كانت هي اللبنة التالية في حرب العقول. في ذات المنحى كانت الحرب الشعواء متعددة الاتجاهات متشعبة الأدوات على كل جوانب الدين الإسلامي ومقوماته الحضارية.. فطالما أنه يستحيل فصل الإسلام عن كيان الأمة كما يستحيل انتزاعه من روح الإنسان العربي؛ فليكن تشويهه مدخلا لطلاق بائن بينهما بحيث ينتفي أي دور إيجابي له في توجيه العقل والسلوك ثم تحويله إلى الفعل السلبي الذي يخرب كيان الإنسان والمجتمع بما يخدم تطلعات المشاريع المعادية. وقد اتخذت هذه الرؤية خمسة مسالك مركزة:
# ١ – هجوم مباشر على الإسلام.
فلم يعد الإسلام إلا دين التعصب والانغلاق بل والإرهاب ورفض الاعتراف بالآخر حتى لو كان من أبناء المجتمع ذاته..
وهو الدين الذي يحتقر المرأة ولا يعترف بالمساواة الإنسانية. وهو الدين الذي انتشر بالسيف والقوة إلى آخر سلسلة طويلة من المقولات التي تحرض أبناءه عليه وتحرضهم على بعضهم لاستنزافهم واستنزاف إيمانهم وطاقاتهم في تفنيد تلك الأقاويل والرد عليها بدلا من البحث والتفكير فيما يطور حياتهم ويستنهضها لرد أي عدوان عليها..
فهي معركة إلهاء وتشتيت الطاقات والاهتمام عما هو جوهري إلى ما هو عرضي استنزافي معيق..
# ٢- تزييف الوعي بالإسلام.
من خلال ربطه بكل صفات سيئة يمكن لإنسان أن يتصف بها، حتى يتحول الإسلام إلى نقيصة أو نقمة أو معطل لتطور الحياة وعمرانها نظرا لما يمثله المسلمون من تزمت وتكفير وتنفير نابع من عقلهم السلفي المنبثق من التراث والمعبر عنه.. ومن اجل هذا الهدف تعمل وسائل الإعلام والمعلومات في عدة اتجاهات؛ فيتم التركيز على:
# ١ – تضخيم السلبيات وطمس الإيجابيات. إبراز أية سلبية في أي مكان من العالم يدخل مسلم طرفا فيها وتحويلها إلى قضية وإدارة حلقات النقاش والحوارات التلفزيونية المتكررة حتى يتحول الخطأ إلى ظاهرة ترسخ في أذهان الناس فيرتبط وعيهم بها. حتى نظرتهم إلى أنفسهم وإلى دينهم تهتز. مثال أذا ارتكب مسلم ما عملا سيئا في أي بلد غربي؛ فهذا دينه الذي لقنه الإرهاب وهذا تراثه الذي جعله منغلقا يرفض الآخر؛ فيشن هجوم على الإسلام والمسلمين بما يخدم الاتجاه العام المطلوب في جعل الإسلام عدوا للحضارة الغربية بعد الشيوعية؛ ثم لاتخاذ ذلك ذريعة للحرب على الأمة وبلاد المسلمين جميعا للأهداف الاستعمارية المعروفة..
وبالمقابل فإن أي عمل إيجابي يؤديه أي مسلم في احدى دول الغرب الرأسمالي؛ فينسب فورا إلى الأجواء الديمقراطية وإلى الحضارة والتقدم في تلك البلاد. وهكذا إلى ما لا نهاية..
# ٢ – تعميم الأخطاء الفردية فتنسب إلى الجماعة كلها لا بل إلى الدين ذاته. إمعانا في تشويه وعي المسلم بذاته وتحميل الإسلام كدين مسؤولية ما يفعله كل فرد مسلم من أفعال سلبية أو مشينة..
# ٣- تشويه القيم الإسلامية.
أما وقد يتمسك معظم المسلمين بدينهم وإيمانهم به بعد كل تشويه يصيبه؛ يلجأ أصحاب المشروع المعادي إلى إفراغ القيم الإسلامية الجميلة من مضمونها الحي؛ وتجميل ما يناقضها من قيم بديلة من خلال إنتاج وإخراج أفلام ومسلسلات وفيديوهات ونشر تحليلات وإحصاءات تزين تلك القيم البديلة وتعمل على تطبيع عقول المسلمين عليها لتصبح شرعية طبيعية مقبولة فتحل تدريجيا مكان القيم الأصيلة في السلوك العملي بعد أن أصبحت مقبولة نفسيا وعقليا..
يتركز الهجوم في مجال القيم الأخلاقية في خمسة اتجاهات رئيسية:
– الأول: تهديم الأسرة.
– الثاني: حرية الجنس.
– الثالث: الذاتية الفردية.
– الرابع: النفعية المادية.
– الخامس: العقلية الاستهلاكية.
وإذا استعرضنا غالبية الأفلام والمسلسلات أو الأعمال الفنية المنتجة في العقود الأخيرة والموجهة إلى الإنسان العربي (سواء المحلية أو المدبلجة) نجد تطبيقا واضحا لكيفية التسويق المتسلل الخبيث لتلك القيم التي تهدم قيم الإسلام وتزيحها من سلوك المسلمين – والعرب منهم تخصيصا – وبالتالي يصبح انقيادهم وراء التفكير الغربي أسهل فتضعف مناعات دفاعاتهم ويقعون أسرى حروب العقول تتلاعب بها وتوجهها..
إن كمية المسلسلات المدبلجة والمذاعة يوميا في معظم القنوات التلفزيونية؛ في العقود الأربعة الماضية؛ والتي تعالج العلاقات الجنسية والخيانة الزوجية على أنها ظاهرة طبيعية تدخل في إطار الحرية الشخصية؛ أكبر من أن تكون وجهة نظر كاتب معين أو مؤلف سيناريو معين؛ لتشكل ظاهرة ملفتة تدخل في إطار حرب العقول التي تقودها القوى العالمية التي تملك وسائل الإعلام والمعلومات وتوجهها للسيطرة على الإنسان العربي والمسلم. فضلا عن أنها جميعا تعتمد أسلوب الإثارة وتحريض الغرائز لا سيما حب المال والاستهلاك والاستحواذ والشهوات..
وإذا نظرنا بعقل تحليلي إلى المسلسلات الموجهة للأطفال منذ عقود طويلة؛ توم أند جيري على سبيل المثال؛ وما يشابهها؛ وجميعها منتجة ومصورة في أستوديوهات هوليود الامريكية – الصهيونية، نجدها:
@ ١ – أخطر من يزرع الإرهاب في نفوس الأطفال من خلال تركيز فكرة القتل والانتقام فيهم ؛ فهو الأسلوب الوحيد للتعامل مع الآخر.
@ ٢ – أكثر من يزرع الذاتية الفردية التي لا تعرف إلا الانتقام أسلوبا للتعاطي مع الآخر ؛ فهي مرتع خصب لزرع وتنمية رفض الآخر وعدم الاعتراف به.
@ ٣ – تربي الأطفال على أن المنفعة الذاتية هي معيار العلاقة مع الآخر. فالمصلحة الفردية فوق أي اعتبار آخر.
@ ٤ – تسقط كل أنواع القيم الإنسانية. فلا رحمة ولا ضمير ولا تعاون ولا تضامن إنسانية ولا مشاعر مودة… وكل ما يدخل في مفهوم القيم الإنسانية الأخلاقية لا وجود لها ولو حتى لمجرد الذكر..
وعلى الرغم من أنها مسلسلات عالمية إلا أن تأثيرها في العقل العربي أخطر فالمجتمعات الغربية أصلا مجتمعات فردية مصلحية نفعية تسود فيها المصلحة معيارا للعلاقة بين الناس.. اما المجتمع المستهدف فهو أصلا المجتمع العربي للأسباب التي ذكرت آنفا..
# إن استعراض كمية النكات المتداولة والمنتشرة في وسائل التواصل الاجتماعي والتي تطبع مبدأ الخيانة الزوجية وتحرض عليها وعلى حرية العلاقات الجنسية ؛ بأسلوب ترفيهي محبب ؛ تبين إلى أي مدى بلغت حرب العقول على الإنسان العربي والمسلم.
نكات مكتوبة أو مسموعة أو مصورة في فيديوهات قصيرة مركزة جميلة الإخراج والتصوير مؤثرة المشاهد.. لكنها أيضا مجهولة المصدر!!!فهل نسأل أنفسنا من يعد تلك النكات ومن يتكلف على إنتاجها ولماذا؟؟ بقليل من التقصي والتمحيص نجد أن وسائل الإعلام وما يتبعها من شركات إنتاج وتصوير وتسويق هي التي تنتجها وتصورها وتنشرها بسرعة فائقة حتى تجدها تلف الكرة الأرضية، حيث يوجد عرب ومسلمون، في غضون ساعات. اسمحوا لنا أن ننقل هنا واحدة من بين آلاف النكات ذات المحتوى الواحد والرسالة الواحدة المحددة:
نكتة تصف حالة عائلة في حي تتحدث عن علاقات مشينة بين جميع أفرادها ومع الخادمة والسائق وشباب الحي. في توصيف لا يمكن أن يحدث حتى في مجتمعات البهيمية الحيوانية..
ومثلها آلاف النكات عن المحششين والتحشيش.. والهدف واحد والرسالة واضحة:
.” تطبيع العقول على الفساد والفاحشة..”
# ٤ – المثل السيء:
واستخدام أشخاص سيئين سلوكيا متطرفين دينيا منغلقين عقليا وتسليط الأضواء التحليلية عليهم لاتخاذهم كرموز سلبية منفرة في الاتجاهين: تنفير المسلمين الآخرين وتشويه وعيهم بذاتهم وبدينهم؛ ثم اتخاذهم ذريعة للعداء وللعدوان طبقا للأهداف الموضوعة في الحرب على العقول..
يكفي هنا استرجاع الاهتمام الإعلامي الهائل؛ المحلي والعالمي؛ الذي تناول موضوع داعش وأبرز أفعالها المستنكرة وجرائمها المدبرة المصورة المتلفزة بشكل استفزازي تحريضي تحقيري فظيع، على أنها تعبر عن الشريعة وعن التراث الديني للإسلام واعتبارها نموذجا للخطر الإسلامي وللإرهاب الإسلامي الذي تنبغي محاربته دون هوادة..
بلغ هول الحرب على العقول مبلغا حمل بعضا من النخب المتثاقفة المسلمة على ألتبرؤ من الإسلام وإعلان حرب شاملة على التراث الديني تحت زعم التخلص من منبع الإرهاب واجتثاث أصوله الدينية ومصادره التراثية التاريخية.. فوقعوا في فخ حرب العقول المرسومة بدقة فائقة..
فكانوا متماهين إلى حد بعيد مع الرؤية الاستعمارية المعادية التي تشن حرب العقول للسيطرة على الأمة وإنسانها معا. وصاروا يتصيدون أية مواقف أو ظواهر في حاضر الأمة أو في ماضيها الطويل لتثبيت سعيهم في إثبات ما أسموه: ” الداعشية ” إمعانا في تنسيب صفة الإرهاب إلى عقل الأمة ودينها وتاريخها..
وبعض آخر من النخب وقع تحت تأثير الصدمة وردة الفعل فراح بدافع حرصه على الإسلام يناقش أفكار داعش ليثبت أنها لا تمثل الإسلام ولا يؤيدها غالب المسلمين؛ فوقعوا أيضا في الفخ وراحوا يستنزفون تفكيرهم وجهودهم في إثبات لا إسلامية داعش بدلا من استخدامها في كشف حرب العقول والتصدي لها ولمن يقف وراءها ويغذيها.
إن بعض الأفلام التي عرضت عن جرائم داعش كانت في مستوى فني متقدم جدا يماثل إنتاج أفلام هوليود الصهيونية. متى ومن وكيف حدث ذلك؟؟
بلغ ألأمر حدا أصبحت معه كلمة داعش وما إشتق منها مثل دعشنة، دواعش، داعشي؛ من أكثر الكلمات استعمالا وترديدا على ألسنتنا يوميا مع ما يحمل هذا من ترسيخ فكرة أن إرهاب داعش موجود فينا مربوط بماضينا منبثق عن تراثنا متأثر بعقلنا الديني وسوى ذلك من الأفكار المضللة الخبيثة التي تمرر أهداف العدوان لتجعلها منا وفينا وتعبر عن حقيقتنا ولا دخل لأعدائنا بها …
ومثل داعش وعلى شاكلتها كثيرون جدا منهم إعلاميون ونخب وشخصيات ونجوم وسياسيون …. رسالتهم واحدة:
@ تأدية ما تريده حرب العقول بألسنتنا نحن وبأيدينا نحن @
# ٥ – مواجهة الإسلام بالعروبة.
في محاولة لاصطناع تناقض موهوم من شأنه فتح معارك وهمية استنزافية تلهي الجميع عن مواجهة الأخطار الحقيقية المحدقة..
وقد اتخذ هذا الجانب حيزا مهما من حرب العقول.. مواجهة الإسلام بالعروبة ومواجهة العروبة بالإسلام.. وتستر بمقولات كثيرة مزيفة كالقول مثلا أن الإسلام فوق الوطنيات والعصبيات القومية ولا يعترف بها.. وبالمقابل التشديد على المفهوم العرقي العنصري للعروبة لاستبعاد دور الإسلام ومضامينه الحضارية في بناء الأمة تأسيسا للزعم بأن العروبة ينبغي أن تكون علمانية بمعنى استبعاد الإسلام من فعاليته الاجتماعية..
يدخل في هذا السياق إضفاء الطابع المذهبي على الفكر الديني أو نفي صفة العروبة عن العطاءات الإسلامية المتنوعة..
@ دعيت في اواسط ثمانينات القرن العشرين لحضور مناقشة رسالة دكتوراه في الفلسفة لطالب لبناني مسلم. لم أكن أعلم موضوع الرسالة. لجنة المناقشة شرحت الرسالة مبينة ما فيها من ركاكة في المضمون والأسلوب. وما فيها من تناقضات كثيرة. فضلا عن أنها ليست أكثر من تجميع من هنا وهناك.. توقعت من المشرف على الرسالة رفضها تماما بناء على حيثيات لجنة المراجعة والمناقشة.. وكانت الصدمة أن المشرف المباشر على الرسالة قد منح الطالب علامة النجاح بدرجة الشرف ما أصابني بالذهول..
كان موضوع الرسالة: نفي وجود فلسفة إسلامية واحدة. بل فلسفة إسلامية سنية وفلسفة إسلامية شيعية وجميعها غير عربية…وذلك من خلال دراسة لفلسفة الإمام الشيرازي..
بعد سنوات قليلة تم تعيين ذلك الطالب اللبناني الدكتور ط. ح. وزيرا في الحكومة اللبنانية ممثلا للجناح الموالي لإيران..كان واضحا جدا رعاية الدوائر الغربية الاستعمارية للفكر الشعوبي المعادي للإسلام والعروبة كليهما.
اعتراضي في نقطة ….الاسلام يفرض عليك الايمان بهذه المقولة (المسلم الاجنبي اقرب الي من ابن بلدي النصراني او الشيوعي او الدرزي ….) لان المعركة شرسة بين انصار الايمان وانصار ابي جهل وكلهم عرب ….واذكر يوم الفرقان يوم بدر ……..واللبيب تكفيه الاشارة