ياسمينة خضرا: روائي جزائري يكتب بالفرنسية، له العديد من الروايات منها سنونوات كابل، والصدمة وغيرها. ليلة الريس الاخيرة رواية ياسمينة خضرا المتميزة تتناول حدثا فريدا، انها ترصد الساعات الاخيرة لسقوط الرئيس الليبي السابق معمر القذافي. رواية تتخذ أسلوب السرد الذاتي بلغة المتكلم، على لسان القذافي نفسه.
تبدأ الرواية حيث القذافي مع مجموعة من مسؤوليه وضباطه وجنوده، مختبئين في مدينة سيرت الليبية، القذافي الذي يسترجع بشكل عشوائي أغلب حياته، منذ طفولته، وبعدها تطوعه في الجيش ومن ثم انقلابه على الملكية في ليبيا عام ١٩٦٩م ، هذا الانقلاب الذي جعله قائدا للثورة وحاكما مطلقا لليبيا لعقود، إلى أيام الربيع العربي الذي وصل ليبيا أيضا في مطلع عام ٢٠١١م.
معمر القذافي يسترجع كل حياته وهو في مخبئه في سرت، يتساءل لماذا قامت الثورة ضده وكيف؟ يعتقد القذافي انه قائد عظيم، وانه صاحب مشروع كبير، فهو الذي جاء في عصر جمال عبد الناصر، وأراد تمثله في ثورته التي قام بها في ليبيا، حمل لواء العدالة والدفاع عن حقوق المظلومين من شعوب العالم والدول الفقيرة، رفع لواء الوحدة العربية والدفاع عن قضية فلسطين والفلسطينيين، استقبل اغلب قادة الثوار ضد دولهم في العالم، كذلك قادة المقاومة الفلسطينية ودعمهم بالمال وكل شيء. أصبح العدو رقم واحد للغرب وامريكا بشكل أساسي، استخدم المال الليبي الفائض عن النفط الغزير الذي يباع ويصرف على مشاريع كثيرة داخل ليبيا وخارجها، حاول أن يحول حياة الليبيين الصحراوية الى تحضر الزامي. عاش شعورا بكونه صاحب رسالة عظيمة، يحس انه يمتلك احساس ودور الأنبياء والمصلحين، يتهمه اعداؤه الكثر أنه مصاب بجنون العظمة. يراجع القذافي نفسه وتاريخه، طفولته الفقيرة في قبيلة القذاذفة، يُتمه بوالده الذي لم يره أبدا اثّر في شخصيته، عائلته اخبرته انه استشهد في مواجهة مع الإيطاليين أيام احتلالهم لليبيا، لكن رواية الاستخبارات الملكية الليبية أيام اعتقاله كضابط يتكلم عن الملكية والسلطة الحاكمة ويواجهها، واجهوه بأنه ابن زنا، او ابن طيار إيطالي احتضنته القبيلة بعد سقوط طائرته جوارهم، شكل هذا عقدة عند القذافي. اكتسب القذافي طبعا حادا شكاكا وعدوانيا، كان طموحه دون حدود، وعندما فكر بثورته على الملكية كان مغامرا بذلك لكنه نجح. عندما أصبح في الحكم، اعتمد على استئصال كل من يرى به أي منافس له، تصرف على أن كل ما يريده هو حق مشروع له، أراد أن يتحدى الغرب وامريكا، دعم بالمال والسلاح كل من ناضل ضد أمريكا و(إسرائيل)، لذلك صار رأسه مطلوبا، خاصة بعد أن ساهم في إسقاط طائرة ركاب بعمل إرهابي فوق لوكربي، ضُرب قصره وقتل بعض عائلته وسلم هو بأعجوبة من موت محقق. تصرف داخل ليبيا كإله كل ما يريده يحصل عليه، أحب فتاة أيام كان ضابطا متخرجا حديثا، طلبها يدها من والدها، رفض والدها باستهتار، لأن معمر قبائلي وهم برجوازيين مدينيين أغنياء، خرج شبه مطرود، ترك ذلك في نفسه أثرا، وبعد ان وصل الى الحكم، استدعى المرأة التي كانت قد تزوجت وعاشرها لفترة من الوقت ومن ثم تركها، كان القذافي شهوانيا اتجاه النساء، يكفي ان يضع يده على كتف اي امرأة او فتاة حتى تصبح جاريته ومحظيته لأي وقت يشاء، كانت كل النساء مستباحات له، واي معترض يلقى مصائر مفجعة.
القذافي يستعيد أمجاده وكيف انقلب عليه الناس؟ يستغرب ذلك، هو من جعل ليبيا والليبيين في حياة أقرب للنعيم، هكذا كان يرى، كان يسترجع نهاية الرئيس العراقي صدام حسين، وكيف اعتقله الامريكان وأعدموه، حزين لأنه وقع ضحية ثورة من الشعب الليبي، حسد صدام حسين الذي قتله الامريكان، يفكر أن يواجه مصيره بشجاعة، لديه يقين انه سينتصر، ويعود قائدا مبجلا. التدخل الغربي والأمريكي جعل ميزان الحرب ينقلب ضده، هو شبه متخفي في سرت، لان الثوار وطائرات التحالف الدولي تبحث عنه، لتقضي عليه. يستعيد القذافي ماضيه مع المحيطين به، اغلبهم مصابين برعب أن يخالفوه الرأي ويكون مصيرهم الموت كما سابقين لهم ممن كان حول القذافي، يتفلسف في فهم نفسه والكون والحياة، نكتشف انه يتحرك وفق عقد نفسية مختلفة، يتناول جرعات من المخدرات تجعله يبتعد ذهنيا عما يعيش، ينتظر دعما من اولاده الذين يقودون مناصريه في كثير من المواقع، لكنهم ينهزمون أمام الثوار والتحالف الدولي، استمر الحصار حول مكان تواجده في سرت، يقرروا الانسحاب الى مكان آخر، ينتظر ابنه، وبعض الدعم، يتحركوا خارجين من مكامنهم، لكنهم سرعان ما يقعون في كمائن نصبها الثوار، تتدمر بعض آليات المرافقة، يقتل بعض مساعديه، ويصبح أخيرا في مواجهة مع الثوار مباشرة، ينزلون من سياراتهم المستهدفة وينتشرون كيفيا، هو يلجأ الى صرف مائي يختبئ به. في هذه اللحظة يشعر بالحقيقة، ان الثورة وصلت اليه وأنها ازاحته، وأنه يقبع ضعيفا ذليلا في مصرف مائي خائفا أن يصل الثوار اليه ويقتلوه، قد يمثلوا به ويشوهوه، كان مسكونا في حالة استسلام عجيب. يصل الثوار له يأسروه ويعذبوه ويذلوه، البعض يعتدي عليه جنسيا، لم يتركوا اي سلوك مذل إلا ومارسوه معه. لقد كانوا قد قرروا أن يقتلوه وأن ينتهوا من حكايته. وهكذا كان.
تنتهي الرواية عند العثور على القذافي وتعذيبه وقتله من قبل ثوار ليبيا.
في تحليل الرواية نقول:
كنا ننتظر رواية تتوسع أكثر حول القذافي الذي استمر بالحكم ما يزيد عن اربعة عقود، هذا عدا عن انه كان ابن مرحلة تاريخية مهمة في المنطقة العربية والعالم، له حضور في القضية الفلسطينية، ودعم كل الجماعات الثورية في العالم، دوره في افريقيا، وقوفه في وجه الغرب وأمريكا، إغداقه المال على كل من يناصره ولو ادعاء. القذافي كان أكبر من حجمه في دوره الذي أراده في مواجهة امريكا واعوانها، بغض النظر عن مقدار نجاحه أو فشله.
٠ الرواية لم تصل للمئة صفحة، لذلك كانت تمر بعجالة على عمر القذافي وتاريخه، وأحيانا دون أي ذكر لكل ما عاشه، رغم أهميتها في حياة الرجل ودوره وتأثيره العالمي.
٠ تحدثت الرواية عن الساعات الاخيرة لحياة القذافي، وهذا غير كافي على اهميته، ثم اوغلت في قراءة نفسيته وما كان يفكر، وهذا ليس أكثر من احتمال حول ما الذي كان يجول في خاطره، لحظة حصاره واختبائه والقبض عليه وإذلاله وتعذيبه، ومن ثم قتله. كل ذلك روي من جانبه النفسي، اننا امام احتمال حصول ذلك على مستوى المشاعر.
٠ مع ذلك كانت الرواية اطلالة سريعة على شخصية القذافي الاشكالية التي عمرت كثيرا في السلطة في ليبيا وكان لها أدوار مختلفة محليا في ليبيا وعربيا وعالميا. والتي تستحق دراسات وابحاث تنور حياة الرجل وعصره ودوره. حيث انطلق ككل ثائر من حق الشعوب بإسقاط دول الاستبداد والاستغلال، ليكون نموذجا لحاكم فرد متأله وهوائي ويتصرف كما يحلو له استمرت لعشرات من السنين.
٠ حياة القذافي نموذجا عن الثوري المنحرف، كما حصل مع البعث في سوريا والعراق ومصر ما بعد عبد الناصر وكل بلاد العرب التي انطلقت من ثورات او حركات وطنية، حيث ترسخ حكم الاستبداد وتصنع استغلالا وتبعية للغرب اسوأ مما كان قبل هذه الثورات.
لا تكتمل الثورات بنضجها إلا بوصول الشعب نفسه للحكم عبر الدستور والقانون والمجلس النيابي والرئيس المنتخب. انها الديمقراطية؛ الضمانة الوحيدة للوصول الى دولة الحرية والعدالة والكرامة الانسانية والحياة الافضل.