الغلاء يدفع سكان الشمال السوري للاستغناء عن الكهرباء التركية

ميس عبد الحميد

يشكو سكان شمال غربي سورية من ارتفاع كبير في أسعار فواتير الكهرباء التي تأتيهم من تركيا، الأمر الذي لم يكمل فرحتهم بعودة الكهرباء التي انقطعت عن منازلهم لنحو عشر سنوات منذ بداية الثورة في 2011، مما دفع الكثير من الأهالي إلى الاستغناء عن التيار التركي والعودة إلى الطاقة الشمسية والمولدات، ضمن بدائل أقل كلفة في ظل غلاء المعيشة، رغم الأعطال المتكررة التي يواجهونها مع هذه البدائل.

أسامة الصباغ (50 عاماً) من مدينة إدلب قال لـ”العربي الجديد” إن “قيمة فواتير الكهرباء أضحت تزيد عن متوسط الدخل في مناطقنا بعد الزيادات المتكررة في الفترة الأخيرة من جانب مزودي الخدمة”. وأضاف أنه بعد انقطاع استمر نحو 10 سنوات للكهرباء جرى وصل التيار من تركيا إلى أغلب مناطق شمال غربي سورية والتي تقع تحت سيطرة الفصائل المختلفة، وذلك عبر اتفاق بين هذه الفصائل والحكومة التركية، مشيراً إلى أنه في بداية الأمر طُلب منا شراء عداد كهربائي بقيمة 50 دولاراً لكلّ منزل، وبعد شهرين جرى تغييره بآخر مسبق الدفع بقيمة مماثلة، وهذا رقم كبير جداً بالنسبة لأيّ أسرة في هذه المنطقة، إضافةً للفواتير المرتفعة التي تتزايد قيمتها باستمرار.

في مايو/أيار 2021، أعلنت شركة غرين إنرجي، عن بدء استجرار الكهرباء من تركيا إلى محافظة إدلب، حيث بدأت خطة الشركة بتغذية المدن القريبة من الحدود السورية التركية، لتتوسع إلى باقي المدن والقرى المحيطة.

ولا تقتصر الشكاوى من ارتفاع فواتير الكهرباء على أصحاب الاستهلاك المنزلي، إنما تمتد إلى أصحاب المشاريع التجارية والزراعية والصناعية، ما يدفعهم إلى تحميل هذه الزيادات على أسعار منتجاتهم، في وقت يعاني مواطنو الشمال السوري من صعوبات اقتصادية ومعيشية كبيرة.

ممدوح عبيد (48 عاماً) وهو شريك في معمل للبلاستيك في مدينة إدلب، قال لـ”العربي الجديد”: “في بداية الأمر، اعتقد أهالي الشمال السوري أن مشكلة الطاقة قد حلت بعد وصول الكهرباء من تركيا، خاصة عندما كان سعر الكيلوواط الواحد نحو 0.85 ليرة تركية للاستهلاك المنزلي و3.35 ليرات للاستهلاكين التجاري والصناعي، حينها بدأت المعامل والمصانع بالعمل والربح بشكل جيد، لكن سرعان ما ووجه أهالي الشمال السوري بارتفاع كبير في أسعار الكهرباء، إذ بلغ سعر الكيلوواط للمنازل 3.5 ليرات، بينما يحتاج المنزل ما يعادل 200 كيلوواط شهرياً، وهو ما يجعل الفاتورة تصل إلى 700 ليرة (37.9 دولار)، وهو ما يتجاوز نصف راتب العامل”.

أضاف عبيد أنّ “سعر الكهرباء للقطاع التجاري بلغ 4.14 ليرات، أما الصناعي فقد أصبح 4.5 ليرات، فنحن في معمل البلاستيك الذي نمتلكه ندفع يومياً نحو 225 دولاراً ثمن الكهرباء، الأمر الذي يزيد من كلفة الإنتاج كثيراً”.

وتابع: “هذا الأمر اضطر أصحاب المهن لرفع أسعار منتجاتهم، كما لجأ كثيرون إلى شراء المولدات من جديد بعدما استغنوا عنها وباعوها بأقل من نصف ثمنها بعد وصول الكهرباء من تركيا، إذ بيعت بأقل من ألفي دولار والآن يضطرون لشرائها بنحو 4500 دولار لاعتقادهم أنّها ستكون أوفر من الكهرباء التركية”. وقال: “نضطر بفعل الأسعار الكبيرة للاستغناء عن الكهرباء الواردة من تركيا والعودة إلى البدائل رغم المعاناة التي لاقيناها مع هذه البدائل من قبل، لا سيما التبديل للبطاريات وألواح الطاقة الشمسية وإصلاح الأعطال غير المتوقعة بشكل دوري عدا عن زيادة التلوث البيئي في المدينة بسبب دخان المولدات، والآثار الأخرى التي تخلفها بدائل الكهرباء”.

المزارع حسان بكور من مدينة تفتناز روى لـ”العربي الجديد” مأزق ضخ المياه من البئر التي يمتلكها والتي توقفت بسبب غلاء الكهرباء، قائلا: “بعد التكاليف الباهظة التي تحملتها لحفر البئر، اضطررت لإيقافها بسبب غلاء الكهرباء، إذ وصلت تكاليف تشغيل الكهرباء للزراعة إلى ألفي ليرة تركية يومياً (نحو 11 دولارا) وهو مبلغ كبير جدا”.

بدوره، أكد الخبير الاقتصادي يونس كريم لـ”العربي الجديد” أن مشكلة أصحاب المهن الزراعية والصناعية في مناطق شمالي سورية ليس فقط في ارتفاع أسعار الطاقة، وإنما أيضا التكاليف الأخرى التي يتحملونها، ما يفاقم الأوضاع الاقتصادية.

وأضاف كريم أن ارتفاع الكهرباء في الشمال السوري يعود لعدة نقاط تتمثل في كلفة المحروقات في تركيا، فهي مرتفعة عالمياً، وبالتالي تنعكس على أسعار الفواتير. وأشار إلى أنّ مقارنة فواتير الكهرباء في إسطنبول بمناطق شمالي سورية ليست في محلها، لأن في تركيا حكومة تدعم مواطنيها، إذ تتحمل وزارتا المالية والطاقة جزءاً من العبء لتخفيف الضغط على المواطن، بينما في سورية لا حكومات حقيقية إنما حكومات أمر واقع تدير الملف الإنساني نيابة عن المنظمات الدولية وعن الحكومة التركية وعن جميع القائمين، وبالتالي فإن هذه الحكومات لم تسع لمأسسة نفسها وبناء وإدارة عملية الطاقة واحتياجات المواطن بشكل علمي واقتصادي حقيقي، لذلك لم تستطع أن تخفف العبء عن المواطنين.

تابع أن “حكومات الأمر الواقع لم تسعَ أيضاً إلى الضغط على شركات نقل الكهرباء لتحسين عمليات نقل الكهرباء وتخفيض الكلفة التي يتحملها السوريون”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى