الإمارات تنشط على خط دمشق – أنقرة ومساع لإنجاز تقارب سوري – سعودي

سركيس قصارجيان

جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحديث عن إمكان عقد لقاء تركي – سوري على مستوى رئاسي، رابطاً ذلك بنتائج اجتماع وزيري خارجية البلدين، بالإضافة إلى الوسيط الروسي المتوقّع انعقاده خلال أسبوع في العاصمة الإماراتية.

بالتزامن، تشهد كواليس دمشق نشاطاً دبلوماسياً واضحاً، وهذه المرة، مرتبطاً بالمسار السوري – العربي، وهو ما انعكس عبر تحرّكات وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان الذي التقى الرئيس السوري بشار الأسد، وسط حديث عن رسائل متبادلة بين دمشق والرياض عبر الضيف الإماراتي.

حذر وتريّث سوريّان في مسار التّطبيع

وأعلن أردوغان يوم الخميس (5 كانون الثاني/يناير 2023) أنه قد يجتمع مع الرئيس السوري بشار الأسد “من أجل السلام في المنطقة”، متحدّثاً عن “عملية ثلاثية روسية- تركية- سورية”، وقال: “نجمع وزيري خارجيتنا معاً ثم بناءً على التطورات سنجتمع معاً على مستوى الزعماء”.

صحيح أن التصريح الأخير لم يأت بجديد عن سابقاته، إلا أن أهمّيته تكمن في توقيته، وسياقه المرتبط بالتحوّلات في السياسة الإقليمية من جهة، وارتباطه بديناميات السياسة التركية الداخلية، من جهة أخرى.

بالنظر إلى العامل الزمني، فقد جاء التصريح التركي بعد أقل من 48 ساعة من إعلان واشنطن، بلسان المتحدّث باسم وزارة الخارجية، رفضها سياسات “تعزيز العلاقات أو دعم إعادة الاعتبار لبشّار الأسد”، ما يعني تجاهل أنقرة تحذيرات حليفتها الأطلسية، على غرار أبوظبي التي لم يثنها الرفض الأميركي عن قيامها بدور الوساطة السورية – العربية من جهة، وتسهيل مهمة الوساطة الروسية في التقارب التركي – السوري، من جهة أخرى.

من وجهة نظر دمشق، فإن أي تطبيع للعلاقات معها يعتبر خرقاً للحصار السياسي الذي تسعى واشنطن وحلفاؤها إلى ترسيخه كنهج للتعامل مع الحكومة السورية، إلى جانب الحصار الاقتصادي الخانق في ما يعرف بمحاولة “تقويم سلوك” الإدارة السورية.

مع ذلك، تبدو دمشق حريصة على قيادة مسار التطبيع بحذر والكثير من التريث، وهو ما يبدو جلياً في شح التصريحات الصادرة عن الجانب السوري حول الموضوع، مقارنة بالضخ الإعلامي المباشر وتسريبات “المصادر” من الجانب التركي، وأحياناً من الجانب الروسي أيضاً.

دمشق الحاضر المؤثّر

بالنظر إلى تصريحات كل من دمشق وأنقرة والتسريبات الصادرة عن كلا الجانبين، يمكن القول إن لقاء الأسد – أردوغان لم يعد مستبعداً، ويرتبط ارتباطاً مباشراً بمدى استعداد الطرف التركي للمضي قدماً بتنفيذ تعهّداته، سواء تلك المقدّمة للوسيط الروسي أم للطرف السوري خلال اللقاءات الأمنية – العسكرية.

نجح الرئيس السوري بشار الأسد في قلب المعادلة السائدة لسنوات مضت، لتصبح دمشق مؤثرة في السياسة الداخلية التركية على عكس الأعوام السابقة عندما كانت تركيا حاضرة بكل ثقلها في السياسة السورية وتأثيرها واضح في الداخل السوري.

غدت دمشق ومسألة تطبيع العلاقات حاضرة في الوعود الانتخابية للسلطة والمعارضة السداسية على حد سواء، بالإضافة إلى الأحزاب السياسية الأخرى، حيث تقدّمت 7 أحزاب سياسية تركية بطلبات رسمية لزيارة العاصمة السورية وإجراء مباحثات مع المسؤولين، تتركز على ملفي تطبيع العلاقات وعودة اللاجئين السوريين، وذلك كجزء من حملتها الانتخابية والوعود المقدّمة للناخب التركي.

وتشير مصادر سورية متابعة إلى تصميم دمشق، الملتقطة لأفضلية التأثير في السياسة الداخلية التركية، على عدم منح ورقة الفوز في الانتخابات للرئيس التركي إلا بعد تحقيق شروطها عبر التحرك لإنجاز ما يمكن إنجازه والتعهد بالقيام بالخطوات التي يحتاج إنجازها لبعض الوقت، شرط إقراره بخريطة طريق واضحة وبضمانات الوسطاء.

بمعنى أدق، لا ترى دمشق ضيراً في أن يقوّي لقاء الزعيمين أوراق أردوغان الانتخابية، لكنها تؤكد استحالة منح هذه الورقة من دون تنفيذ أنقرة الشروط السورية “البديهية” وفق وصف دمشق.

