العالم عن وثيقة دستورية، يُقال إنه تم الاتفاق عليها ولم تُعرض على العلن… وثيقة دستورية لا يشارك في نقاشها الشعب الليبي بأحزابه ومنظماته… أين يسير هذا في العالم؟ ثم يقال لنا إن هناك مادة أو اثنتين مثار خلاف وسيتم عرضهما على الاستفتاء لحسمهما، اذاً لماذا لا تُعرض هذه الوثيقة برمتها على الاستفتاء، ولا نعلم هل سيُجرى هذا الاستفتاء تحت إشراف حكومة الوحدة الوطنية، أم سيُقال لنا يجب انتظار تشكيل حكومة موحدة؟ هذا تلاعب”.
ورأى أنه “يجب أن نتعلم من الدروس السابقة. يجب أن يتم وضع خريطة طريق زمنية لإجراء الانتخابات يُحظر التراجع عنها وأن تُعطى كل الصلاحيات للمفوضية العليا للانتخابات، بحيث لا يتم الرجوع الى مجلسي النواب والأعلى للدولة بعد أن توضع هذه الآليات. وهناك طرح بتجميد صلاحيات المجلسين بعد وضع القاعدة الدستورية والقوانين المنظمة للانتخابات لأن الخطر ليس فقط من تدخل السلطة التنفيذية في الأمور الانتخابية، لكن أيضاً من السلطة التشريعية، من المهم عدم السماح بتعطيل مسار الانتخابات عبر مسار يمكن التراجع عنه او تفسيرات مقوّضة للعملية”.
المصدر: النهار العربي