الإسلام السياسي وعقدة الديمقراطية

معقل زهور عدي

يكاد أن يكون من المستحيل أن تعثر في أدبيات التيارات الاسلامية السياسية في المشرق العربي على كلمة الديمقراطية، وبدلا عنها يمكن أن تجد تكرارا لكلمات مثل الحرية والعدالة والكرامة …الخ ..

إذن هناك استعصاء في هضم مفهوم الديمقراطية , وسواء كان ذلك راجعا للخوف من جمهور تلك التيارات , أو من القناعة بأن ذلك المفهوم لايتسق مع الاسلام ولايمكن هضمه ولابد من استبداله بمفاهيم أخرى فالنتيجة واحدة وهي أننا أمام مشكلة حقيقية في الموقف من الديمقراطية .

وتبدأ المشكلة بالاسم , فكلمة الديمقراطية كما ينظر اليها البعض كلمة غريبة على قاموس التراث , وهي توحي بشيء غريب آت من الغرب , وهي بذلك محل ريبة , بل هي ثقيلة على لسان العربي المؤمن .

فإذا بدأنا بنقاش الشكل ( الكلمة ) فنجد أن القرآن الكريم حافل بالكلمات من أصل غير عربي , منها : السندس والاستبرق والقرطاس وسجيل ونمارق وزرابي وأساطير وزنجبيل والقسطاس وغير ذلك …

فإذا كانت المسألة مسألة استساغة استخدام كلمة أجنبية الأصل فهي لاتقوى على الصمود أمام استخدام القرآن الكريم العديد من الكلمات الأجنبية الأصل كما سبق .

إذن لنترك جانبا مسألة مجرد استخدام كلمة أجنبية على الأذن العربية , ونأتي إلى المضامين والإيحاءات التي تتضمنها ” الديمقراطية “.

لنبدأ بما يفكر به البعض : لماذا تصرون على مفهوم ” الديمقراطية ” الغربي ولدينا في الإسلام ماهو أفضل منه ” الشورى ” مثلا ؟

يشبه ذلك من يصر على استخدام السيف في عصر الصواريخ , فالديمقراطية والشورى هما أساسا أدوات للحكم والأداة محكومة بالزمان وما يصلح من أدوات في زمن لايصلح في زمن آخر , ومشكلة الاسلام السياسي أنه لاينظر للديمقراطية كأداة لكن ينظر اليها كعقيدة وبالتالي لايمكن التسامح معها .

يرى ابن رشد ” وجوب استعمال القياس العقلي أو العقلي والشرعي معا ” , ” فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بأفضل أنواع القياس وأتمها وهو المسمى برهانا ” , “ونحن نستعين بآلات العمل في شؤوننا اليومية والدينية , دون أن نتحرى في ذلك ما اذا كان منشؤها وصانعها مشاركا لنا في الملة أو غير مشارك , نحن نذبح ذبائحنا وأضحياتنا مثلا بسكاكين لانتحرى فيها أن تكون من صنع مشارك لنا في الملة , بل نتحرى فيها فقط شروط الصحة , وهي أن تكون نظيفة غير نجسة وحادة لاتعذب الحيوان ..الخ.. واذا كنا نفعل هذا في حياتنا العملية , الدينية وغير الدينية , فلماذا لانفعل الشيء نفسه في حياتنا الفكرية ؟ يجب اذن أن نضرب بأيدينا في كتب القدماء فننظر فيما قالوه من ذلك فان كان صوابا قبلناه منهم , وان كان فيه ماليس بصواب نبهنا عليه ” ( كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال ) .

نعم الديمقراطية مفهوم غربي , نشأت بذرته في اليونان , ثم استعادت تلك البذرة حيويتها ونمت متأثرة بما حملته الثورة الفرنسية من أفكار كالحرية والمساواة والمواطنة وتجذرت الديمقراطية من خلال الممارسة لعقود طويلة وفي نهاية القرن العشرين شهدنا تحولا متسارعا في أوربة الشرقية وآسيا وافريقيا نحو الديمقراطية .

هل يجب علينا أن نعادي الديمقراطية فقط لأنها آتية من الغرب ؟

فأين نحن من الحديث الشريف ” الحكمة ضالة المؤمن فأينما وجدها فهو أحق بها “؟ . رواه الترمذي في سننه.

والديمقراطية كأداة للحكم تستند الى ثلاثة مرتكزات : المواطنة , الحريات العامة , المؤسسات الديمقراطية ,

لكن لماذا الإصرار على مفهوم الديمقراطية ؟

لأن النظام الديمقراطي وحده هو الضمان للحريات العامة والخاصة كالحق في ابداء الرأي وتشكيل هيئات المجتمع المدني المستقلة وحرية واستقلال الصحافة وبعث الحياة السياسية في المجتمع ليشعر أفراده جميعا أنهم شركاء في تقرير مصيرهم , ووضع الأسس لتداول السلطة بطريقة سلمية , ومحاسبة المسؤولين واستقلال القضاء …الخ .. وفي العصر الراهن لايوجد ما يضمن ذلك سوى النظام الديمقراطي .

ومفهوم ” الشورى ” ليس سوى النواة الأخلاقية – المبدئية للديمقراطية الحديثة التي أصبحت مفهوما عالميا منذ زمن بحيث لايمكن أن يحل اليوم مكانها مفهوم “الشورى ” بقدر ما يمكن أن يؤسس لتقبلها في مجتمعنا السوري .

وما يعنينا أكثر هو عقل الجمهور الذي أظهرت السنوات العشر الأخيرة أنه لم يتحرر بعد من الجمود والتقليد وقابلية الإنسياق وراء بعض الدعوات الشعبوية التي تستغل عاطفته الدينية لتبيعه الأوهام .

يرتبط القبول بالديمقراطية بالقبول بمفهوم المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات , وبمبدأ تداول السلطة عبر الانتخاب وليس عبر الغلبة أو العنف , وعدم وضوح المفاهيم الديمقراطية يعني سهولة الانقلاب عليها والانفلات منها وقد حدث ذلك في تاريخ سورية الحديث حين انقلب حزب البعث من حزب يقول بالديمقراطية في الخمسينات إلى حزب يتبنى نظرية الحزب الواحد القائد للدولة والمجتمع في أوائل الستينات دون معارضة ذات وزن بسبب ضعف الثقافة الديمقراطية كونها مجرد قشرة في الوعي الجمعي .

وحتى اليوم تظل تلك المسألة عقبة أمام تيار الإسلام السياسي لاينفع معها التجاهل ولا التورية أو الغموض .

المصدر: ( كلنا شركاء )

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. الطرح غير كافي.
    يجب أن نرى ما يقوله العلماء الألمان عن الديمقراطية
    https://www.youtube.com/watch?v=-hItt4cE0Pk&t=339s
    الديمقراطية المطبقة على الساحة العالمية هي ديمقراطية تضليلية، الديمقراطية الصحيحة هي الشورى الشعبية حيث يجلس الشعب ويضع القرارات حول وجوده وليس نخبة تمثله وتقرر مصيره.

  2. لا يوجد شيء اسمه مواطنة متساوية أو عدالة اجتماعية، ولذلك لم يستطع ولا نظام أو فكرة تحقيقها،
    ما يمكن تحقيقه هو نظام السلام حسب العقد الاجتماعي (السلام لا يمس على الإطلاق) تقيد به القوانين والفعاليات الإنسانية لتحقق السلام الأعظمي.
    المنحني يوضح علاقة السلام بالحرية وكيف فلتان الحرية يحطم السلام وهو ما يحصل اليوم في سورية، الشرط (السلام لا يمس على الإطلاق) يوضح بمحورين A-B ومنع خروج الحرية عن قيدهم.
    الديمقراطية الحقيقية لم تطبق لليوم، لو أن الديمقراطية تحقق مصالح الشعب لألغتها النخبة بشكل كامل.

زر الذهاب إلى الأعلى