وترى الصحافية سيلفا رزوق، محررة شؤون السياسة الخارجية في “صحيفة الوطن” السورية المقرّبة من سلطات دمشق، في تصريحات إلى “النهار العربي”، أن “دمشق تسعى إلى تحقيق أهدافها في تحرير أراضيها وقطع الدعم والإمداد عن المجموعات الإرهابية، وهي لم توفّر أي جهد من أجل ذلك، سواء بالطرق العسكرية أم الدبلوماسية، الآن أنقرة تمدّ يدها إلى دمشق وتتعهد عودة الأراضي السورية إلى السيادة السورية، وتريد حلاً لمسألة اللاجئين”.

وتضيف رزوق: “في النهاية دمشق لا تفكر بالأهداف الانتخابية لأردوغان بقدر ما تفكر في تحقيق مصالحها، والجانب التركي يقدّم تعهّدات بالانسحاب، كما أن مسألة “قسد” تعتبر نقطة تقاطع بين أنقرة ودمشق، وبالنهاية كل جولات الحوار بين دمشق و”قسد” فشلت”.

وتشير رزوق إلى تصريح الأسد سابقاً بعدم رفضه لقاء أردوغان إذا كان هذا اللقاء يحقق مصالح بلاده، “فدمشق لم تشخصن يوماً الخلاف مع أنقرة ولم تسحبه إلى مستوى أفراد، فإذا كان الهدف تحرير الأرض ومحاربة الإرهاب فلا مانع لدى دمشق من الحوار مع أنقرة”.

الإمارات الأرض المحايدة للقاء السوري – التركي

وتشير المصادر التي تواصل معها “النهار العربي” إلى قرب عقد لقاء على مستوى وزراء خارجية الدول الثلاث خلال مدى قد لا يتجاوز الأسبوع. وهو ما يمكن اعتباره عملياً الانتقال من المحادثات الاستخبارية – العسكرية إلى المستوى الدبلوماسي في مسار التطبيع.

وعلم “النهار العربي” من مصادر دبلوماسية مطّلعة عن توافق سوري – تركي على العرض الإماراتي لاستضافة اجتماعات وزيري الخارجية واللجان الفنية والاختصاصية، وذلك خلال المكالمة الهاتفية التي أجراها وزير الخارجية الإماراتي مع نظيره التركي قبيل وصوله إلى دمشق، وبعدها خلال مباحثاته في سوريا.

وأكد مصدر عسكري سوري رفيع المستوى فضل عدم الكشف عن اسمه لـ”النهار العربي” بدء أنقرة تسيير دوريات أمنية ترافق الوحدات الهندسية للجيش التركي المكلّفة إزالة الألغام والعوائق على طريق “ام 4” الدولي الذي يصل مدينة اللاذقية الساحلية على المتوسط مع حلب وصولاً إلى الموصل، وذلك تنفيذاً للتعهد التركي خلال اجتماع موسكو تسريع ما تم الاتفاق عليه قبل سنوات ضمن مسار أستانا.

إلى جانب الدور الإماراتي الميسّر للوساطة الروسية بين دمشق وأنقرة، علم “النهار العربي” من مصادر سورية وخليجية موثوقة بوساطة إماراتية على خط العلاقات السورية – السعودية خاصةً، والسورية – العربية عموماً. وأكدت المصادر نقل وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد رسالة سعودية إلى الرئيس السوري بشار الأسد ورداً سورياً إلى الرياض.

واستبقت الرياض زيارة الوزير الإماراتي بمطالب عالية السقف وردت في مقالة للإعلامي السعودي طارق الحميد في صحيفة “الشرق الأوسط” المقرّبة من الإدارة السعودية، تحدّث فيها الحميد الذي ترأس سابقاً تحرير الصحيفة نفسها عن هدف “إيقاف مشروع تصدير الثورة الإيرانية، الذي من المستحيل استمراره إذا فقد الإيرانيون سوريا”.

لكن المصادر التي تحدّثت إلى “النهار العربي” كشفت عن “أجواء إيجابية بين الرياض ودمشق، لكنها لا تزال بحاجة إلى إرادة سياسية لتحويلها إلى واقع فعلي”، رابطة المسار السوري – المصري بالمسار السوري – السعودي.

تبدو المهمة الإماراتية محاولة إيجاد حل وسط بين المطالب السعودية – الأميركية في ابتعاد دمشق عن إيران، مقابل تأكيد دمشق عمق علاقتها مع الحليف الإيراني، وتتلخّص الرؤية الإماراتية في إرساء معادلة عربية – إيرانية تكون دمشق في مركزها كوسيط وضامن في الوقت ذاته. تبدو أبوظبي الأقدر على القيام بهذا الدور، نظراً إلى طبيعة سياساتها تجاه إيران الوسطية بين رفض ممارسات طهران والإبقاء على العلاقات الدبلوماسية وحتى الاقتصادية معها، بعيداً من التوتّرات الخليجية – الإيرانية.

فهل تثمر الأجواء الإيجابية التي التقطتها دمشق مع بداية العام الجديد جديداً في علاقاتها العربية والإقليمية؟ الأيام القليلة المقبلة قد تعطي إشارات للإجابة عن هذا السؤال.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى