هل تتجه سورية نحو التقسيم؟

عدنان علي

مع حالة الانسداد السياسي الذي تعيشه سوريا، منذ سنوات، واتجاه الأوضاع المعيشية والاقتصادية إلى مزيد من التردي، يبدو الأفق مظلماً ولا أمل إلا في مزيد من الانتظار، عسى الله أن يقضي أمراً كان مفعولاً.

والحقيقة أنّ الصورة بقدر ما تبدو مربكة ومشوشة، إلا أنها واضحة إلى حد ما، حيث التراكمات السلبية، لا يمكن أن تسفر عن نتائج إيجابية، خصوصاً أنه لا يوجد أي مشروع استنهاضي قائم أو محتمل، مضاد للواقع الحالي، الذي تسير فيه الأوضاع ببطء، ولكن بثبات، نحو أفق لا تبدو ملامحه واضحة اليوم لكن مثاله ارتسم خلال العقود الماضية في بلد مجاور لسوريا، وهو العراق.

هذا الأفق، الذي يشكّل هدفاً بالنسبة للقوى الفاعلة، وتحديداً الولايات المتحدة (وخلفها إسرائيل) يتمثل في ترسيخ خريطة السيطرة الحالية، كإطار رسمي وقانوني مع بعض التعديلات الطفيفة التي تراعي مصالح هذا الطرف الخارجي أو ذاك، مع أدنى اهتمام بمصالح الشعب السوري نفسه، دون أن يغيّر في الأمر شيئاَ، بقاء سوريا موحدة شكلياً أو تحت علم واحد.

وكما هو معلوم، فإنّ البلاد مقسّمة اليوم إلى ثلاث مناطق سيطرة رئيسية وهي: النظام (نحو 63% تضم قرابة 9 ملايين نسمة) والمعارضة في شمال غربي سوريا (نحو 11% تضم أكثر من 4 ملايين نسمة) وقوات “قسد” المدعومة أميركياً في شمال شرقي سوريا (نحو 25% وتضم قرابة 3 ملايين نسمة).

وقد استقر هذا التوزيع، منذ عام 2018 تقريباً، مع سيطرة قوات النظام على الجنوب السوري وقبل ذلك الغوطة ومحيط العاصمة دمشق، ليضيف لاحقاً بعض المناطق في ريف إدلب.

ومن نافل القول، إنّ النظام مع داعميه من الروس والإيرانيين، استنفد قدرته على توسيع نطاق سيطرته، حيث بات عليه أن يصطدم بالجيش التركي والذي عزّز حضوره بشكل مكثّف شمالاً بالتكاتف مع فصائل محلية، أو مع القوات الأميركية شرقاً، التي تلتزم سراً وعلناً بدعم “قسد”، وعدم السماح بوصول قوات النظام أو الروس أو الإيرانيين إلى تلك المناطق.

وإذا أمعنا في الوقائع الماثلة على الأرض، وحاولنا قراءة سيروراتها الممكنة، لا بد الأخذ بعين الاعتبار الحقائق التالية:

جميع الأطراف المحلية غير قادرة على توسيع نطاق سيطرتها الحالية، سواء لمحدودية إمكاناتها أو لاصطدام أهدافها بالمصالح الدولية.

جميع الأطراف مأزومة سياسياً واقتصادياً ووجودياً.

جميع الأطراف تستظل بحماية خارجية، والأطراف التي تحميها غير متوافقة على الحل حتى الآن.

جميع الأطراف مستعدة فقط لتقديم تنازلات محدودة في سبيل الحل النهائي، وتراهن بهذا القدر أو ذاك على عامل الوقت الذي تعتقد أنه سيكون لصالحها.

وبهذا المعنى، فإنّ الارتهان لإرادة الأطراف المحلية لن يقود إلى حل، طالما أن كل طرف يعتقد أنه قادر على الحسم بمجرد أن ترفع إحدى القوى الخارجية يدها عن دعم الخصم. فالنظام وحلفاؤه كانوا يأملون أن تكمل الولايات المتحدة انسحابها من سوريا وفق ما أوشكت أن تفعل في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، لينقضّوا على شرق الفرات، أو أن تتغيّر الحكومة في تركيا، وتتسلم المعارضة التركية الحكم ليستعيدوا إدلب وجوارها. كذلك تراهن المعارضة و”قسد” على انسحاب روسيا وإيران من المشهد السوري في ضوء انشغالهما بأوضاعهما الداخلية وبالحرب الروسية على أوكرانيا.

