خابت آمال وزارة المال بحكومة بشار الأسد، بعد إحجام المستثمرين وشركات الوساطة والمؤسسات الخاصة، عن الإقبال على شراء الأوراق المالية الحكومية (سندات الخزينة) التي طرحتها للاكتتاب العام ضمن المزاد العلني في 8 أغسطس/آب الجاري.
وبحسب وزارة المال في حكومة النظام السوري، فقد بلغ حجم السندات المخصصة 227.6 مليار ليرة سورية، وفاز بالمزاد 7 عارضين من أصل 9 شاركوا في المزاد عبر تقديم 23 عرضاً، 4 منهم هم من المصارف الحكومية، ومصرفان خاصان، بينما قُدم العرض الأخير من قبل العملاء.
ويقول المحلل الاقتصادي، رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، أسامة قاضي، إن أسوأ أنواع القروض، وخاصة الداخلية عبر السندات والأذونات، هي تلك التي تقترضها الحكومة لتموّل الشق الجاري بالموازنة العامة، سواء لدفع الأجور والرواتب، أو لتمويل قضايا استهلاكية، لأنها ستزيد من الأعباء على الحكومة، ولن تسعف بتحريك عجلة الاقتصاد، بل سيدفع الثمن المستهلك بالنهاية.
ويشير قاضي إلى أن غاية طرح السندات لم تتحقق، سواء بسحب فائض السيولة من السوق، بهدف موازنة العرض والطلب، وبالتالي تحسين سعر الليرة، بدليل استمرار تهاوي سعر العملة السورية وتسجيلها 4300 ليرة، صباح اليوم الأربعاء، أو الغاية الاقتصادية “الإنتاجية”، لأن عائد السندات لن يذهب لقطاعات إنتاجية أو يمكن التعويل عليه بتشغيل السوريين وامتصاص فائض البطالة التي تعدت 83%.
وحول العارضين وسبب احجام الشركات والشخصيات الاعتبارية والمستثمرين عن الإقبال على المزاد الثاني لسندات الخزينة، يضيف قاضي لـ”العربي الجديد” أن التضخم يأكل أي نسبة فائدة تعرضها الحكومة على السندات. فلو فرضنا أن مؤسسة اشترت سندات بمليار ليرة عام 2020 قيمتها 446 ألف دولار، ستصبح قيمتها بعد عامين، أغسطس/آب 2022 234 ألف دولار، أي الخسائر ستبلغ 212 ألف دولار.
وأكد أن المصارف هي الوحيدة التي أُلزِمَت بسندات الخزينة، وهي مضطرة إلى دفع الإتاوة لتبقى على قيد العمل بالسوق السورية، أو مصارف حكومية تجازف بأموال المودعين السوريين “وجدنا ستة مصارف من بين سبعة عارضين”.
وكان مصرف سورية المركزي قد أشار خلال بيان أمس إلى أن المشاركين بالمزاد هم ثمانية مصارف من أصل 17 مصرفاً من المصارف التقليدية المؤهلة للاكتتاب، بينما لم تتقدم شركات الوساطة المالية المؤهلة للمشاركة بأي عرض، كذلك لم يتقدم مصرف سورية المركزي بعرض غير تنافسي.
ويشير بيان المركزي السوري إلى أن بلغ حجم العروض الإجمالي 253 ملياراً و600 مليون ليرة سورية، وقُبِلَت العروض كافة، بحجم إصدار نهائي محدد من قبل وزارة المالية عند مستوى 227 ملياراً و600 مليون ليرة سورية، وبمعدل عائد مرجح (سعر الكوبون) 8.41%، مشيراً إلى أن أسعار الفائدة المقترحة من عروض المصارف راوحت بين 7% كحد أدنى، وكحد أقصى 17%.
وكانت وزارة المالية السورية قد طرحت في 8 أغسطس/آب الجاري، المزاد الثاني للأوراق المالية الحكومية للاكتتاب على “سندات الخزينة” للعام الحالي، بأجل لمدة سنتين، وبنطاق إصدار مستهدف بقيمة 300 مليار ليرة سورية.
وبحسب بيان وزارة المالية بحكومة بشار الأسد الصادر في نهاية العام الماضي (9 كانون الأول 2021)، يأتي المزاد الثاني لهذا العام ضمن 4 مزادات أعلنت الوزارة تنظيمها للاكتتاب على سندات الخزينة لعام الجاري بقيمة 600 مليار ليرة، بآجال وقيم مختلفة.
ويقول المحلل المالي نوار طالب لـ”العربي الجديد” إن “تراجع سعر صرف الليرة السورية، يجعل من أي مستثمر بالسندات خاسراً مؤكداً، فإن نظرنا إلى سعر الدولار مقابل الليرة في أغسطس/آب عام 2020 فسنراه بنحو 2200 ليرة، فيما يزيد اليوم على 4300 ليرة، فما نفع الفائدة التي لن تتجاوز سنوياً، وبحدها الأقصى 17%”.
ويضيف طالب لـ”العربي الجديد” أن هدف نظام الأسد من الدين الداخلي، تمويل عجز الموازنة المقدر بنحو 4118 مليار ليرة، ولكن بالشق الجاري، أي تسديد الرواتب والأجور وتمويل ميزانيات وزارتي الصحة والتعليم وما بقي من الدعم، بعد الانسحاب التدريجي من دعم السلع الاستهلاكية ومشتقات النفط، لأن مواد الخزينة العامة، بحسب المحلل السوري، بتراجع مستمر، وقد عرّتها المستوردات، وخاصة القمح والنفط، فيما تراجعت فوائض المؤسسات الحكومية وعائدات الضرائب.
ويترك طالب سؤالاً قال إن الأيام المقبلة ستجيب عنه: “من سيشتري سندات الخزينة ببورصة دمشق؟” بواقع النتائج المخيبة للسوق وتراجع حجم وقيم التداول الأسبوعي، إذ لم تزد على 15 مليار ليرة خلال خمس جلسات الأخيرة.
وكانت وزارة المالية بحكومة بشار الأسد قد سمحت الشهر الماضي بتداول سندات الخزينة في سوق دمشق للأوراق المالية، بعد السماح لشركات الوساطة المالية بالاكتتاب في السوق الأولي مباشرة بمزادات الخزينة، كذلك سمح القرار للأفراد الطبيعيين والاعتباريين بالاكتتاب بمزادات سندات الخزينة من طريق شركات الوساطة المالية، وتداولها في السوق من طريق شركات الوساطة.
وتعاني بورصة دمشق التي تقتصر على 26 شركة مدرجة، منها 14 مصرفاً، من محدودية التداول، من دون تسجيل أي صفقة ضخمة، وبلغ عدد الصفقات العادية المسجلة 164 صفقة.
المصدر: العربي الجديد