قراءة في رواية: عسكري بلا جبهة

أحمد العربي

مرعي ابو احمد روائي سوري، هذه الرواية الاولى التي أقرأها له.عسكري بلا جبهة؛ رواية أقرب للمذكرات وللشهادة الذاتية الشخصية عن تجربة الخدمة العسكرية الالزامية التي يخوضها كل شاب سوري بعد سن الثامنة عشر من عمره.

تعتمد الرواية لغة السرد الذاتي بلغة المتكلم، مرعي يتحدث بها عن نفسه وعن تجربته الشخصية. يتحدث دون استفاضة عن كون سورية دولة مواجهة مع العدو (اسرائيل)، وكونه يحتل اراضي سورية هي الجولان، وان النظام السوري اعتمد الخدمة الالزامية لكل شاب سوري، ذلك ان سورية دولة مواجهة مع العدو ويجب أن تكون دائما على أهبة الاستعداد للمواجهة والحرب. زمن الرواية في ٢٠٠٣م، ايام الاحتلال الامريكي للعراق، لم يمر الكاتب على حقيقة الحروب العربية والسورية السابقة مع العدو الصهيوني، وانّا هزمنا في حرب ١٩٤٨م و ١٩٦٧م و في ١٩٧٣م، رغم ادعاء النظام السوري أنه انتصر في الحرب الاخيرة، نعم استعاد القنيطرة وبعض ما احتلته (اسرائيل) في تلك الحرب والتزم منذ ١٩٧٤م باتفاقه مع كيسنجر وزير خارجة امريكا على معاهدة عدم الاعتداء المتبادل التي جعلت جبهة الجولان ساكنة مدة خمس عقود للآن، وها هو اليوم ٢٦/٣/٢٠١٩ يقرر ترامب رئيس امريكا ان الجولان جزء من (إسرائيل) وضُمت لها.

يمر مرعي على كون الطفل السوري يمر بتجهيز نفسي وجسدي أن يكون جنديا في المستقبل، فأولها اعتباره جزء من طلائع البعث في المرحلة الابتدائية، وبعد ذلك وجود مادة التدريب العسكري التي تبدأ من صف العاشر الى البكالوريا، أساسها تدريب على الطاعة والسلاح وتبجيل السلطة، تحمل الكثير من الإذلال وزراعة الخنوع في نفسية الشاب السوري في بدايات نشأته و تفكيره بمستقبله. كما يذكر مرعي ان التدريب الجامعي سواء بدروس دورية وتدريبات أو بالمعسكر الصيفي انه اجباري ولا مفر منه. يتحدث مرعي بلسان حال كل الشباب السوري، أن الجيش من خلال فترته الممتدة لثلاث سنوات ثم لسنتين ونصف بعد ذلك، هي فترة ميتة من حياة الشاب السوري، فلا حرب مع العدو تبرر هذا الجيش الإلزامي، وهي فترة ضياع للوقت والجهد والتكاليف على الدولة والشباب السوري. كان إمام مرعي وغيره من الشباب اما الالتحاق بالجيش مباشرة بعد وصوله للسن المناسبة ان لم يكن طالبا يتابع دراسته الجامعية، او يؤجل ليحصل على فرصة سفر لسنوات يكوّن بها نفسه ويعود بعد ذلك ليخدم الجيش وقد ضمن نفسه وحياته نسبيا. مرعي تخرج من المعهد الفندقي، مازال أمامه عدة أشهر ليذهب الى الجيش، قدم طلب استعجال على مبدأ شر لا بد منه، لينتهي منه بسرعة. مرعي من مدينة تدمر المحملة بتاريخها العريق بحكاية زنوبيا والآثار الحضارية وسجنها العريق بكل فظاعاته وعاره في عهد النظام السوري الحالي الاب والابن. والد مرعي معلم لغة عربية عريق. يلتحق مرعي بتجمع الجنود القادمين من كل انحاء سورية في مدينة النبك السورية، حيث يؤخذ من هذا المركز من يختاره الحرس الجمهوري والوحدات الخاصة، وهما أهم القوى العسكرية التي يقع على عاتقها حفظ النظام الحاكم والسلطة السورية. كان نصيب مرعي أن يفرز الى المدرسة الطبية، رغم اختلاف اختصاصه عن الطب، يتحدث مرعي مسهبا عن المعاملة العسكرية في دورة الأغرار الممتدة اشهر، الدورة التي تعني تعلم العسكري على الطاعة والجلد والصبر والتحمل، لكنها في واقع الحال، هي مرحلة إذلال وترويض على كسر النفس وزرع كل شروط الخنوع والطاعة. يقوم بالتدريب صف ضباط او ضباط متطوعين، مسكونين في عقد تفوق او نقص، يحولون العسكري الى مجرد دمية يتلهون بها، العسكري ليس امامه الا الطاعة والامتثال. استغرق مرعي وقتا ليثبت فرزه، فهو تارة في المدرسة الطبية في حرستا، وتارة في مدرسة المحاسبة في مصياف أو منتقلا الى كلية المحاسبة في حلب، وفي كل المراحل هو وزملائه ضحية معاملة قاسية وإذلال، لا فائدة حقيقية من هذه المعاملة، يأخذ بعض دروس الاختصاص بما فرز له كمحاسبة. بعد مضي ستة أشهر وانتهاء دورة الأغرار في المحاسبة، يفرز الى نادي الضباط في حلب. كان هذا الفرز نتيجة واسطة والد صديقه، طبعا الواسطات يعني تدخل رجل سلطة او عبر دفع المال. الجيش هو عبارة عن مصدر مال لكل متنفذ به وكل حسب مركزه وقدرته وخدماته التي يقدمها للعسكر وذويهم. لم يكن مرعي سعيدا بالفرز الى نادي الضباط، كان العقيد المسؤول غولا يأكل كل شيء ومعاملته سيئة، سرعان ما سيعامل مرعي بهذا الشكل، لأنه لم يستطع أن يحصل منه على اي مكتسبات. مرعي يخبر والده ووالده يحاول ان يؤمن لابنه المال أو الواسطة، لكنه لا يفلح، وعندما يعلم الأب بسجن ولده لمدة عشرين يوم، هذا عدا عن العقوبات المتتالية لخدمة مضافة عالية في الجيش تصل لأشهر طويلة، أصيب الوالد بالجلطة التي تفاقمت بعد ذلك وأدت لوفاته. يتحدث مرعي عن معاناته حين علم بمصاب والده وكيف أعطي اجازة قصيرة لزيارته، ومن ثم وفاة والده والوقت القليل الذي شارك به العزاء الى جانب عائلته. وزادت نكبته بعد مدة بإصابة والدته بالشلل النصفي حزنا على زوجها. حمل مرعي همّ اهله والدته واخوته الصغار خاصة بعد وفاة الوالد، أنه مكبل بالجيش لا يستطيع فعل شيء. يتابع مرعي الحديث عن وضعه بالجيش حيث أبعده الضابط المسؤول عن نادي ضباط حلب لكونه لم ينتفع منه، يفرز الى الفرقة الخامسة في درعا. يرسل الى هناك وفيها يعمل تحت امرة ضابط يعرف كيف تؤكل الكتف، لقد استفاد من مرعي واختصاصه كمحاسبة، مرعي سيعرف تفاصيل وضع العساكر والضباط في الفرقة، الكل يعمل ليحصل على المال والمكتسبات، والمصدر دوما الجندي ومخصصات الجيش وما يعطى للعساكر من مأكولات ومشروبات ومستلزمات، العسكري يخدم بالسخرة في حال فقره، أو يعطى الاجازات ويعود محملا بالهدايا او المال النقدي للضباط، بعض العسكر يخدمون في بيوتهم، الضباط ياخذون معاش الجنود ويحضر الجنود مبالغ اضافية يتفق عليها. ان هذه الالية تسير بشكل اعتيادي في كل قطعات الجيش وبين ضباطه وجنوده. الجنود هم البقرة الحلوب، والضباط يثرون على حساب هؤلاء الجنود ونهبهم لهم. ينتقل مرعي من قيادة الفرقة الى لواء في الفرقة، ثم ينتظر التسريح، ويأتي تسريحه ويعود حرّا بعد خدمة أدمت عقله وروحه، التحاقه بالجيش لم يعفه من الغربة ليبني مستقبله، انه الان مغترب في السعودية.

في تحليل الرواية نقول:

نحن أمام رواية تقريرية توثيقية تتحدث عن وقائع حصلت، لا حصّة للخيال فيها، هي أقرب لليوميات. ورغم ذلك ورغم قصرها ١٢٦ ص وكونها ١شخصية جدا ومباشرة، لكننا نقرأ ما خلف السطور؛ ماذا عن جيش المواجهة مع العدو، أي مواجهة واي عدو، خمسين عاما والجبهات مغلقة والعساكر تسرق منهم أعمارهم وأموالهم. نمط الاستغلال في الجيش هو صورة عن الاستغلال والاستبداد والإذلال في واقع الحياة اليومية للشعب السوري كله.

في الرواية نقطة ضعف وهي عدم تناولها لدور الجيش السوري بعد ثورة الشعب منذ ٢٠١١م، وأنه تحول جيش قاتل لشعبة، الجيش الذي وضحت بنيته الطائفية، أغلب ضباطه المتنفذين والمسطرين والمتكسبين من الطائفة العلوية، هذا الجيش استعاض عن العدو الصهيوني بالشعب، جيش سرعان ما انشق منه أغلب جنوده وصف ضباطه، والكثير من الضباط الشرفاء المدركين ان هذا الجيش بهذه التركيبة هو جيش فئة وعائلة وبعض طائفة، ليس جيش الشعب بل السلاح الموجه عليه لقتله، وهذا ما حصل بالفعل.

عذر الرواية والراوي انها تجربته الكتابية الاولى، وقوتها انها أشبه بتقرير معلوماتي موثق عن حالة جيش يدّعي أن يحمي الشعب لكنه يسرقه ويقتله.

.الرواية  تتحدث مع غيرها عن أوجه معاناة الشعب السوري الذي قام بثورته المنصورة بعون الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى