الجوع يقتحم منازل السوريين.. وتوجه حكومي لتسييل الدعم للأسر مباشرة!

طارق علي

بعدما أكد وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السوري عمرو سالم قبل نحو أسبوعين عدم وجود أي نية لدى الحكومة السورية بتحويل الدعم المادي المخصص للأسر نقداً مقطوعاً شهرياً، غيّر رأيه خلال الأيام الماضية، وتراجع عن تصريحاته السابقة التي أكدها غير مرة، ليطرح من جديد فكرة تحويل الدعم إلى مبالغ نقدية، مانحاً وسائل الإعلام بعض التفاصيل الضرورية، ورغم ضرورتها إلا أنّها جاءت مبهمة.

في العادة لا تقدم الحكومة السورية تفاصيل كاملة حيال معظم المشاريع التي تطرحها، فالوزير سالم قال إنّ الخطة الأولية تقتضي بتحويل مبلغ 5 آلاف مليار ليرة سورية لصالح الدعم النقدي، فيما لم يحدد ما إذا كانت المبالغ المقطوعة ستكون شهرية أم سنوية، لكن الأكيد أنّها ستشمل نحو 4 آلاف عائلة، وليترك الوزير الباب موارباً من دون أن يتحدث عن صيغة إقرار نهائية أم أنّ هناك مجالاً للتراجع.

وفي حال كان المبلغ شهرياً، فستحصل الأسرة على نحو مليون و250 ألف ليرة شهرياً، إلا أن ذلك مستبعد جداً، والأرجح أن يكون شهرياً بقيمة تعادل 125 ألف ليرة، وفي هذه الحالة لن تغطي هذه القيمة شيئاً من مستهلكات الأسرة.

مسألة وقت

مصادر خاصة قالت لـ”النهار العربي” إنّ مسألة التحول إلى الدعم النقدي هي مسألة وقت فعلاً، وأنّ الإجراءات الأولية اتخذت بصورة شاملة.

وتحصل الأسر السورية على موادها الأساسية (أرز – خبز – شاي – برغل – سكر …الخ) بكميات محددة وبأسعار مخفضة نسبياً عن سعرها الحر عبر “البطاقة الذكية – الأسرية”.

الوضع الجديد سيقتضي منح مبلغ مالي شهري مقطوع يضاف إلى رصيد البطاقة ليتمكن المواطن من شراء ما يرغب به بسعر السوق. مبلغ ثابت ومحدد قد لا يلبي أدنى الاحتياجات في ظل الوضع القائم، فستباع المواد بأسعار استيرادها غير المدعومة، بمعنى أن كيلو السكر سيرتفع سعره أضعافاً ليصل إلى حدود 5 آلاف ليرة (نحو دولار أميركي).

عقبة الفساد

الموضوع شائك ومربك، فهل تطبيقه سيشكل حلاً لملفات معيشية كثيرة؟ لا سيما إذا علمنا أن تطبيقه سيشوبه فساد منقطع النظير في بلد لا يحتمل المزيد من الفساد والمشاكل والتفقير للمجتمع.

لماذا سيشوبه فساد؟، ذلك لأنّ الأسرة ستضطر مرغمة على شراء حاجياتها عبر البطاقة حصراً من المؤسسات الاستهلاكية التابعة لوزارة التجارة الداخلية، وبالتالي سيحصل صراع غير مسبوق بين التجار على امتياز الاستيراد لضخ أسوأ البضائع وأردأها في صالات البيع، على اعتبار أنّ المواطن سيشتري مرغماً تلك المواد لئلاً تضيع عليه قيمة البدل النقدي الشهري.

ولكن في المقابل لطالما كان الأمر مطلباً لفئات واسعة من الجمهور، إلّا أنّ العبرة في تنفيذه اليوم، فهل ستنتصر الحكومة لكرامة ولقمة عيش شعبها، أم أنّ للتجار رأياً آخر، في بلد يتصارع فيه التجار على امتياز التفوق فوق أبنائه، محتكرين كل ما يمكن احتكاره؟

مؤشرات متضاربة

الحكومة السورية اليوم أمام استحقاق تاريخي، ليس فقط في ما يتعلق بموضوع الدعم النقدي، بل لإثبات نفسها كحكومة على قدر عال من المسؤولية والكفاءة والمقدرة الوطنية على تجاوز الأزمة والإمساك بزمام المبادرة وإعادة تصويب دفة السفينة وقيادتها نحو برّ الأمان.

ولكن، ما زالت المؤشرات سلبية، وهي للأسبوع الثاني غارقة بأزمة محروقات غير مسبوقة في تاريخها، أزمة بدأت بوادر انفراجها بمنح امتياز استيراد النفط بالسعر العالمي لأحد التجار المحظيين، ليقوم برفد السوق به وبيعه.

