أثارت دعوة وزعها الحزب الوطني للعدالة والدستور (وعد) المعارض من أجل عقد “مؤتمر وطني” في شمال سوريا، جدلاً واسعاً، بالنظر إلى الأهداف المعلنة، والدوافع الحقيقية التي يعتقد البعض أنها تقف خلف هذه الدعوة.
ووجهت قيادة الحزب رسائل إلى القوى والأحزاب السياسية السورية المعارضة ووسائل الإعلام، تضمنت الدعوة للمؤتمر الذي ينوي الحزب عقده خلال أيلول/سبتمبر 2022، في مناطق سيطرة الجيش الوطني شمال حلب، تحت عنوان “اللقاء التشاوري”.
وأوضحت الرسالة أن أهداف هذا اللقاء هي “التوصل إلى اتفاق على وثيقة شرف وطنية، والتوافق على نموذج لقانون أحزاب، وتشكيل رابطة للأحزاب التي تنطبق عليها شروط قانون الأحزاب، بالإضافة إلى العمل على ترسيخ الحياة المدنية والديمقراطية في الشمال المحرر”.
العلاقة مع الاخوان
الحديث عن وضع نموذج لقانون تنظيم العمل الحزبي وتأسيس تجمع للأحزاب التي “تنطبق عليها شروط القانون” كانا أهم النقاط التي تسببت بانتقادات حادة للحزب، خاصة وأنها تزامنت مع تجدد الحديث عن العلاقة بين “الجبهة الشامية” (الفيلق الثالث في الجيش الوطني)، الذي يسيطر على المنطقة التي ستستضيف المؤتمر، وبين جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.
ورغم أصرار قادة “وعد” على نفي صلتهم بالاخوان المسلمين، إلا أن ذلك لم يغير من نظرة وتعامل الجميع معهم باعتبارهم أحد تشكيلات الجماعة، التي يعتقد البعض أن الفيلق الثالث تابع لها أيضاً.
وعليه، رأى الكثيرون أن قيادة الحزب تعمدت تكثيف توزيع الدعوة في اليوم نفسه الذي كانت فيه الجبهة الشامية تحت الأضواء، حيث جرى استبدال قائد الجبهة، بالتزامن مع حديث عن دور لجماعة الإخوان في هذا التغيير، الأمر الذي تنفيه الجبهة الشامية.
وأوضح مصدر في قيادة الفيلق أن حزب وعد بدأ بتوجيه الدعوة إلى هذا المؤتمر قبل نحو شهر، مؤكداً أنه لا علاقة للجيش الوطني أو أي من تشكيلاته به.
المصدر الذي جدد التأكيد على عدم وجود أي علاقة تنظيمية بين الفيلق الثالث وجماعة الاخوان المسلمين، لم يستبعد أن يكون حزب وعد قد استغل وجود الجبهة الشامية في الأضواء خلال اليومين الماضيين، والحديث عن علاقة تنظيمية بينها وبين الاخوان، ليكثف من توزيع الدعوة، متوقعاً ألا يحالف المؤتمر المزمع النجاح.
نقاط الجدل
ويبدو أن فرص نجاح المؤتمر ضئيلة بالفعل، حيث علمت “المدن” أن أغلب من وجهت لهم الدعوة اعتذروا عن عدم الاستجابة لها، باستثناء حزبين صغيرين مرتبطين بالاخوان أيضاً.
وبينما قالت قيادة “وعد” إنها ما تزال في طور توجيه الدعوات، وأن ثلاثة أحزاب أبدت استعدادها للمشاركة حتى الآن، وهي حزب الوفاء وحزب النهضة وحزب اليسار الديمقراطي، أبلغ مسؤول في حزب اليسار أن اللجنة المركزية ستقرر لاحقاً البت بالدعوة، لكنه توقع الاعتذار “بسبب عدم الانسجام والتحفظ على بعض البنود التي يتضمنها جدول الأعمال”.
من ناحيته اعتبر مسؤول حزب “وعد” في ريف حلب عبد المنعم حميدي أن عدم وجود جهة مخولة بإقرار قانون الأحزاب في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، كان الدافع الرئيسي للعمل مع الأحزاب والقوى السياسية السورية المعارضة، من أجل تنظيم العمل الحزبي هناك.
وكان حزب “وعد” الذي تأسس عام 2013 قد أعلن عن تجميد نشاطه عام 2014، قبل أن يستأنف العمل في 2019، من مقره في تركيا. وحسب القائمين عليه، فإن قرار افتتاح مكتب للحزب في مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري اتخذ بداية العام 2020. وينفي الحزب باستمرار أي علاقة له بالإخوان المسلمين، ويقدم نفسه كأداة لتكريس فكرة وجود الأحزاب في مناطق المعارضة، وبالتالي الوصول لحالة سياسية تسمح بانتاج بديل عن النظام.
ورداً على سؤال ل”المدن” حول ما أذا كان الحزب يعتبر نفسه مخولاً بإصدار القوانين في هذه المناطق، ومنها قانون الأحزاب، قال حميدي: “بالتأكيد لا، لكن نحن نسعى حتى نصل إلى انتخابات تفرز سلطة تشريعية تقوم بهذه المهمة، أما الآن فنحن نقترح ولا نقر”.
وحول الجدل الذي تركز على البند الذي يتحدث في الدعوة عن السعي لتشكيل “رابطة للأحزاب التي تنطبق عليها الشروط”، حيث اعتبره الكثيرون بمثابة سعي لإعادة إنتاج “جبهة وطنية تقدمية جديدة” على مقاس الجهة التي تقف خلفها، قال الحميدي: “إطلاقاً لم نفكر بهذا التوجه، وإنما نهدف لإيجاد إطار للتعاون بين الأحزاب والقوى السياسية الناشطة في سورياً المحررة”.
وعن الأحزاب التي تم توجيه الدعوة لها للمشاركة في هذا المؤتمر، قال: :نحن على تواصل وتعاون مع غالبية قوى المعارضة الوطنية السورية، لكن هذا اللقاء التشاوري مخصص للأحزاب والقوى السياسية الناشطة في المناطق المحررة”.
انتقادات للقوى السياسية
ورغم الانتقادات التي قوبلت بها هذه الدعوة، والتشكيك بدوافعها، خاصة لجهة التخوف من سعي الإخوان المسلمين للهيمنة على النشاط السياسي في مناطق سيطرة الجيش الوطني، إلا أن الكثيرين حملوا القوى السياسية الأخرى المسؤولية عن ذلك، بسبب انكفاء هذه القوى وعدم فاعليتها.
وقال الناشط من ريف حلب الشمالي محمد الخطيب ل”المدن”، إن “المنطقة تعاني من فراغ كبير في العمل السياسي المنظم، رغم أن الكثيرين من أبنائها والمقيمين فيها لديهم رغبة كبيرة بممارسة النشاط الحزبي، والانخراط في التجمعات السياسية التي كانت محظورة عليهم قبل ذلك، لكن قوى المعارضة السياسية التي يفترض بها المساعدة على ذلك، وإفادة الشباب والأجيال الجديدة من خبراتها، لم تولِ هذه المناطق عنايتها، ما خلف فراغاً كان من المنطقي أن يأتي من يملأه”.
ورغم أن الخطيب لا يتوقع أيضا أن يكون النجاح حليف هذا المؤتمر، إلا أنه يرفض في الوقت نفسه “أن يتم استغلال هذا الواقع من قبل تيار أو حزب أو جماعة لفرض أجندتها”، بينما أكد ناشطون آخرون استطلعت “المدن” آراءهم بهذا الخصوص، أن “الظروف الأمنية لا تسمح حتى الآن بنشاط حزبي حر في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، خاصة بالنسبة للقوى الليبرالية أو اليسارية”، ويحمّل هؤلاء التيارات الاسلامية المسؤولية عن التحريض عليهم شعبياً، خاصة مع سيطرة هذه التيارات على القطاع التعليمي والهيئات الطلابية والمؤسسات الدينية.
تتسع دائرة الانتقادات عندما يتعلق الأمر بالنشاط الحزبي والسياسي في مناطق سيطرة المعارضة السورية لتشمل جميع القوى والتيارات، وبينما يُتهم البعض بالتقصير والفشل، يُتهم البعض الآخر، وخاصة الإخوان المسلمين، باستغلال الواقع الخاص في هذه المناطق من أجل فرض هيمنتها عبر واجهات متعددة، بينما يبدو الجميع متفقاً على ضرورة أن تتحمل سلطات الأمر الواقع المسؤولية في توفير مناخ مناسب للعمل السياسي الحر في تلك المناطق.
المصدر: المدن