باكتسابها شهرة كطريق التفافيّ على الملفات الخلافية بين روسيا وتركيا، تنتظر مدينة سوتشي وصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إليها، يوم الجمعة، لعقد قمة، وصفها مراقبون بـ “المصيرية”، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك بعد أقل من شهر على قمة ثلاثية عقدها الرئيسان الروسي والتركي مع الرئيس الإيراني في طهران ضمن مسار آستانا لحل الأزمة السورية.
وكان الملفّ السوري بتشعباته الميدانية والسياسية هو المحور الأساسيّ الذي ناقشته قمة طهران الثلاثية، وقد تم في ختامها صوغ بيان ختامي لا يختلف كثيراً في مضمونه عن البيانات السابقة التي كانت تصدر عن اجتماعات آستانا على مختلف مستوياتها، ولكن المتوقّع من قمة سوتشي الثنائية بين أردوغان وبوتين أن تتناول الملفّ السوري في سياق الارتباطات التي تجمعه مع ملفات إقليمية ودولية أخرى ويكون مؤثراً فيها أو متأثراً بها.
ونظراً الى قرب موعد انعقاد قمة سوتشي بعد أسابيع قليلة من انعقاد قمة طهران، وهو ما لم تحدث تطورات هامة تستوجب تقديمه أو تتطلب من الرئيسين التركي والروسي التوجّه لعقد لقاء قمة ثانٍ خلال هذه الفترة القصيرة، يبدو أنه يوجد تفسيران اثنان لا ثالث لهما للاستعجال في عقد قمة سوتشي: يذهب التفسير الأول إلى أن قمة طهران لم تنجح في ردم الهوة بين مواقف الدول الثلاث حول النقاط الخلافية في ما بينها في الملف السوري وعلى رأسها العملية العسكرية التي يهدد أردوغان بشنّها، وهو ما تطلب من الأخير أن يطلب عقد قمة ثنائية مع الرئيس الروسي مستشعراً تشدد الموقف الإيراني من تهديداته، واحتمال أن تكون روسيا لديها القدرة وربما الإرادة على إبداء مرونة أكبر في تلبية المطالب التركية.
ويذهب التفسير الثاني إلى العكس من ذلك تماماً، ويرى أن انعقاد القمة الثنائية بين أردوغان وبوتين إنما يأتي في إطار استكمال ما تم التفاهم عليه من تحت الطاولة في طهران، وأنه بعد أن شهدت قمة طهران توافقات سرية حول مصير العملية العسكرية التركية في سياق الوساطة التي تقودها طهران بين دمشق وأنقرة، ووضعت طهران خطوطها الحمر، سيجتمع الرئيسان الروسي والتركي من أجل التوصل إلى تفاهمات تفصيلية حول المرجعية السياسية والأمنية التي تحكم علاقة أنقرة بدمشق وكيفية تحقيق مطالب أنقرة الأمنية من دون انتهاك تلك المرجعية.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن يدلي وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بعد أيام قليلة من إعلان موعد قمة سوتشي بتصريح جدليّ أكد فيه استعداد بلاده لتقديم الدعم للنظام السوري في محاربته التنظيمات الإرهابية.
ورغم أن دمشق مضت قدماً في مسار التنسيق العسكري مع “قوات سوريا الديموقراطية” معربة عن استعدادها لمواجهة أي عدوان تركي، غير أن هذا التنسيق العسكري الذي توج بإجراء مناورات تدريبية نادرة بين الطرفين، لم يتكلل بتقارب سياسي بين الطرفين.
وفي هذا السياق أكد رئيس حزب الاتحاد الديموقراطي صالح مسلم، الذراع السياسية لـ”قسد”، أن الوفد الكردي الذي طرق باب دمشق عاد خائباً، وقال في لقاء مصور مع وكالة “باز” (BAZ) الكردية أن “لقاء الوفد مع النظام لم تصدر عنه نتائج لأنه لم تكن هناك مباحثات، ولكن بسبب التهديدات التركية، كان هناك اتفاق سابق عام 2019 مع النظام بوقف إطلاق النار، والروس لعبوا دور الضامن لهذه الاتفاقية، ولذلك جرى تنسيق الأطراف العسكرية بين “قسد” والنظام”.
ولم تستبعد صحيفة “الوطن السورية” المقربة من الحكومة السورية، أن تشهد قمة سوتشي المرتقبة “احتمال التوصل، وعبر مباحثات مفصلة، إلى صيغ واتفاقيات تحكم مستقبل خطوط الاشتباك السورية شمال وشمال شرقي البلاد، كما هي عادة القمم الثنائية بين الرئيسين التركي والروسي، وخصوصاً في محطات “سوتشي” القادرة على تحقيق اختراقات وإنتاج “تفاهمات” جديدة تقرب مصالح البلدين المتضاربة والمتنافرة”.
في مقدم التوقعات لمخرجات القمة المقبلة، بحسب المراقبين، استمرار وضع العملية العسكرية التركية التي هدد نظام أردوغان بشنها منذ 23 أيار (مايو) الماضي لاقتطاع أراضٍ سورية جديدة لإقامة ما سماه “المنطقة الآمنة” المزعومة، وخصوصاً في تل رفعت ومنبج، على الرف أو في الثلاجة، مع البحث عن “مسارات بديلة” تنقذ ماء وجه أردوغان أمام ناخبيه في الداخل التركي قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في تموز (يوليو) المقبل.
وذكرت الصحيفة أن من تلك المسارات، “وضع اتفاق أضنة الأمني بين دمشق وأنقرة لعام 1998 حيز التنفيذ، ولو على مراحل، بحيث “يقنع” الضامنان الروسي والإيراني لمسار آستانا ميليشيات “قوات سوريا الديمقراطية”، بتطبيقه على الرغم من ضغوط واشنطن عليها للابتعاد من محور موسكو- طهران- دمشق”.
وقد أكد الكاتب السوري الدكتور أحمد الدرزي هذا السيناريو حيث أشار في إحدى مقالاته الى أن “هذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا بإعطاء مؤشر أولي بالانسحاب إلى شمال طريق “M4″، تنفيذاً لاتفاق 5 آذار (مارس) 2020 بين الرئيسين، والذهاب نحو العودة إلى اتفاق أضنة 1999 بين سوريا وتركيا، في مقابل إزالة هواجس الأمن القومي التركي في الشمال السوري، والاعتراف الرسمي بالواقع السياسي في سوريا، والعودة إلى العلاقة مع دمشق ضمن رؤية إقليمية مختلفة لا وجود فيها للولايات المتحدة الأميركية”.
وأشار موقع “أوغاريت” المعارض في افتتاحيته، الأربعاء، إلى أن “قرار أي عملية عسكرية تركية في سوريا هو بيد بوتين أكثر من أي طرف آخر متدخل في الأزمة السورية”. ولم يستبعد الموقع أن “توافق روسيا على النوايا التركية بشن عملية عسكرية، كونها ستضعف “قوات سوريا الديموقراطية” وتقلص مساحة سيطرتها إضافة الى إمكان أن تنسحب القوات الأميركية من البلاد، وهو ما سبق أن طلبته روسيا وإيران وتركيا خلال قمة طهران وأيضاً تريده الحكومة السورية”، مرجحاً أنه في حال بدأ أي هجوم فإن الولايات المتحدة ستكون مجبرة مجدداً بسحب قواتها من شمال سوريا، كما حصل في 2019″.
ويمكن أيضاً أن تقدم أنقرة مناطق تحت نفوذها للروس والإيرانيين مقابل السماح لها بشن عمليتها العسكرية،فهناك حديث عن امكان تغاضي تركيا عن هجوم لقوات الحكومة وإيران على مناطق سيطرة فصائل “الجيش الوطني” في “درع الفرات وغصن الزيتون” بدعم جوي روسي، حيث تشهد تلك المناطق منذ أيام تصعيداً عسكرياً عنيفاً، بحسب الموقع ذاته.
ويرى مراقبون أن الرئيس الروسي في حال قبوله بأي عملية عسكرية تركية في شمال سوريا، فإنها ستكون محدودة جداً، حيث تضعف “قوات سوريا الديموقراطية” ويمكن أن تقدم تنازلات أكثر لدمشق في الشق العسكري والسياسي، كما ستقلل من النفوذ الأميركي، مشيرين إلى إمكان أن تدفع روسيا أنقرة للهجوم على مناطق “شرق الفرات” وهي مناطق نفوذ التحالف وأميركا، مستبعدين أن توافق موسكو على أن توسع تركيا نفوذها على حسابها في سوريا.
المصدر: النهار العربي