المعادلة مركبة للغاية، لماذا لا تستورد الحكومة إذاً بالسعر العالمي وتبيعه هي مباشرة، ألم يكن قانون قيصر والعقوبات هما المشكلة؟، هذا سؤال يجيب عنه أيضاً وزير التجارة السوري في أن المشكلة ليست بالاستيراد، بل بتوافر القطع الأجنبي! لكن المواطن السوريّ احتار الآن، فلم يعد يعرف أين المشكلة حقاً، هل هي في آلية الاستيراد والمنع الدولي، أم بعدم توافر القطع الأجنبي؟.

هل يجب أن تستقيل الحكومة؟

ذلك مؤشر آخر أنّ الحكومة لا تعطي إجابات كاملة حول شيء يتعلق بمصير شعب بأكمله، يسأل مواطنون: ألا تستقيل حكومات ومنظر بلدها فارغ لا حياة فيه؟، بل هي راحت تجترح الحلول فقررت أن يكون هناك عطلة ليوم الأحد المقبل، والأحد الذي يليه، لتخفيف نفقات المحروقات، وتأجيل الدوري السوري للشهر المقبل لعدم وجود محروقات لتنقل فرق الأندية بين المحافظات، هل هذه إجراءات الحكومة فقط؟

في المقابل لا يجوز تحميل الحكومة المسؤولية كاملة، وفق المهندس الاستشاري إبراهيم حداد، الذي قال لـ”النهار العربي” إن “الناس جاعت، هذا أصبح معروفاً، ولكن ما الذي أوصلنا إلى هنا؟ أليست الحرب والاستشراس على بلدنا والعقوبات الغربية القاتلة، لولا كل ذلك، هل كنا وصلنا إلى ما نحن عليه الآن؟”.

الأكاديمية الاقتصادية سوسن عاطف تتفق مع طرح الاستشاري إبراهيم، حيث تؤكد أنّ مؤشر التنمية كان في تصاعد قبل الأزمة، وتقول: “هل كان هناك جياع عشية الحرب؟ كان بلدنا مكتفياً للغاية في موارده ولنا كلمتنا في التصدير العالمي. اليوم ما هي الموارد التي ستستند عليها الحكومة في التنمية وتحسين المعيشة؟ نحن لا نملك شيئاً، وعلى صعيد النفط والغاز فهو بأكمله خارج سيطرة الحكومة”.

بيد أنّ السخط الشعبي على الحكومة وتحميلها مسؤولية مآل الأمور هو الطاغي في الشارع السوري، وهذا ما يقوله الجامعي معاذ خباز: “ليست مشكلتنا أن نفكر عن الدولة، نحن رعاياها وواجباتنا نؤديها كاملة، فهل سنصرف على الحكومة، أم العكس؟”.

صفيحة البنزين تساوي مرتب الموظف

يمكن بسهولة رصد مئات، وربما آلاف، الآراء المحتقنة المتشنجة، فالناس تحت وطأة الجوع لا يمكن التكهن بأنواع غضبهم، إلّا أنّ أسبابه بلا شك واضحة وجلّية، الفقر يفعل أكثر، فالسعر العالمي لصفيحة البنزين الذي يباع الآن في سوريا هو 98 ألف ليرة سورية، ومرتب الموظف الحكومي مئة ألف ليرة، فكيف يعقل أن يكون الراتب مساوياً لثمن غالون واحد من البنزين؟ هذا مع الأخذ في الاعتبار أن سعر الغالون وصل في السوق السوداء إلى حدود 360 ألف ليرة، والسؤال الآن، هل ستغطي الحكومة حاجة السوق من البنزين العالمي؟، أم أنّ الحل الإسعافي لن يكون مجدياً كما يجب؟

العديد من الأسباب تحوم حول عدم القدرة على إيصال دعم حقيقي للمواطن، ودفع جزء كبير من نفقات معيشته، في ظل الارتفاع المهول في أسعار كل شيء، خصوصاً أن الدولار واصل ارتفاعه لمستويات تاريخية أمام الليرة السورية كما لم يحصل خلال كل سنوات الحرب، حيث بات اليوم الدولار الواحد يعادل نحو 6 آلاف ليرة، ما فاقم المشاكل الاجتماعية بمختلف أشكالها وهو يزيد في مآسي السوريين ما لم تنتهج الحكومة سياسة واضحة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في سوريا.

عدد من الاقتصاديين يتخوفون من مشروع الدعم النقدي لأسباب كثيرة أبرزها صعوبة تطبيقه على الصعيدين النظري والعملي، وبالتالي الدخول مجدداً في دوامة التجربة التي ليس لسوريا سوابق حسنة معها، فمعظم الحلول التي اجترحت خلال عمر الأزمة كانت حلولاً تجريبية لم تؤدِ إلى نتائج مرضية للمواطنين.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى