أزمة السويداء – مؤامرات الخارج وأخطاء الداخل

معقل زهور عدي

بدون شك , فإن جميع الوطنيين السوريين مدعوون للتفكير في السبيل لخروج السويداء من محنتها المؤلمة , فحتى لو صمد وقف إطلاق النار الحالي , يبدو أن جذور الأزمة مازالت تهدد بالعودة للقتال , فالعشائر لن تعود بدون إطلاق سراح الرهائن المحتجزين والذين يقال إنهم يقاربون الألفين بين رجل وامرأة وطفل من العشائر , وكذلك عودة عوائل العشائر التي تم تهجيرها إلى مساكنهم أو ماتبقى منها , وفي المقابل فإن بقاء قرار السويداء بيد تيار الهجري لايسمح بتنازلات ذات معنى , وهولايوافق على دخول قوى الأمن العام إلى المدينة حتى الآن , وحتى لودخلت قوى الأمن العام فيمكن أن تتعرض لهجمات مثل التي تعرضت لها من قبل وتسببت في تدخل الجيش .

المشكلة مع تيار الهجري ليست فقط في رفضه للدولة السورية لكن في العلاقة التي صارت تربطه مع اسرائيل عبر الشيخ موفق طريف وهي علاقة أصبحت شبه علنية بدليل أن زعيما درزيا مرموقا مثل وليد جنبلاط تحدث عنها بطريقة لاتقبل التأويل , بل ذهب إلى أن موفق طريف أصبح فعليا المرجع للشيخ الهجري في جميع مواقفه السياسية .

هكذا لم يتم فقط اختطاف القرار السياسي للسويداء بعيدا عن الحوار مع الدولة السورية ولكن تم ربطه بالسياسة الاسرائيلية أيضا والتي لاتخفي رغبتها في إضعاف الدولة السورية وتفكيك سورية إلى دويلات ضعيفة وتابعة .

بطريقة أو بأخرى لابد من إبعاد تيار الهجري عن القرار السياسي للسويداء , وإعادة ذلك القرار ليد الوطنيين والمثقفين الأحرار والذين يمثلون الانتماء الوثيق للسويداء إلى عروبتها ووطنيتها وتاريخها المشرق الذي عمل الهجري على تشويهه والاساءة أليه .

ما ينبغي لجميع الوطنيين الأحرار في سورية الذين يحملون راية الثورة السورية فعله هو وقف التحريض الطائفي ضد الدروز أولا , وحصر المسؤولية بتيار الهجري في حرف الحراك الوطني الديمقراطي في السويداء, واختطاف القرار السياسي وسياسة الالتحاق والتبعية لموفق طريف اليد اليمنى لنتنياهو و بالتالي تنفيذ الأهداف والسياسات الاسرائيلية تجاه سورية وما استتبع ذلك من العداء للدولة السورية وتفاقم نفوذ الميليشيات المسلحة وانفجار الاعمال المسلحة مع العشائر وصولا لما آل إليه الحال اليوم , كل ذلك يقع بالدرجة الأولى وإلى حد كبيرعلى عاتق الهجري وجماعته وليس الطائفة الدرزية .

لكن السؤال الذي ينبغي أن نفكر فيه مليا : كيف وبأية ظروف استطاع تيار الهجري اسكات جميع الأصوات الوطنية في السويداء وتسيد القرار السياسي هناك ؟

لايمكن اعتبار القوة المسلحة للميليشيات وحدها هي التي تقف وراء تمكن تيار الهجري من الصعود على حساب التيارات الوطنية الأخرى بل لابد من البحث في أخطاء الادارة الحكومية والتي أعطت تيار الهجري المبررات والذرائع بحيث أضعفت موقف التيارات الوطنية في السويداء .

فالأخطاء التي تناولها كثيرون من المفكرين السوريين الأحرار والشخصيات الوطنية التي شاركت في الكفاح ضد النظام السابق لم تلق آذانا صاغية قط .

وبدلا من ذلك تم إهمالها أو الالتفاف عليها , وهكذا تراكمت الأخطاء فوق بعض , وأصبح شائعا أن الادارة الحكومية رغم انجازاتها في الخارج التي لايمكن انكارها , ورغم استنادها لتأييد غالبية الشعب السوري إلا أنها بصدد رسم هيكل دولة من لون واحد , وفرض رؤيتها الخاصة التي لايشاركها فيها كثيرون على الجميع .

هل أستعيد هنا ماسبق الحديث حوله مرارا , فمؤتمر الحوار الوطني كان مصطنعا إلى حد كبير , ونتائجه كانت مقررة سلفا , والاعلان الدستوري جاء ليس كإعلان دستوري مؤقت ولكن كدستور مختزل وناقص .

العدالة الانتقالية تم ترحيلها , لجان التحقيق في جرائم الساحل تأخرت كثيرا , ألأخطاء التي ارتكبت في الساحل تكررت في السويداء .

كل ذلك خلق وضعا ضبابيا لم يعد المواطن السوري يعرف من خلاله إلى أين نسير بالضبط .

بكلمة واحدة لقد قمنا بايجاد الظروف الملائمة لنشوء تيارات كتيار الهجري بدل أن نقطع الطريق عليها , وكانت حساباتنا أن ضبط العلاقة مع الخارج وكسب تأييد الدول العظمى والاقليمية هو العامل الحاسم في قوة الدولة إضافة لشعبيتها في الشارع .

نقطة الضعف في مثل ذلك التفكير هي نسيان أن الدول الكبرى وتحديدا الولايات المتحدة لايمكن الركون لصداقتها بحال من الأحوال , فحتى اوكرانيا التي سلمت مقاليد أمورها للناتو وجدت الآن أن الولايات المتحدة تتخلى عنها بل وتطالبها بما يشبه الاستسلام أمام الروس .

نعم لقد كان انجازا باهرا العمل على إعادة التموضع بالقرب من الدول العربية وتركيا والغرب ورفع العقوبات عن سورية، لكن ذلك لا يعفينا من مراجعة السياسة الداخلية وتصويبها، فالسياسة الداخلية حين تتراكم أخطاؤها يمكن أن تقلب جميع المعادلات في ظل علاقة هشة وجديدة مع الولايات المتحدة والغرب.

أخيرا: أعداؤنا كثيرون، لكن أخطرهم هي أخطاؤنا التي نتجاهلها ولا نريد إصلاحها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى