طرطوس السورية ضمن دائرة الغارات الإسرائيلية.. ما الأسباب؟

أمين العاصي

تعرضت مواقع عسكرية تابعة للحرس الثوري الإيراني في محافظة طرطوس مجدداً لغارات جوية إسرائيلية، في مؤشر واضح على ازدياد النشاط العسكري الإيراني في الساحل السوري الواقع ضمن دائرة النفوذ الروسي، ما يؤكد أن التنسيق العسكري بين موسكو وتل أبيب لم يتأثر نتيجة الحرب الأوكرانية.

ونقلت وكالة الأنباء “سانا” التابعة للنظام، عن مصدر عسكري، أن طائرات إسرائيلية شنت، مساء الأحد، غارات متزامنة على نقاط في ريف دمشق والريف الجنوبي لمحافظة طرطوس غربي البلاد، ما أسفر عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة ثلاثة آخرين. بينما ذكر تلفزيون النظام أن الطائرات الإسرائيلية أطلقت صواريخ على المواقع المستهدفة في طرطوس انطلاقاً من الأجواء اللبنانية. وفي السياق، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الاستهداف الإسرائيلي طاول ريف طرطوس الجنوبي، على بعد نحو 8 كلم من القاعدة البحرية الروسية، التي تعتبر أكبر قاعدة بحرية لروسيا في البحر المتوسط، مؤكداً أن الضربات الإسرائيلية استهدفت شحنات لـ”حزب الله” اللبناني، كانت مخزنة بعدة مستودعات في ريف طرطوس. وبيّن أن القصف الإسرائيلي طاول أيضاً مقراً للدفاع الجوي في منطقة القطيفة شمال شرقي العاصمة السورية دمشق، مشيراً إلى أن القصف أدى لدمار في المناطق المستهدفة، ومقتل ثلاثة عسكريين من الدفاع الجوي التابع للنظام، وإصابة آخرين. ووفق المصدر نفسه، فإن الطيران الإسرائيلي أغار 19 مرة على أهداف عسكرية، جلها تابعة للحرس الثوري الإيراني و”حزب الله” اللبناني، داخل سورية، منذ مطلع العام الجاري، وأغلبها في ريف دمشق، حيث يُعتقد أن للحرس الثوري الإيراني حضوراً كبيراً في مقار الفرق والألوية العسكرية التابعة للنظام، وأنه يطور أسلحة داخل هذه المقار وفي مراكز علمية عسكرية تقع في محيط العاصمة.

وهذه ليست المرة الأولى التي يستهدف الطيران الإسرائيلي أهدافاً في محافظة طرطوس على الساحل السوري، حيث شن مطلع الشهر الفائت غارة بعدة صواريخ من فوق البحر المتوسط غرب طرابلس، استهدفت عدة مداجن في محيط بلدة الحميدية جنوب طرطوس”. وذكرت مصادر إخبارية متقاطعة، في حينه، أن القصف الإسرائيلي استهدف “حظائر سابقة لتربية الحيوانات، يستخدمها حزب الله اللبناني لنقل الأسلحة”.

ويُعتقد أن لـ”حزب الله” اللبناني والحرس الثوري الإيراني مخازن ومستودعات أسلحة في ريف طرطوس الجنوبي، بالقرب من الحدود السورية اللبنانية، وهو ما يفسر الغارات المتكررة على هذه المحافظة الساحلية، التي تقع ضمن النفوذ الروسي في سورية.

وتقع في محافظة اللاذقية المجاورة لطرطوس على البحر الأبيض المتوسط قاعدة “حميميم” العسكرية، التي تضم مقر قيادة القوات الروسية في سورية، ويوجد فيها ما يسمّى بـ”مركز المصالحة الروسي”، وغرفة العمليات الرئيسة التي تُدار منها الأعمال القتالية في سورية. وكان ميناء اللاذقية تعرض لقصف من طيران إسرائيلي مرتين أواخر العام الفائت، استهدف ساحة الحاويات في الميناء، حيث أكدت وسائل إعلام إسرائيلية، في حينه، أن الضربتين الجويتين استهدفتا شحنات أسلحة إيرانية متطورة مهربة من إيران عن طريق البحر.

ولفت المحلل السياسي وائل علوان، وهو باحث في مركز “جسور” للدراسات، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن الإسرائيليين “سارعوا بالإعلان عن الضربة التي وجهوها مساء الأحد على ريف طرطوس وريف دمشق وبشكل تفصيلي”. وتابع: “أعلنوا أنهم استهدفوا بطاريات دفاع جوي من طراز إس 200 وإس 300، ومستودعاً للحرس الثوري الإيراني، كانت نقلت إليه أسلحة ومعدات من ميناء طرطوس على المتوسط”. وأشار إلى أن القصف كان ضمن منطقة “ليس للحرس الثوري الإيراني نفوذ واسع فيها”، مضيفاً: “يُعتقد أن الحرس الثوري يحاول تمرير شحنات الأسلحة عبر مناطق النفوذ الروسي لتفادي الاستهداف الإسرائيلي”. وبيّن أن الجانب الإيراني “لم يستخدم مؤخراً ميناء اللاذقية لنقل الأسلحة إلى سورية، رغم أنه يقع تحت السيطرة الإيرانية بشكل شبه كامل”، معرباً عن اعتقاده بأن الإعلان الإسرائيلي عن الضربة “جاء للحفاظ على طبيعة العلاقة مع الجانب الروسي”، مضيفاً: “الطيران الإسرائيلي يستهدف أهدافاً خاصة بالحرس الثوري الإيراني، التي تشكل تهديداً للأمن الإسرائيلي، ولا يستهدف مواقع لقوات النظام السوري، أو مصالح روسية داخل سورية.

من جهته، أوضح النقيب المنشق عن قوات النظام رشيد حوراني، الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام”، في حديث مع “العربي الجديد”، أن القصف الإسرائيلي المتكرر لمحافظة طرطوس “سببه وجود وحدات دفاع جوي ومحطات للإنذار المبكر ووحدات خاصة بالتصنيع الحربي”. مضيفاً: “هدف القصف الإسرائيلي تدمير هذه الوحدات، ربما للتمهيد مستقبلاً لضربات أكبر وأكثر تأثيراً”. وحول الصمت الروسي إزاء هذه الغارات التي تقع ضمن مناطق نفوذ موسكو؛ أشار إلى أن “الموقف الروسي يخضع للاتفاق الأمني الذي عقد في القدس بين كل من إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا حول سورية (أبرم منتصف عام 2019)، حيث أعطى الاتفاق إسرائيل الحق بالقيام بالإجراءات التي من شأنها حماية أمنها المهدد بشكل خاص من المليشيات الإيرانية في سورية. وأضاف: “لكن بعد الخلاف بين روسيا وإسرائيل بسبب وقوف تل أبيب إلى جانب أوكرانيا، وهو ما أدى إلى قيام موسكو بوقف عمل الوكالة اليهودية في روسيا رداً على ذلك؛ أصبح القصف الإسرائيلي على أهداف داخل سورية مضبوطاً بالإيقاع الروسي”.

ويعتقد حوراني أن الضربات الجوية الإسرائيلية لأهداف إيرانية في سورية “لم تعد مجدية”، مضيفاً: المليشيات الإيرانية تتبع أسلوب تخفٍ وتمويه في سورية، كارتداء زي جيش النظام، ورفع علمه في أماكن انتشارها، أو اتخاذ مقار سرية لنشاطها كالأنفاق والمستودعات تحت الأرض.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى