في تظاهرة هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 3 سنوات، خرج نحو 2000 محامٍ مصري، في تظاهرة الخميس الماضي انطلقت من مقر نقابتهم بشارع رمسيس وسط القاهرة، وجابت جزءاً من الشارع.
وشارك في التظاهرات غالبية النقابات الفرعية، التي وفرت حافلات لنقل أعضائها من المحافظات إلى النقابة العامة، بعد اجتماع مجلس النقابة العامة والفرعيات برئاسة نقيب المحامين عبد الحليم علام، الثلاثاء الماضي، والذي أعلن فيه رفض تسجيل المحامين في منظومة التسجيل الإلكتروني والفاتورة الإلكترونية، المفروضة من وزارة المالية، بإجماع الآراء.
وأقر اجتماع مجلس النقابة العامة للمحامين والفرعيات عدة بنود، وهي: رفض التسجيل بالفاتورة الإلكترونية، وإلغاء – بموجب اتفاق مع وزير المالية – الفترة المحددة للتسجيل، وعدم تطبيق أي غرامات على المحامين، واعتبار النقابة العامة والنقابات الفرعية في حالة انعقاد كامل حتى انتهاء الأزمة، وإرجاء أي خطوات تصعيدية لحين الانتهاء من أعمال اللجنة المُشكّلة لحل الأزمة مع مصلحة الضرائب.
وقال وكيل نقابة المحامين مجدي سخي، في تصريحات صحافية، إن “اللقاء الذي تم بين وفد النقابة برئاسة النقيب عبد الحليم علام، مع وزير المالية محمد معيط، ورئيس مصلحة الضرائب، تناول موضوع تطبيق الفاتورة الإلكترونية على الأعضاء. وتم إيصال صوت الجمعية العمومية للوزير، وإبلاغه بأن مجلس النقابة العامة وأعضاء الجمعية العمومية يرفضون التسجيل في المنظومة بشكل قاطع”. وأضاف أن الوزير ورئيس مصلحة الضرائب “ينتظران ما سينجم عن اللجنة لوضع رأيها في الاعتبار والأخذ به”، مبشراً “بانفراجة قريبة في الأزمة”.
وقفات احتجاجية للمحامين
التظاهرة التي استمرت أكثر من 5 ساعات أمام مقر نقابة المحامين بالقاهرة، لم تكن الوحيدة خلال الأيام الماضية، إذ شهدت بعض المحافظات وقفات احتجاجية للمحامين، كان من بينها الوقفة التي نظمها محامو محافظة المنوفية في مقر نقابتهم الفرعية بشبين الكوم، اعتراضاً على تطبيق “الفاتورة الإلكترونية”.
وقال مصدر من مجلس نقابة المحامين إنه من المنتظر أن يتم تنظيم وقفة مماثلة غداً الاثنين، إذا لم تتم الاستجابة لمطالب المحامين.
ولم يشهد الشارع المصري حراكاً جماهيرياً بهذا الشكل منذ التظاهرات التي اندلعت في سبتمبر/ أيلول 2019، استجابة لدعوة من المقاول محمد علي، وبعد تظاهرات إبريل/ نيسان 2016، اعتراضاً على اتفاقية تعيين الحدود البحرية التي تم توقيعها بين مصر والسعودية في العام نفسه، وانتقلت على إثرها جزيرتا تيران وصنافير إلى سيادة المملكة.
وعلى الرغم من أن تظاهرة المحامين تعد الكبرى والأكثر تنظيماً منذ تظاهرات سبتمبر 2019، إلا أن الشارع المصري شهد بعض التظاهرات المتقطعة التي تخرج بين حين وآخر في جزيرة الوراق، اعتراضاً من الأهالي على تهجيرهم.
اتجاه رسمي لاحتواء مطالب المحامين
وعلّق برلماني مصري على التظاهرات بأنها الأكثر أهمية منذ 6 سنوات. وقال في حديث مع “العربي الجديد”، طالباً عدم ذكر اسمه، إن المحامين ينتمون لواحدة من أهم النقابات التي أدت دوماً دوراً رائداً في الحياة النقابية، والسياسية، هي نقابة المحامين، ولهذا فإن الاهتمام الرسمي بدا واضحاً، وعلى الأغلب فإن الاتجاه الرسمي يسير نحو احتواء مطالب المحامين، والموافقة على الكثير منها.
وعلى مدى سنوات، فقد الشارع المصري صوته تماماً، إثر حملات الاعتقال التي نفذتها الشرطة المصرية ضد المتظاهرين، واعتقال المئات منهم.
وعلى الرغم من أن البعض اعتبر أن تظاهرة المحامين لا تعدو كونها حراكاً فئوياً، لا يهدف إلا لتحقيق مصلحة مجموعة معينة من المواطنين، إلا أن كثيراً من المحامين، الذين تحدثوا لـ”العربي الجديد”، قالوا إن “أي حراك سياسي، هو في الأصل يأتي بدافع مطالب فئوية”.
وقال المحامي الشاب محمد عاطف، إنه “لو استعدنا الظروف السياسية ما قبل ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، وتأملنا في الوضع العام، فسنجد أنه منذ 2005 وحتى اندلاع الثورة، كان الشارع السياسي يشهد العديد من التحركات التي توصف بالفئوية، مثل الصحافيين والقضاة والمحامين والعمال والأطباء وغيرهم. وبتفاعل كل هذه المطالب والحركات نشأت وتبلورت حركة سياسية، أدت في النهاية إلى ثورة الشعب المصري كله، الذي هو مكوّن أساساً من كل هذه الفئات، وأطاحت نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك”.
من جهته، اعتبر المحامي عصام العليمي أن “الاحتشاد الاحتجاجي النادر الذي نظمه المحامون من أجل “مطلب فئوي”، بعدما طاولتهم خطة الحكومة لتعظيم حصيلة الضرائب من إيرادات المهن المختلفة من خلال ماكينة المنظومة الضريبية، يجعلنا نعيد طرح القضية السياسية الأساسية، وهي أن “لا ضريبة بدون تمثيل”. فلو من حق الدولة مكافحة التهرب الضريبي، فمن حق دافعي الضرائب ممارسة حقهم في التمثيل السياسي والتشريع والرقابة على عمل السلطة التنفيذية ومحاسبتها”.
وأضاف العليمي: “من يضمن أن حصيلة الضرائب التي تجمعها الدولة سيتم توجيهها إلى القطاعات التي تحتاج إلى الإنفاق الحكومي، مثل القطاع الصحي مثلاً، بحيث لا نتجنّب مشاهد مثل الاعتداء على الطواقم الطبية”.
الترويج لأن المطالب الفئوية تعطل حركة الإنتاج
وقال العليمي إن “ما نجحت فيه السلطة على مدار السنوات الماضية، هو الترويج لأن المطالب الفئوية تعطّل حركة الإنتاج، وذلك كان الخطأ الذي وقعت فيه معظم القوى السياسية التي استسلمت للفكرة. والأصل أنه لا يمكن تحقيق التوازن داخل المجتمع من دون تحقيق المطالب الفئوية”.
من جهته، قال المحامي والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية خالد علي، في منشور على صفحته الرسمية على “فيسبوك”: إن “محنة المحاماة ذات أبعاد متعددة، منها ما يرتبط بمسارات العدالة واحترام سيادة القانون وكفالة حقوق الدفاع وحماية المحامين من التنكيل بهم، أو استهدافهم بسبب ممارستهم المهنة أو تعبيرهم عن آرائهم، ومنها ما يتعلق بنقابة المحامين ذاتها بشأن دورها في حماية المهنة والمشتغلين بها، والعمل على تطوير أداء أعضائها وتعظيم قدرتهم على التعاطي مع أدوات العصر وكافة مجالات القانون المستحدثة، فضلاً عن سعيها لتوفير مظلة صحية واجتماعية لهم”.
وأضاف أن “كل ذلك لا يمكن تحقيقه إلا من خلال مجلس نقابة جاء من خلال انتخابات ديمقراطية على نحو حقيقي، بعيداً عن سيطرة أجهزة الدولة وتأثيراتها”. وتابع أن “من تجليات تلك الأبعاد حجم الضرائب التي تفرض على من يمارس المهنة، سواء كانت ضرائب مباشرة أو غير مباشرة”.
وختم علي قائلاً إن “الجباية منهج يتجاهل تأثيرات فرض كل هذه المبالغ على مستقبل المهنة وعلى أعضائها. كل التحية للمحامين الذين رفعوا صوت نقابتهم في شارع رمسيس وتظاهروا أمام نقابتهم، فالمحاماة رسالة وليست تجارة”.
نقابة الأطباء ترفض فرض الفاتورة الإلكترونية
وفي السياق ذاته قال مجلس نقابة الأطباء، عقب اجتماعه الأخير، إنه “ليس من المنطق فرض الفاتورة الإلكترونية على مهنة الطب”، مؤكداً “دعمه وجود آلية لمحاسبة ضريبية عادلة”، لافتاً إلى أن “الإجراءات المعقدة في استخدام آلية الفاتورة الإلكترونية في مهنة حيوية مثل الطب قد يعيق تقديم الخدمات الطبية”.
والفاتورة الإلكترونية هي مستند رقمي يثبت معاملات بيع السلع والخدمات، يتم إعداده والتوقيع عليه إلكترونياً، وإرساله واستلامه من خلال منظومة الفواتير الإلكترونية وبمعرفة دافع الضرائب، كما يتم مراجعته والتحقق منه لحظياً من جانب مصلحة الضرائب.
المصدر: العربي الجديد