غير أن الرياح لا تجري كما يشتهي هؤلاء. واللاعب الأهم فيما سلف هو الأميركي الذي يعمل غالباً بوحي إسرائيلي. إنه يمسك بمفاتيح الحل كلها، تحت يده آبار النفط والغاز. وبإشارة منه تتحرك المساعدات الخارجية وأموال إعادة الإعمار والانفتاح السياسي الخارجي على النظام.

لدى الولايات المتحدة كل المفاتيح لتعويم نظام الأسد لو أرادت، ويمكنها التخلّص منه أيضاً لو أرادت، ولديها كل الإمكانات السياسية والاقتصادية والعسكرية لفعل ذلك، لكنها لا تريد هذا أو ذاك، وهي ما زالت تواصل سياسة “إدارة الأزمة” دون غالب أو مغلوب لهدف استراتيجي تعمل عليه بهدوء وبطء بالتنسيق الكامل مع إسرائيل.

ما زالت ترى في سوريا ساحة لاستنزاف أعدائها وخصومها روسيا وإيران وتركيا، بينما هي وإسرائيل لا يدفعان تقريباً أي ثمن للمحنة السورية، ولم تستقبل إلّا قلة من اللاجئين السوريين، وتكاد مساهمتها تقتصر على بعض المساعدات الإنسانية، مع وجود رمزي غير مكلف لقواتها في شرقي سوريا، لكنه وجود فعال ورادع لخصومها.

والسؤال المطروح هو ماذا تريد الولايات المتحدة من سوريا؟ والجواب كما أسلفنا يأتي من المثال العراقي. حكم ذاتي للأكراد شرقي سوريا، وشيء يشبهه، ولكن بدرجة أقل في جنوبي البلاد (درعا والسويداء)، وضم بقية المناطق لحكومة مركزية في دمشق، تستطيع فقط تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة لشعبها، دون أن تشكل خطراً على أحد (إسرائيل) لعقود مقبلة.

لكن ما الذي يمنع واشنطن من تأكيد هذا الحل علناً؟ إنها فقط تحفظات بعض القوى الإقليمية، حيث تريد تركيا أن تتأكد من أن إدارة الحكم الذاتي شرقي سوريا، ستكون سوريّة بحتة وغير محكومة من رجال قنديل، وغير معادية تالياً لتركيا، أي على غرار إقليم شمالي العراق الذي تربطها به علاقات جيدة، كما أنّ إسرائيل تريد أن تطمئن إلى أن هذا الحل سيتضمن إخراج إيران وميليشياتها من سوريا. أما روسيا، فليس لديها اعتراضات جوهرية على هذا السيناريو، ما دام يُبقي نظام الأسد في الحكم، ما يوفر لها الادّعاء بتحقيق هدف تدخلها، وهو عدم الإطاحة به.

تبقى مسألة أن يوافق النظام السوري على هذا الحل، حيث ما زال يتوهّم بإمكانية السيطرة الكاملة على شرقي الفرات، خاصة الثروة النفطية دون شريك محلي. وتراهن واشنطن أن الأزمات الاقتصادية الحالية التي يتخبّط بها النظام، فضلاً عن “قانون الكبتاغون” الذي ستظهر مفاعيله قريباً على النظام، كفيلان بجعله يغيّر حساباته، وينشد السلامة ولو على دولة منقوصة السيادة، ما دام الخيار الآخر هو استبداله.

وفي طبيعة الحال، تدرك الولايات المتحدة أنّ نظاماً ضعيفاً ومهدّداً بالسقوط، هو المؤهل لتقديم تنازلات بهذا الحجم. وبعد أن ينجز مهمته الثانية في تقسيم البلاد (بعد تدميرها) ستكون مسألة التخلّص من النظام المدان بارتكاب جرائم حرب وبقيادة عصابة دولية لتجارة المخدرات، مسألة وقت وفقط.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى