تشير المعطيات إلى أن ملف المعابر في سورية ما بين مناطق النظام، وتلك الواقعة تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام” أو فصائل المعارضة السورية، ربما يشهد تطورات تفضي إلى تنشيط الحركة التجارية في شمال البلاد، في سياق تهيئة المناخات المناسبة لاستمرار التفاوض الأمني بين النظام السوري والجانب التركي بوساطة روسية.
وذكرت مصادر محلية في محافظة إدلب، أمس السبت، أن “هيئة تحرير الشام ” التي تسيطر على الشمال الغربي من سورية، أزالت السواتر وفتحت الطريق الواصل بين بلدتي سرمين وسراقب في ريف إدلب الشرقي، تمهيداً لفتح معبر جديد إلى مناطق سيطرة قوات النظام.
وكان فصيل “فرقة السلطان مراد”، التابع للجيش الوطني المعارض قد فتح يوم الثلاثاء الماضي، معبر “أبو الزندين” الذي يربط ريف حلب الشمالي الواقع تحت سيطرة فصائل المعارضة بمناطق النظام. غير أن الافتتاح لم يدم سوى ساعات عدة، عبرت خلالها شاحنتان محملتان بمادة البرغل إلى مناطق النظام السوري.
ويبدو أن فتح المعبر المذكور تمّ من دون التنسيق المسبق مع قوات النظام الموجودة على الطرف الآخر من المعبر ما أدى إلى إغلاقه. وقال مصدر في الجيش الوطني المعارض، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، إن “فتح المعابر يعني مكاسب مالية لبعض الفصائل لا أكثر ولا أقل”، بحسب رأيه.
كما ذكرت صحيفة الوطن التابعة للنظام قبل أيام نقلاً عما قالت إنها “مصادر معارضة” قولها إن “فتح المعابر مع مناطق الحكومة السورية إجراء روتيني لا مفر منه، في إطار الرعاية الروسية لملف المصالحة السوري- التركي، وفي ضوء جهود المصالحة التركية مع القيادة السورية، وهو مسألة وقت ليس إلا، وقد توضع في الخدمة بأي وقت من دون إعلان مسبق، في حال استمرار النتائج الإيجابية للمفاوضات الاستخباراتية بين البلدين”.
وكان ضباط أتراك، قد اجتمعوا مع وجهاء وممثلين عن منطقة جبل الزاوية جنوبي محافظة إدلب في 19 يوليو/ تموز الفائت، وقدموا تطمينات للأهالي بتحسين أحوال المنطقة، وطلبوا من الوجهاء العمل على مساعدتهم في عودة النازحين إليها. ويومها قالت مصادر في المنطقة لـ”العربي الجديد” إن “الضباط الأتراك تحدثوا عن إمكانية فتح ثلاثة معابر اقتصادية مع النظام السوري في منطقة خفض التصعيد الرابعة خلال الفترة القادمة، وطالبوا الوجهاء والممثلين عن منطقة الجبل بالإدلاء بآرائهم حول هذه الخطوة”، وأكدت المصادر أن “جميع المدعوين للاجتماع رفضوا فتح أي معبر اقتصادي مع النظام السوري كونه المستفيد الأكبر من هذه العملية”.
وكانت الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض، قد أصدرت قراراً في عام 2020، بإغلاق جميع المعابر والمنافذ الرسمية مع قوات النظام في شمال البلاد. واقتصر استخدام تلك المعابر على عمليات تبادل الأسرى التي تجري بين النظام والجيش الوطني المعارض على فترات متباعدة بضمانة روسية – تركية، وبإشراف الصليب الأحمر الدولي والأمم المتحدة. وكانت آخر هذه العمليات حصلت في حزيران/يونيو الماضي، وتبادل الجانبان خلالها 5 أسرى من كل طرف.
وكان النظام السوري سيطر تحت غطاء ناري روسي على أجزاء واسعة من مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية في شمال غرب سورية، أواخر عام 2019، وفي الربع الأول من عام 2020. وثبتت خرائط السيطرة في شمال وشمال غرب سورية، حيث لم يتقدم أي طرف على حساب الطرف الآخر ما أدى إلى فتح معابر بين الجانبين، إلا أنها لم تشهد حركة تجارية واضحة بسبب رفض الشارع السوري المعارض إنعاش اقتصاد النظام الذي لم يتوقف عن قصف البلدات في ريف إدلب، ما يؤدي إلى مقتل مدنيين.
