شمال سورية: إعادة رسم خريطة سيطرة القوى الفاعلة وسط مخاوف من هيمنة «تحرير الشام»

هبة محمد

تغيرت خريطة النفوذ الفصائلية شمال حلب على خلفية ما شهدته المنطقة من اقتتال ونزاع على مناطق النفوذ ضمن بقعة جغرافية مطوقة شمال سوريا، أنتجت بالمحصلة إضعاف وخروج فصائل معينة من مدينة عفرين الخاضعة للنفوذ التركي، وإحلال فصائل أخرى محلها بدعم عسكري تركي، بينما كانت هيئة تحرير الشام، تطمع بتوسيع مناطق سيطرتها وامتلاك أوراق أقوى يجعلها طرفاً رئيسياً بأي ترتيبات مقبلة في المنطقة.

الشرارة التي أدت إلى انفجار التناقضات الكامنة ومحاولة التسريع بالمشاريع المؤجلة، اندلعت بعد عملية اغتيال الناشط محمد أبو غنوم وزوجته، ما أسفر عن مواجهات عنيفة وسريعة بدأت بمدينة الباب سرعان ما امتدت إلى مدينة عفرين الواقعة ضمن مناطق غصن الزيتون، المحاذية لمناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب.

تحالفات واصطفافات

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي، شرح لـ«القدس العربي» من موقعه في منطقة اعزاز في ريف حلب، عما أفرزته التحالفات الجديدة، وقال «أفرزت التحالفات المستجدة الفيلق الثالث كطرف رئيسي وأهم مكوناته الجبهة الشامية وجيش الإسلام، مقابل فرقة الحمزة وفرقة سليمان شاه والفرقة 32 من أحرار الشام والتي كانت أحد مكونات الفيلق الثالث سابقاً، وانشقت عنه، وجرت اشتباكات بينهما في تموز الماضي ناصرهم على إثرها تنظيم هيئة تحرير الشام واخترق حدود منطقة غصن الزيتون». لافتاً إلى أن «إحدى مكونات الجيش الوطني الهامة وهي «هيئة ثائرون» المنضوية ضمن الفيلق الثاني والتي تضم قوات هامة كفرقة السلطان مراد وفرقة المعتصم، وقفت على الحياد ولم تمل لأي طرف من الفريقين المتحاربين».

ومع نهاية حالة الاقتتال والنزاع، يمكن الاستنتاج أن «قيادة الفيلق الثالث إما أنها قد استدرجت إلى المواجهة، وهي لم تكن مستعدة كونها لم تختر اللحظة المناسبة ولم تنجز تحالفات محلية صلبة مع الفصائل، أو أنها بالغت بتضخيم قوتها وظنتها نزهة سهلة وراهنت على الظروف الدولية والاقليمية التي أجبرت تنظيم هيئة تحرير الشام على الانسحاب من عفرين في تموز/يوليو الماضي».

ونتيجة للمعارك وحصول الهدنة يمكن القول إن الفيلق الثالث خسر الكثير من مناطق نفوذه وكثيراً من هيبته ويقول المتحدث إن الفيلق انحسر تواجده في مناطق غصن الزيتون وتراجع إلى معقله الرئيسي في اعزاز، بينما انتشرت «هيئة ثائرون» في مناطق كفرجنة وما بعدها كقوات فصل بينه وبين هيئة تحرير الشام بدعم عسكري تركي مباشر، كما خسر تواجده في منطقة جرابلس وسيطرته على معبر الحمران مع قوات سورية الديمقراطية، بينما انتشرت حركة أحرار الشام التي تناصبه العداء في مناطق تواجد فرقة الحمزات بمدينة الباب، كما بدا للجميع أن ثمة ترهلاً أو عدم انسجام يسود في صفوف قيادات الجبهة الشامية.

أما عن الموقف التركي فإن أنقرة ستحاول استثمار نتيجة المعركة لتثبيت أو رسم خريطة فصائلية جديدة أفرزها الصراع الأخير، ووفق هذا الإطار يقول المتحدث «لقد تمت معاقبة أحد الفصائل التي تملك هامشاً من حرية القرار وعدم الانصياع الكامل وتملك حاضنة شعبية، وبذلك يتسنى لأنقرة تنفيذ مشروعها القاضي بإبعاد الفصائل العسكرية عن المدن والتدخل بإدارة شؤون السكان والمعابر والموارد وإبعادها إلى خطوط القتال لحماية المنطقة وتقوية جسم إداري مدني منضبط يشرف على إدارة المنطقة سواء كان باسم الحكومة المؤقتة أو غيرها، وذلك تمهيداً لتنمية المنطقة اقتصادياً وخدمياً واستقرارها أمنياً تمهيداً لتنفيذ مشروع إعادة مليون لاجئ سوري مقيم في تركيا إلى الشمال السوري قبل انتخابات الصيف المقبل».

وأضاف «ستتم إعادة قوات هيئة تحرير الشام إلى مواقعها السابقة في إدلب، ولن يسمح لها بأي نفوذ مهما كان شأنه أو شكله في المناطق التي تخضع لاتفاقيات وقف إطلاق النار مع الجانب الروسي» معتبراً أن منطقة خفض التصعيد لن يتم تسليمها إلى جماعات مصنفة أمنيًا.

عبر الجانب الروسي عن امتعاضه من تمدد هيئة تحرير الشام، ونفذ موجة من الغارات الجوية على منطقة غصن الزيتون في إشارة منه إلى صديقه التركي الذي لم يعمل على الحفاظ على اتفاقه معه.

المشهد المستجد

واعتبر الكاتب والباحث السياسي، أن الرسالة الروسية لأنقرة كانت واضحة، ومفادها «إذا استمر تواجد الهيئة بأي منطقة فسيعاملها معاملة منطقة ادلب ومحيطها»، مضيفاً «المصالح الهائلة بين تركيا وروسيا لا تجعل من الملف السوري او إحدى جزئياته سبباً لتوتير العلاقة بينهما».

لم يكن مشهد توزع خريطة السيطرة الفصائلية مرضياً لأحد، «فلا الحاضنة الشعبية راضية، ولا الجانب التركي راضياً، ولا بعض الفصائل المحسوبة على الجيش الوطني راضية لأنها تعتقد أنها الأجدر بالسيطرة على المنطقة كلها وإزاحة الفصائل الأصغر نتيجة شعورها بفائض من القوة وامتلاكها لحاضنة شعبية معقولة، بعكس بعض الفصائل الصغيرة، فضلاً عن امتلاكها نواة مشروع يجسد الطروحات الثورية المعروفة وترى نفسها أنها الأجدر على قيادة المرحلة».

وعلى الطرف الآخر في إدلب «لم تكن هيئة تحرير الشام راضية لأنها تشعر أنها صاحبة مشروع ناجح أمنياً وإدارياً، وتمتلك فائضاً من القوة إزاء الفصائل المتناحرة والتي يجمعها جسم واحد هلامي هو الجيش الوطني، بينما تطمح هيئة تحرير الشام إلى امتلاك أوراق أقوى تجعلها طرفاً رئيسياً بأي ترتيبات مقبلة خاصة بعد أن بدأت تفاهمات محور أستانة تعطي ثمارها بإصلاح العلاقات بين الدولة التركية والنظام السوري». ورغم أن خريطة السيطرة في ريف حلب، لم يطرأ عليها تغير كبير خصوصاً أن ما حصل لم يأخذ طابع استقرار السيطرة مع انسحاب أرتال تحرير الشام من المنطقة وعودتها إلى الجيش الوطني، إلا أن ما حصل تغير مهم على صعيد مناطق النفوذ.

وعلى ضوء ما تقدم، رأى الباحث السياسي لدى مركز مشارق ومغارب للأبحاث، أن «هيئة تحرير الشام، رغم انسحابها ستبقي على مجموعات أمنية وعلى عناصر لها داخل الفصائل المتحالفة معها، بحيث تتحول منطقة عفرين خصوصاً، إلى منطقة نفوذ لهيئة تحرير الشام» مستبعداً أن يكون لتركيا مصلحة في سيطرة فصيل مصنف على قوائم الإرهاب على الشمال السوري، الأمر الذي سيخلق وفق المتحدث ذرائع لدى كل من النظام السوري وروسيا وإيران بشن المزيد من العمليات العسكرية ضد هذه المنطقة واستهدافها بالقصف والطيران بحجة وجود تنظيم إرهابي يسيطر على هذه المنطقة.

ورجح شريفة، أن تكون تركيا قد مارست ضغوطاً على هيئة تحرير الشام لإخراجها من المنطقة، وسحب أرتالها بعدما تقدمت إلى بلدة كفرجنة على حدود مدينة عزاز حيث أوقفت عملياتها العسكرية وانسحبت تماماً.

وحول الموقف الروسي، قال المتحدث «تستعمل روسيا هيئة تحرير الشام كذريعة لها، وكلما تمددت الهيئة على جغرافية هذه المنطقة يكون الخيار الأفضل بالنسبة لروسيا وهو ما يعطيها الذريعة الكافية لشن المزيد من الهجمات والعمليات العسكرية وقصف الأهداف التي تخص الجيش الوطني أو منشآت اقتصادية او عسكرية أو أمنية بحجة وجود تنظيم إرهابي».

المصدر:«القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى