بينما يحتفي العالم بعيد العمال العالمي في 1 أيار/مايو من كل عام. تعيش الطبقة العاملة السورية ظروفها الأشد قسوة، والأكثر فداحة، مع استمرار انتشار جائحة كورونا، ووصولها إلى عشرات المدن والأرياف السورية، علاوة على حالة القهر والتجويع التي يعيشها السوري، ليصبح أكثر من 85 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر العالمي، ويعيش السوري تحت سيطرة النظام السوري، وكذلك تحت سطوة الاعتقال والقتل الأسدي الممنهج، ليكون هذا المواطن السوري واقعًا تحت سطوة جائحتين وقهرين متساوقين: قهر الكورونا، وقهر وتغول وسطوة النظام السوري الجاسم على صدر السوريين منذ خمسين عامًا ونيف. وهي حالة لا شك أنها خلقت وضعًا بات فيه الانسان السوري مستلبًا إنسانيًا، ومعيشيًا، كما هو حال الوطن المنهوب، والمُتَغَوَّل عليه من آل الأسد ومن لف لفهم.
حول كل ذلك وأوضاع الطبقة العاملة السورية ضمن هذه السياقات سألت صحيفة إشراق لفيفًا من أهل السياسة والثقافة من معارضين لنظام العسف الأسدي. كيف يقيمون أوضاع العمال في سورية اليوم، وهم يمرون بحالة قاسية لا تخفى على أحد. وهل ما يزال من عيد للعمال السوريين في هذا الواقع المذري والصعب؟
الدكتور طلال مصطفى الباحث وأستاذ علم الاجتماع قال لإشراق:
” من المعروف أن الأول من أيار مناسبة للعمال في دول العالم كافة للمطالبة ببعض الحقوق التي يجدونها منقوصة في مجال عملهم وحياة أسرهم العامة (زيادة الأجور، التأمين الصحي، العطل و كيفية قضاءها …الخ) أما في سورية وقبل جائحة فيروس كورونا نجد معظم السوريين، وليس فقط العمال، همهم الوحيد تأمين لقمة العيش ومادتها الرئيسية الخبز، حيث تدهورت الأوضاع المعيشية بالمطلق، وتفاقم معدل الفقر ليصل الى أعلى من 85 % من السوريين، نتيجة فقدان مصادر رزقهم الرئيسة ، وارتفاع معدل البطالة الى أكثر من 75% و انخفاض معدل الانفاق على الغذاء نتيجة تآكل القيمة الشرائية لليرة السورية، حيث وصل معدل التضخم إلى أعلى من 1000%، حتى التقارير الاقتصادية الرسمية التابعة للنظام تقر بأن أكثر من 85% من السوريين لا يتمتعون بالأمن الغذائي، أي عاجزين عن تأمين الحدود الدنيا من مستلزمات المعيشة، حيث بينت الدراسات الرسمية للنظام السوري أن 85% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر”، و معظمهم يعيش على “المساعدات الخارجية” من المنظمات الدولية الإغاثية ومن أقارب وأبناء يتواجدون في دول الخليج ، تركيا و أوروبا، بالإضافة إلى عدم توفر الخدمات الأساسية للمواطن من كهرباء ومحروقات وغاز، وأصبح حلم المواطن السوري الحصول على أسطوانة غاز، حيث يتنقل من مركز الى آخر لمدة شهرين أو أكثر للحصول على أسطوانة واحدة التي خصصتها الحكومة السورية لكل عائلة سورية لمدة ثلاث أشهر، ومئة لتر مازوت للشتاء سوري بالكامل، بالإضافة إلى انعدام القدرة المالية لمراجعة الطبيب في حال المرض أو شراء الدواء إذا ما توفر، وحتى لا نذهب بعيدًا نجد التقديرات الرسمية لمؤسسات النظام لما تحتاجه الأسرة السورية المؤلفة من خمسة أشخاص وصل إلى مبلغ 250 ألف ليرة سورية شهريًا للحصول على حياة معيشية بالحدود الدنيا فوق خط الفقر، بينما الدخل الشهري الحقيقي يتراوح ما بين 45 – 75 ألف ليرة سورية.” ثم أضاف ” كذلك بعد انتشار جائحة فيروس كورونا في دول العالم ومنها سورية، اتخذت معظم دول العالم الإجراءات الصحية لوقاية مواطنيها من الإصابة بفيروس كورونا إلا في سورية حيث الاجراءات الهزلية التي اتخذها النظام السوري، التي تبين أن المستفيد الرئيس منها حواجز النظام والشرطة التي لم تعد تسمح للمواطن السوري بالذهاب للعمل أو لتأمين حاجاته إلا بدفع رشوة مالية (200-500) ليرة سورية على كل شخص. لذلك تفاعل السوريون مع جائحة كورونا بالاستهزاء وعدم الجدية متسائلين في لحظة غياب أجهزة الأمن عنهم، وهل أخطار فيروس كورونا المرضية أخطر من كورونا الأسد؟؟ بالطبع هذا التساؤل ناتج من مرارة الحرب الوحشية التي شنها النظام على السوريين في السنوات التسعة الأخيرة، وفي الوقت الذي يخرج معظم عمال العالم بمناسبة يوم العمال في الأول من أيار/مايو في عام 2020 يطالبون بالمزيد من الحقوق الإنسانية والترفيهية، نجد السوريين هائمون في الشوارع للبحث عن ربطة خبز وجرة غاز علهم يأمنونها للعودة إلى أطفالهم وتقديم وجبة الطعام الوحيدة في اليوم غير الكافية من الناحية الغذائية، بانعدام إمكانية شراء اللحوم والفواكه والحلويات التي يحتاجها جسم الانسان”.
