يعود الزمن بنا نحن شعب سورية إلى اثنين وعشرين سنة مضت. نستذكر فيها تلك اللحظات التي أُعلن فيها الخبر الأهم في حيوات السوريين، وهو موت الطاغوت الأكبر والقاتل الأدهى حافظ سليمان الأسد. في ١٠ حزيران/ يونيو عام ٢٠٠٠ صمت الشعب السوري بقضه وقضيضه مذهولًا لموت شخصية طغيانية حكمته بالحديد والنار والقتل لما يقرب من ثلاثين عامًا متواصلة ذاق فيها السوري الأمرَّين وعانى ضمن كل ظروف القهر والاستلاب والعسف والاعتقال السياسي والمجازر التي ارتكبت بحق المدنيين طيلة عقود ثلاثة خلت، لم ينم فيها الشعب السوري على فرحة أو سرور. فكيف لا تعتريه لحظات الدهشة والصمت، بينما يسمع صوت الإعلام السوري معلنًا موت المستبد الأسدي الفاشيستي.
كانت لحظات قلقة وصعبة في حياة السوريين. بين الفرحة لنفوق الطاغية والخوف من مستقبل مجهول تعوَّد الإنسان السوري أن يعيشه، ولا يعرف عنه شيئًا لأن كل شيء مع نظام الأسد يُطبخ في الظلام وأقبية الظلمة. وتجري المؤامرات والتوافقات على من يحكم هذا الشعب دون أن يكون هناك رأي أو رؤية للناس المستلبين من عموم السوريين، الذين يعيشون ظروف القهر المستدام منذ أن خطف الوطن شخص اسمه حافظ الأسد صبيحة يوم أغبر من أيام شهر تشرين ثاني نوفمبر عام ١٩٧٠.
كانت لحظات ترقب وذهول وخوف من مستقبل مجهول. ولسان حالهم يقول: هل ستستمر دولة العصابة الأسدية الغارقة في دماء السوريين، والمستغرقة في أتون بحر من الفساد والإفساد الذي كان سمة أساسية لمرحلة حافظ الأسد .
وكان أن استمر نهج المقتلة الأسدية التي مشى على هديها بشار الأسد، باتكاءات بنيوية متشابهة ولا تختلف فيها إلا بعض الوجوه الأمنية أو الاقتصادية أو المافياوية التي لا تغير مسارها ولا مسيرتهاـ فجميعها يمارس القمع وكم الأفواه، ويعيش على الفساد والإفساد ونهب الوطن وكل خيراته، تحت جنح الظلام، وفي رابعة النهار، وقد تجسدت وتوضحت بشكل أكبر هذه السياسة المنبعثة من بنية للنظام السوري الأسدي التي طالما كانت معيارًا للوجود والاستمرار في خطف الوطن كل الوطن، واعتقال كل من يقف معارضًا أو مناهضًا لهذه السياسات العصبوية الطائفية، وهم في ذلك لايلوون على شيء، وليس هناك من يعوق إجراءاتهم، لأن من يعوق ذلك في الداخل فإن مصيره الموت، وفي الخارج فإن الدول الكبرى لم يكن همها يومًا الحفاظ على حقوق الإنسان أو إنعاش النظم الديمقراطية كما تدعي، بل التابعية وتنفيذ السياسات المطلوبة والمصالح، كان هو الأساس والأهم في الرضى عن الدور الوظيفي لنظام الطغاة الدكتاتوريين في دمشق، أو سواه من العالم. وهو مالا يتساوق مع كل السياسات المعلنة للدول المتحضرة، كما تسمى.
موت الأب حافظ الأسد لم يكن قد أتى في سياقات تغييرية على الإطلاق، بل جاء الوريث من بعده ليستلم الحكم والسلطة بسلاسة كان قد ساهم فيها الأب قبل رحيله بسنوات طويلة، وهو الذي كان يتوقع مصيره، ويصر على أن تبقى السلطة بيد العائلة والطائفة، فهيأ كل شيء قبل الرحيل، وهو الذي نُكب بقطع حبل الوراثة به قبل ذلك عندما مات الوريث الأول باسل الأسد قتلًا في حادث سيارة عام 1994. وهو ما أربك الطاغوت الكبير في حينها فسارع إلى استدعاء بشار من لندن ليتابع مسيرة التوريث، ويعيد تكوينه وبناءه كي يستطيع حكم سورية بالحديد والنار، كما كان يحكمها الأب.
في الثورة السورية أي بعد انطلاقتها أواسط آذار/ مارس 2011، ظهرت على السطح السياسة الفاجرة من القتل والتدمير، وإمساك آلات القتل، واستدعاء المحتل الإيراني والمحتل الروسي وكل الميليشيات الطائفية التي جاءت نصرة لكيان كاد أن ينهار على وقع ثورة شعب نادى بالحرية والكرامة، ولم يرد شيئا الا هاتين المسألتين المفتقدتين لديه منذ عقود، لكن بشار الأسد وعصابته لاقوه بمزيد من القمع والقصف بالبراميل والكيماوي والصواريخ البالستية، وليتم تدمير سورية بنسبة فاقت 65 بالمئة حسب تقديرات أممية، وليتم قتل ماينوف عن مليون سوري، وتهجير أكثر من نصف الشعب السوري نازحين ولاجئين إلى كل بقاع الدنيا.
وهذه هي نفسها كانت سياسات اتبعها ونظَّر لها ومارسها القاتل الأب في حماة وجسر الشغور ومعرة النعمان وحلب وداخل سجن تدمر سيء الصيت، وكل المعتقلات التي عجت بها سورية أكثر من الجامعات ومراكز البحث العلمي بكثير، وهي سياسة تنم عن تفكير طغياني لايهمه إلا وجوده في السلطة والحكم، ولا يأبه لأي أرواح تزهق أو وطن يُدمَّر، أو سيادة وطنية تباع على قارعة الطريق، أو ثروات تُنهب، أو شعب يُهجَّر. المهم هو بقاء الاستبداد الفاشيستي ممسكًا بالسلطة ممعنًا في كم الأفواه ونهب الموارد، وبقاء أدوات القمع الطائفية، ثم الانتماء لمايسمى ظلمًا وبهتانًا حلف (الممانعة والمقاومة)، وهم أبعد مايكون عن فلسطين والجولان، أو أي مقاومة جدية وحقيقية، لأنهم كانوا ومازالوا يرون بأن طريق الجولان يمر بخان شخون وحلب وحمص، وعبر كل المجازر التي قاموا بها في كل قرية ومدينة سورية ثارت على طغيانهم.
المصدر: صحيفة إشراق