منتصف أيلول الماضي، التقى مدير إقليم الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، أحمد المنظري، رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لمناقشة واقع الاستجابة الصحية في سوريا.
أثارت الزيارة التساؤلات حول ضرورة أن يقابل المنظري الأسد لمناقشة موضوع “خدمي”، ما فتح بابًا للحديث عن دور منظمات الأمم المتحدة بإعادة تعويم النظام السوري، وسط مخاوف من أثر ذلك على ملف المساعدات.
وسبقت هذه الزيارة مؤشرات عديدة، فسّرها البعض على أنها تكشف علاقة الأمم المتحدة بالدفع نحو التطبيع مع النظام، أبرزها ظهور وفد تربوي من حكومة النظام ضمن قمة “تحويل التعليم” الأممية المنعقدة في نيويورك، بالفترة بين 16 و19 من أيلول الماضي.
وعزز ذلك حديث وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن دعوة موجهة للأسد من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، للمشاركة بقمة “تحويل التعليم”.
تلك الخطوات أثارت مخاوف السوريين من أي مؤشرات إضافية باتجاه التطبيع مع نظام الأسد.
مسؤول قسم المناصرة والتواصل في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، الدبلوماسي السوري السابق داني البعاج، اعتبر هذه المشاركات والدعوات مجرد إجراء بروتوكولي مرتبط بمستوى الدعوات للمؤتمرات.
وأشار إلى أن موقف الأمم المتحدة تجاه النظام السوري ثابت، وليس هناك دفع من قبلها باتجاه التطبيع أو إعادة تعويم النظام، وهو ما أكده أيضًا مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد.
ويعد نشاط الأمم المتحدة ضمن مناطق سيطرة النظام وتواصلها معه أمرًا روتينيًا، لم ينقطع ولم يكن يومًا خارج نطاق قدرة الأمم المتحدة، بحسب ما قاله البعاج.
وأضاف أنه لا يوجد تعويم بمعناه السياسي من قبل المنظمات الأممية، إذ ترتبط إعادة التعويم بتحركات دول.
وتسهم تحركات الدول لتعويم النظام بتشجيع المنظمات على اتخاذ خطوات أوسع تجعلها أكثر جرأة على الإعلان عن ذلك.
بدوره، قال بسام الأحمد، إن جزءًا من الوكالات والمنظمات الأممية يجب أن يكون مسار عملها عن طريق الحكومات، إلا في حال وجود قرار من مجلس الأمن.
نشاط النظام وتشتّت المعارضة
خلال الأشهر الماضية، أظهر النظام السوري فعاليته بشكل أكبر تجاه الانخراط بأنشطة الأمم المتحدة، وعزز فريقه ظهوره خلال الاجتماعات والمؤتمرات الأممية، وفق ما قاله داني البعاج.
هذا ما أرجعه البعاج إلى أن “النظام أخذ نفسًا بعد العمليات العسكرية، ما أعطاه مجالًا أكبر للتركيز على التحركات والإجراءات الدبلوماسية”، وفق قوله.
كما اعتبر البعاج أن مخاوف النظام السابقة من هرب الوفود في حال إرسالها إلى خارج البلاد لحضور المحافل الدولية تراجعت مؤخرًا.
في المقابل، لم تستطع المعارضة السورية أن تشغل مقعد النظام في الأمم المتحدة طوال السنوات الماضية، ما يفرض استمرارية التعامل مع النظام على أنه ممثل سوريا، وفق ما قاله البعاج.
وأوضح البعاج أن الأمم المتحدة لا تتعامل مع الدول على أسس سياسية، إنما تتعامل مع الأطراف التي تشغل مقاعدها.
المعارضة تلقي اللوم على الدول
رئيس “الائتلاف الوطني”، سالم المسلط، قال لعنب بلدي، إن تعزيز الوضع الدولي لقوى الثورة والمعارضة مرتبط بـ”الرغبة الدولية بذلك”.
وأضاف أن “الائتلاف” وقوى الثورة لا تدّخر أي جهد في حضور المحافل الدولية، الأساسية والثانوية، مشيرًا إلى وجود نتائج “جيدة” في اللقاءات الأخيرة مع الأمم المتحدة.
واعتبر المسلط أن دور المعارضة يقتصر على وضع “الحقائق” أمام الدول والأمم المتحدة، والدفع باتجاه تطبيق القرار “2254”، موضحًا أن “(الائتلاف) لا يملك قرارات الدول الأخرى”.
بينما اعتبر بسام الأحمد أن المعارضة أفشلت الانتفاضة وضيّعت مطالب السوريين، وعوضًا عن تنفيذ مهمتها بأن يكون ممثلوها مندوبين عن السوريين لدى الدول، أصبحوا مندوبي الدول لدى السوريين.
النظام يصدّرها سياسيًا
الحديث عن المنظمات الأممية وتحركاتها، يثير مخاوف مستمرة من أن يستغلها النظام السوري في إعادة تعويم الأسد، وترسيخ سلطته واستعادة “مشروعيته”، وفق ما قاله بسام الأحمد.
وأضاف الأحمد أن النظام قادر على تسييس أي نشاط أممي، لينقل رسالة مفادها أنه الحكومة الشرعية التي تدير عمل الأمم المتحدة في سوريا.
وينعكس هذا الخطر على ملف المساعدات، إذ تعتبر “الدولة” التي تتعامل معها الأمم المتحدة لإيصال المساعدات، المسؤول الأول عن تسييس المساعدات الإنسانية.
وتزامن الحديث عن “تغيّر” من قبل الأمم المتحدة تجاه النظام مع استمرار الحديث عن مشاريع “التعافي المبكر”، خلال الدورة الـ77 لـ”الجمعية العامة للأمم المتحدة”.
هذا ما ردّت عليه المعارضة السورية، بـ”مناقشة عواقب أن تكون المشاريع الإنسانية مسندة إلى النظام السوري، خلال الاجتماع مع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش”، وفق ما قاله رئيس “الائتلاف الوطني”، سالم المسلط.
ويعتبر ملف “التعافي المبكر” من أبرز الملفات التي تثير جدلًا ومخاوف من استغلاله من قبل النظام السوري وحليفه الروسي، لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار.
وفي ظل وجود عشرات التقارير التي توثّق تسييس النظام السوري للمساعدات، واستخدام ملف “التعافي المبكر” لاستعادة شرعيته، يفرض نشاط المنظمات الأممية في مناطق سيطرة النظام مخاوف أكبر من المزيد من الخطوات التي تخدمه، مقابل حرمان آلاف السوريين من المساعدات.
وتفيد العديد من التقارير والدراسات، بينها دراسة صادر ة في عام 2021، عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، بأن النظام يستفيد من المساعدات من خلال التلاعب بأسعار الصرف وتحكّم مؤسساته بآلية توزيعها.
كما يستفيد من العقود الموقّعة بين الأمم المتحدة وأشخاص مرتبطين برئيس النظام السوري، بشار الأسد، كجزء من برنامج المساعدات.
المصدر: عنب بلدي