أما الكاتب السوري المعارض محمود الوهب
فقد أكد لإشراق أن ” الكوارث دائماً يتحمل نتائجها الفقراء، فما بالك في وباء ألزم، من لا يملك فضلة ليومه التالي، الاحتباس في البيت، والتعطل الإجباري عن العمل. لكن المسألة ليست هنا فحسب، أي في زمن العطلة (زاد أم نقص) بل في المستقبل القريب القادم حيث إفلاس الكثير من الشركات التي ستلقي بعمالها نهائياً إلى الشوارع، وهذا ما سيخلق مشكلات جديدة، وربما حروباً تنذر بويلات أكثر بشاعة. وإذا كان هذا شأن الطبقة العاملة عموماً…! فما بالك بواقع العمال السوريين الذين فرض عليهم النظام الحاكم ما هو أسوأ من الكورونا، فالغلاء غير مقدور عليه، وانعدام فرص العمل، إذ يكره العامل السوري سواء داخل النظام أم في مناطق تحكمها فصائل مسلحة على تأجير نفسه ليقتات بدمه مقاتلاً أو “شبيحاً” لدى النظام أو لدى عصابات تكاثرت هنا وهناك، فأرباب العمل هاجروا ومعاملهم التي نجت من السرقة أو التدمير ناقلين نشاطهم إلى بلدان مجاورة أهمها تركيا. وإذا كان العمال المهجرون قد لاقوا معاملة مقبولة في تركيا، سواء لدى مواطنيهم السوريين أم في المعامل التركية، فهم في لبنان قد تعرضوا لمذلات وإهانات وصلت في كثير من الأحيان حد القتل! ولا يفوتنا الإشارة إلى أن لدى العمال السوريين خبرة في ميادين مختلفة، أضف إلى ذلك أن الكثير من المهنيين الخريجين انضموا إلى سوق العمل في تلك البلدان. وبكلمة إن الوضع مأسوي”.!
من جهته تحدث لإشراق المعارض السوري المهندس عزت محيسن
الذي يعيش في دمشق بقوله: ” لا أعتقد أن العمال قد مر عليهم عيد عمال منذ أن وصل هذا النظام للحكم، وقبل جائحة الكورونا كانت الضائقة الاقتصادية في سورية ذات أثر على الطبقات منخفضة الدخل، فنتيجة الأوضاع فإن أصحاب الحرف والمهن ذات الطبيعة التقنية تراجع مستوى دخلهم نتيجة انخفاض الطلب في السوق على خدماتهم. وقد أتت جائحة الكورونا وما أسفرت عنه من حظر فرضه النظام على التجوال والنشاطات الاقتصادية ليفاقم الأزمة فتوقيف قطاع النقل بين المحافظات، أدى إلى ندرة الكثير من السلع في أسواق مدن، وتكدس نفس السلع في مدن أخرى. فالبرتقال والليمون مثلًا يتم تركه دون قطاف في بعض الأماكن في الساحل، بينما قفز سعره في دمشق إلى أربعة أضعاف ما قبل الحظر، فقفز برتقال الشموطي للعصير من 200 ليرة سورية إلى 800 في دمشق، ومزارع بعض المتنفذين تصدر انتاجها بشاحنات محمية إلى العراق وإيران.
وأعطيكم مثالاً إذ أنه لدى أخي أربع عمال دفع لهم رواتب شهر، والبارحة أخبرني أنه لا يستطيع دفع أكثر من نصف الراتب، فالدولة سمحت لهم بفتح المحلات يوم في الأسبوع ورواتب عماله حوالي 400000 ليرة. وأحد اصحاب المطابع قال إنه يعمل حتى الساعة الثانية وهذا يعني أنه لن يستطيع تسديد إيجار المطبعة، وبالتالي لا يعلم كيف يسدد رواتب العمال. كل ذلك يجعلنا بحاجة إلى إضافة درجات للتصنيف تحت الفقر، فلا يوجد طبقة وسطى، بل هناك طبقات متفاوتة التصنيف تحت الفقر، والعامل ضمن أدنى درجات ما تحت الفقر، فقد استهلك مدخراته وباع ما تبقى من حلي زوجته، وبمعنى أصح باع حتى خاتم الزواج. وتجدر الإشارة إلى أن السلطات بدمشق تقوم اليوم بختم المحلات المخالفة للدوام المحدد من قبل النظام بالشمع الأحمر؟؟!!”.
المعارض السوري ابن حلب البار محمود عادل بادنجكي
قال لإشراق ” العمّال هم الطبقة الأكثر هشاشة في المجتمع في مواجهة الأزمات. والعمّال السوريّون واجهوا الأزمات الناشئة عن حرب النظام تجاه الشعب بقسوة تصاعديّة تراكميّة سنة بعد سنة، نتيجة نسب التضخّم السنويّة الهائلة، وتراجع الطلب على العمل بسبب ضعف القوّة الشرائيّة لدى الناس عموماً. مع العلم أنّ التضخّم بالأسعار، لا يوازيه تضخّم بالأجور. فتهاوت الأجور من وسطي أجور العمالة العادية 200$ شهريّاً إلى أقلّ من 30$ لتبلغ مراتب تحت حدود الفقر المتعارف عليها عالميّاً. في الوقت الذي انتقلت فيه الكثير من فئات المجتمع من حرفيين ومتوسّطي الدخل إلى فئة البطالة، التي تغلب بيئة العمل السوريّة حاليّاً. عيد العمال يكون في استقرار أوضاعهم، فلا عيد لمن لا استقرار له.”
المصدر: صحيفة إشراق