أي دور للتقارب بين النظام وأنقرة؟
وتتزامن التطورات في ملف المعابر مع فتح مسار تقارب أمني بين النظام السوري والجانب التركي كان من نتائج القمة الأخيرة التي جمعت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في سوتشي مطلع الشهر الماضي. ويبدو أن الجانب الروسي يريد فتح المعابر لتهيئة مناخات مناسبة لاستمرار هذا المسار الذي تأمل موسكو تطوره إلى تقارب سياسي يخدم رؤيتها في حلّ سياسي يُبقي رأس النظام السوري بشار الأسد في السلطة.
ولطالما حاول الجانب الروسي فتح المعابر بين مناطق المعارضة والنظام للتخفيف من تبعات العقوبات الدولية المستمرة منذ أكثر من عقد على اقتصاد النظام المتهالك والذي بات شبه عاجز عن توفير أدنى مقومات الحياة لنحو 9 ملايين سوري يُخضعهم لسلطته.
وترتبط مناطق النظام مع مناطق المعارضة من خلال العديد من المعابر، منها معبر أبو الزندين في ريف حلب الشمالي الشرقي قرب مدينة الباب، وميزناز في ريف حلب الغربي، ومعبر الترنبه القريب من بلدة سراقب في ريف إدلب الشرقي. وتدخل من معبر الترنبه بين وقت وآخر قوافل مساعدات إنسانية دولية وفق آليات دخول هذه المساعدات التي حدّدها مجلس الأمن الدولي من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، عبر خطوط التماس بين قوات النظام وفصائل المعارضة.
كما ترتبط مناطق فصائل المعارضة السورية في الشمال مع مناطق سيطرة “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بمعابر عدة، أبرزها “عون الدادات” و”الحمران”.
المعابر غير النظامية تتحدى الإغلاق
وعلى الرغم من إغلاق المعابر بين مختلف أطراف الصراع في سورية، إلا أن حركة التجارة نشطت بين جميع المناطق، ولكن من خلال معابر غير نظامية تستفيد من عائداتها مجموعات محسوبة على المعارضة السورية من جهة، والفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام والتي يتزعمها ماهر الأسد من جهة أخرى.
وفي هذا الصدد، أوضح المحلل الاقتصادي خالد تركاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “كميات من السلع المتبادلة لم تنقطع بين مناطق النظام والمعارضة رغم القرار الرسمي بإغلاق المعابر”. وأشار إلى أن “عمليات التهريب كانت تتم أحياناً من خلال معبر الزندين نفسه”. وأضاف تركاوي أن “الزيوت والتفاح تدخل إلى مناطق المعارضة وألبسة تذهب إلى مناطق النظام”.
وحول المستفيد من فتح المعابر، أشار تركاوي إلى أن “الجميع مستفيد اقتصادياً، وخصوصاً المنتج والمستهلك في مناطق النظام والمعارضة”. ولفت إلى أنه “لا توجد جهة واحدة لدى المعارضة تشرف على المعابر وتنظّم الإيرادات في حال فتح المعابر بشكل رسمي”.
وفي السياق، رأى الباحث السياسي ياسين جمول (الموجود في مدينة الباب)، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “لا يمكن النظر إلى موضوع المعابر مع مناطق نظام الأسد، سواءً من جهة هيئة تحرير الشام أو من جهة مناطق الإدارة التركية والجيش الوطني، من جانب واحد”. وتابع أن “الوضع الاقتصادي الضاغط على الناس في المناطق المحررة يدفع شريحة من الناس للنظر بإيجابية إلى فتح المعابر، وهم معذورون في ذلك، لأن الغلاء في الشمال عموماً لا يُحتمل لمحدودية الجهة التي تدخل منها البضائع”.
وأضاف جمول أن “الوضع الاجتماعي من تمزّق للناس كما لو أن التقسيم تمّ فعلاً، يدفع كثيرين للقبول بفتح المعابر على أمل اتصال العوائل ولو لاحقاً”. وأشار كذلك إلى أن “فئة كبيرة من سكان الشمال السوري تريد فتح المعابر رسمياً ليستفيد الناس، وذلك أفضل برأيها من تركها مغلقة مع استمرار التهريب واستفادة شريحة ضيقة من واردات الانتقال للبضائع والأفراد، وهو واقع لا يمكن إنكاره ولا يتوقف سواء مع مناطق النظام أو قسد”.
وتساءل جمول: “مع الشلل الحاصل في المسار السياسي وتعطل أي عمل عسكري فما الذي يمنع فتح المعابر؟”. ورأى أيضاً أنه لا يمكن عزل تصاعد الحديث عن المعابر عن التقارب الحاصل بين دمشق وأنقرة، مضيفاً أن “فتح المعابر هو جزء من حل سياسي نهائي خطّط له الفاعلون كما يبدو، في غياب السوريين أصحاب القضية”.
المصدر: العربي الجديد