واشنطن بوست: عمليات الضم وهروب الجنود تظهر وهم الحلم الإمبريالي لبوتين

إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا أعده إيشان ثارور قال فيه إن الجهود الحربية الروسية على الأرض تترنح، حيث سرعت القوات الأوكرانية من تقدمها على الأراضي التي احتلتها القوات الروسية ووكلاؤها الانفصاليون، وحررت البلدات في منطقة خيرسون الجنوبية بينما تحركت أيضا نحو لوغانسك في الشرق.

وبعد استعادة المناطق التي تسيطر عليها روسيا في منطقة خاركيف الشمالية الشرقية في حملة خاطفة الشهر الماضي، تأمل أوكرانيا في إزالة آخر موطئ قدم لروسيا شمال وغرب نهر دنيبر، الأمر الذي سيشل قدرة الكرملين المتضائلة أصلا على شن حملته على ميناء أوديسا الاستراتيجي الأوكراني.

وبحسب مسؤول غربي أطلع مراسلي الصحيفة على معلومات أمنية حساسة بشرط عدم الكشف عن هويته، “فإن قادة القوات المسلحة الأوكرانية في الجنوب والشرق يخلقون مشاكل لسلسلة القيادة الروسية بشكل أسرع مما يمكن للروس أن يستجيب القادة له بشكل فعال. وهو ما يفاقم الخلل الحالي داخل قوة الغزو الروسية”.

وأضاف أن المعنويات وتماسك الوحدات بين الألوية الروسية على الجبهة في حالة يرثى لها، حيث تسببت الضربات الأوكرانية على المعدات الروسية ومستودعات الإمداد بخسائر فادحة.

وفي روسيا، أصبح الأمر قاتما بنفس القدر. وجدت بعض التقديرات أن 700.000 شخص – حوالي 1 من كل 200 روسي – غادروا البلاد في أقل من أسبوعين منذ أمر الرئيس فلاديمير بوتين “بتعبئة جزئية” للقوات لتعزيز غزوه المتعثر.

ويتزامن الوضع الحالي مع استعادة الأوكرانيين خلال عطلة نهاية الأسبوع لمدينة ليمان، وهي مركز عبور رئيسي في شرق دونيتسك. وأشار مراسلو الصحيفة الذين سافروا إلى هناك وتحدثوا إلى السكان المحليين إلى مشاعرهم وقال لهم مدرس متقاعد وسط تردد صدى إطلاق النار من بعيد، بسخرية: “حسنا، إنهم إما يصطادون طيور الحجل أو الأرانب أو الروس”.

ويحاول بوتين خلق حقائقه الخاصة على الأرض. بحلول يوم الثلاثاء، تم تمرير الاقتراحات من خلال البرلمان الروسي المصدق على الموافقة على “معاهدات الانضمام” التي وقعها بوتين الأسبوع الماضي معلنة استيعاب المناطق الأوكرانية من لوغانسك ودونيتسك وخرسون وزاباورجيا – وكلها محتلة جزئيا فقط من قبل القوات الروسية – في الاتحاد الروسي. فيما أجرى الانفصاليون المدعومون من روسيا في هذه الجمهوريات الأربع المزعومة استفتاءات زائفة للانضمام إلى روسيا، مما أثار غضب كييف والمجتمع الدولي.

ولم تؤد عمليات الضم إلا إلى زيادة الإحراج بالنسبة لمسؤولي الكرملين، الذين لم يتمكنوا حتى الآن من تحديد مكان حدودهم بينما كانت القوات الأوكرانية تندفع عبر الدفاعات الروسية الذاوية.

وبحسب مراسلي الصحيفة من الخطوط الأمامية: “سيبقى انتصار أوكرانيا في ليمان رمزا للرسالة التي أرسلتها إلى الكرملين: كان ضم بوتين للمناطق المحتلة جزئيا مهزلة. كانت ليمان جزءا كبيرا من الأراضي التي ادعى بوتين ضمها في احتفال أقيم في موسكو يوم الجمعة، ولكن بعد يوم واحد فقط، غادر جنوده على عجل – بعضهم يموت في طريق الخروج”.

ويبدو أن بوتين، بالطبع، غير مبال، فقد أهمل في خطابه الذي استمر 37 دقيقة يوم الجمعة الانتقادات الموجهة لروسيا لانتهاكها القانون الدولي وصب جام غضبه على أجندة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين التآمرية.

ودعا إلى “حركة تحرير مناهضة للاستعمار ضد الهيمنة أحادية القطب”، واصفا عمليات الضم بأنها فعل مقاومة للنظام “الطفيلي” و”الاستعماري الجديد” للغرب، بينما يشرح بالتفصيل الإرث التاريخي لـ “النهب” و”الإبادة الجماعية” التي نفذتها مختلف القوى الغربية في القرون الماضية. من ناحية أخرى، لا ينبغي أن يكون أي شيء من هذا الخطاب مفاجئا. مثل هذا التذمر هو المعيار بالنسبة لبوتين، الذي يسعى دائما إلى وضع روسيا على قدم المساواة مع الولايات المتحدة وشركائها. علاوة على ذلك، فإن “مناهضة الإمبريالية” المتشددة كانت عبارة عن بضاعة رائجة في ظل الاتحاد السوفييتي، الذي سعى لعقود إلى دعم وتعبئة الثوار واليساريين عبر العالم المستعمر أو إنهاء الاستعمار. في بعض الحالات، مثل دعمه لمعارضة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وجد الكرملين نفسه على الجانب الصحيح من التاريخ في وقت أبكر بكثير من خصومه في الغرب.

ويظل كل هذا أمرا عابرا عند مقارنته بالحرب التي شنها بوتين، والفظائع الموثقة التي ارتكبتها قواته في أوكرانيا، والمشروع الاستعماري الشامل المتمثل في استخدام القوة الغاشمة لقمع الأوكرانيين مع إنكار حق دولتهم في الوجود. وقال بيتر ديكنسون من مركز “أتلانتك كاونسل”: “يبدو أن بوتين غافل عن عبثية إدانة الإمبريالية بينما يرتكب في نفس الوقت أكثر أعمال العدوان الإمبريالي جرأة في التاريخ الأوروبي الحديث”.

والتزم بوتين الصمت بشأن تاريخ أمته الدموي القاسي في الغزو الإمبراطوري، ناهيك عن أهوال الستالينية. بينما كانت الإمبراطوريات الغربية تقيم أنظمة الاستغلال والاستخراج الخاصة بها في أجزاء مختلفة من العالم، كان القياصرة الروس يشنون حروبا بلا رحمة للتوسع في أماكن ليست بعيدة عن المعارك الحالية في أوكرانيا.

وكتبت لين هارتنت، مؤرخة روسيا بجامعة فيلانوفا: “في عام 1818، عندما حاولت القوات الروسية غزو شمال القوقاز، واجهت سكانا رفضوا إخضاعهم. ردا على حرب العصابات التي شنها السكان الأصليون ضد الغزاة، أحرقت روسيا القرى وأحرقت الغابات وأخذت المدنيين كرهائن”.

كما كتب الصحافي البريطاني المولود في الاتحاد السوفييتي بيتر بوميرانتسيف: “لا توجد محاولة للتعامل مع اضطهاد الماضي الروسي والسوفييتي، والطريقة التي قام فيها الكرملين مرارا بالاستعمار، والتطهير العرقي والترحيل والتجويع والقتل الجماعي لأمم أخرى، والطريقة التي يقتل بها ويعتقل ويهين جماهير شعبه أيضا في مخيمات العمل ومعتقلات الأعمال الشاقة وسراديب الموت التابعة للمخابرات (كي جي بي)”. مشيرا إلى الطريقة التي أغلق بها بوتين العام الماضي ميموريال، وهي منظمة مجتمع مدني روسية كبرى حققت في جرائم الماضي السوفييتي.

وبدلا من ذلك، يقوم بوتين برحلته الانتقامية لاستعادة الإمبراطورية الروسية. وكتبت فيونا هيل وأنجيلا ستنت في العدد الأخير من مجلة “فورين أفيرز”: “إنه يقوم ‘بتجميع الأراضي’ كما فعلت أيقوناته الشخصية – قياصرة روسيا العظماء – ويقلب إرث لينين والبلاشفة وتسوية ما بعد الحرب الباردة. وبهذه الطريقة، يريد بوتين أن تكون روسيا الاستثناء الوحيد للناموس الثابت في صعود وسقوط الدول الإمبريالية”.

في الوقت الحالي – بينما يسعى مواطنوه إلى الفرار، وتعمق العزلة الجيوسياسية لبلاده وتتأرجح قواته العسكرية – تبدو مهمة بوتين وهمية أكثر من أي وقت مضى.

 

المصدر:“القدس العربي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى