” رسالة من الأبدية”

د- عصمت سيف الدولة

عزيزي أبو محمود

لقد قرأت مرات ومرات بيان طارق على ضوء ما ذكرته لي من صعوبات يلقاها أنصار الطليعة العربية في شق طريقهم إلى غايتهم العظيمة. وحاولت بقدر ما استطعت أن أسترجع كل كلمة قلتها لي كي أكون أقدر ما أكون على أن أكتب لك الرأي الذي طلبته
مني. وهاك ما انتهيت إليه آملاً أن يكون مفيداً لك ولإخوانك:
أولاً- إن الجوهر الحقيقي المفيد لدعوة أنصار الطليعة العربية هو كونها أسلوب ديمقراطي لتحقيق غاية في المستقبل. وهذه الغاية هي أن يقوم في الوطن العربي تنظيم قومي تقدمي يقود نضال الشعب العربي إلى الوحدة الاشتراكية الديموقراطية. هذه هي غايتها إذاً: أن يقوم تنظيم قومي، لا أن تكون هي تنظيماً قومياً. أما الدور الذي يقوم به أنصار الطليعة العربية للوصول إلى هذه الغاية فهو الإعداد الفكري والبشري الذي ينتهي بانعقاد مؤتمر تأسيسي.. هو الذي يقيم التنظيم القومي!  والإعداد الفكري والبشري على قدر ما فهمت من البيان، يعني أن أنصار الطليعة العربية ليسوا ملتزمين نهائياً بشكلٍ مسبق واشتراطي بمضمون فكري مبلور يدعون
الناس إليه ويشترطون قبوله كما هو.. ليكون النصير نصيراً. بل إن الوصول إلى هذا الفكر هو غايتهم النهائية التي يسعون لتحقيقها. ومؤدى هذا أنهم يبدؤون بالتجمع حول (خط فكري عام) هو ما يمكن تسميته: الفكر القومي التقدمي الذي ينطلق من الوجود القومي مستهدفاً الوحدة الاشتراكية. يجمعون هذا الفكر من كل مصادره أيا كانت ويقبلون الاجتهاد فيه جميعا دون تحفظ. ويديرون الحوار حوله لينتهي في النهاية إلى أكبر قدر من الوضوح والتحديد، كمشروع يقدمونه إلى المؤتمر التأسيسي للتنظيم القومي الذي يكون من حقه وحده أن يعيد النظر فيه من
جديد لإقراره وإعطائه صفة الإلزام.

 إذاً فليس من مهمات أنصار الطليعة العربية، وليس من واجبهم أو حقهم أن يلزموا أنفسهم أو يلزموا غيرهم بفكر معين يكون هو مناط اللقاء بينهم ومقياس الانتماء لعملهم. إنهم لو فعلوا ذلك
لصادروا مهمتهم الأساسية بالذات على المستوى الفكري. أي لما كان ثمة مبرر لدعوتهم على الإطلاق، ولوجب عليهم أن يفتشوا لأنفسهم عن اسم آخر أو عمل آخر لا يعنيني على الإطلاق! هذا على المستوى الفكري. أما على المستوى البشري. أي مستوى تحضير وإعداد
الناس. فعلى قدر ما فهمت من البيان ليس أنصار الطليعة العربية حزباً، ولا منظمة، ولا جمعية أو مؤسسة من أي نوع.. بحيث لا يكون النصير نصيراً إلا إذا انضم إليها وأصبح عضواً فيها أو قبلت هي ذلك. أعتقد أن هذا واضح نصاً وروحاً في بيان طارق الذي حذر تحذيراً صريحاً من فكرة انسلاخ الشباب عن انتماءاتهم التنظيمية القائمة أو دعوتهم إلى هذا بحجة الانضمام إلى أنصار الطليعة العربية لأن هذه الأخيرة ليست تنظيماً جديداً أو بديلاً عن التنظيمات الجديدة، بل هي دعوة فكرية وبشرية من أجل تأسيس التنظيم القومي. ويرى البيان أن هذه الدعوة ينبغي أن تتمكن، ويتمكن الداعون لها من تحقيق نشاط مفيد ومثمر في الواقع، أي داخل التنظيمات القائمة وخارجها، من أجل تحضير الكوادر الفكرية والبشرية التي تحقق الانتقال السليم إلى التنظيم القومي عندما تصبح قادرة فعلاً على تأسيسه.. وليس قبل ذلك!
أنصار الطليعة العربية إذاً هم أنصار التنظيم القومي الذي يدعون له ويحضرون أنفسهم أقصى ما يستطيعون للانخراط في صفوفه عند قيامه، وليسوا حزباً أو منظمة أو تنظيماً يسمى (أنصار الطليعة العربية) يدعو لنفسه ويستقطب الناس لعضويته!؟ بتعبير آخر: أنصار الطليعة العربية هي صفة الموقف من التنظيم القومي ودعوته وأهدافه، وليست اسما أو عنوانا لأي تنظيم، إلا إذا كان هذا يخفي أمرا آخر لا علاقة له بهذا الهدف ولا يؤدي له على أي وجه من الوجوه. مقابل هذا فإني أعتقد أن كل من يقف مع دعوة التنظيم القومي كهدف مستقبلي. ويسعى لتحقيقه طبقاً للأسلوب المحدد الذي جاء في بيان طارق.. هو من أنصار الطليعة العربية والتنظيم القومي، سواء أسمى نفسه كذلك، أو حمل اسما آخر، أو لم يحمل اسما بالمرة. وسواء اتخذ هذا الموقف نتيجة اطلاعه على ببان طارق أو نتيجة وعيه الذاتي بضرورة أن يقوم تنظيم قومي بشكل ديموقراطي من القاعدة إلى القمة. وأن تسبقه مرحلة تحضير حقيقي تشارك فيه أوسع القواعد والأفراد المنظمين وغير المنظمين من الشباب القومي التقدمي.
ثانياً- انطلاقاً مما سبق أستطيع التأكيد لك أن أخطر ما تتعرض له دعوة أنصار الطليعة العربية حالياً، إنما يأتي من طرف بعض أتباعها الذين يريدون ابتلاع مرحلتها الأساسية والتنصل من مهامها والقفز إلى غايتها دون أي أساس! لقد فهمت أن هناك من يرى ويتصرف بطريقة تحويل دعوة الأنصار رويداً (بحجة نموها الفكري والجماهيري) إلى ذات التنظيم
القومي. وكل ما في الأمر أن تبقى حاملة اسم أنصار الطليعة العربية ريثما يستطيع هؤلاء تبديله باسم التنظيم القومي أو أي اسم يشاؤون! إن هذا أسلوب آخر لإقامة التنظيم القومي. يبدأ بمجموعة تنمو وتستقطب بعض الأتباع ريثما تتمكن من الإعلان عن نفسها. أما مسألة الاسم فهي لا تغير شيئاً من حقيقة هذا الأسلوب أياً كانت الأسماء التي يستخدمها هؤلاء لاعتبارات
ظرفية. إن هذا الأسلوب هو في حقيقته أسلوب البناء التنظيمي من القيادة إلى القاعدة. أي أسلوب التنظيم الجاهز مسبقاً الذي أدانه بيان طارق جملة وتفصيلاً للأسباب الواردة فيه، خصوصاً إعدام الأسلوب الديمقراطي. لهذا يستحسن مراجعة هذه الأسباب من جديد!
1 – إن هذا يجعلني أتصور أن هناك من يريد أن يفرض مشيئته وقيادته على التنظيم القومي منذ الآن وقبل قيامه. فيطمس نهائياً الفارق العظيم بين دعاة القومي وأعضائه. وبين أنصار
الطليعة العربية ومؤسسي التنظيم القومي. أي أنه يطمس الفارق الكبير بين مهام التحضير الديمقراطي ومهام العمل والبناء. وهو يكتفي بالادعاء أنه قيادة الأنصار الآن.. لا لشيء إلا ليصبح تلقائياً قيادة للتنظيم القومي العتيد عندما يعتقد أن الوقت أصبح ملائماً لتبديل الاسم فحسب! إن لهذا الأسلوب أنصار وأصحاب أصليين. لهذا فإن الأولى بالذين يغريهم هذا الأسلوب أن يضموا جهودهم إلى أصحابه الحقيقيين عوضاً عن إيهام أنفسهم وتضليل غيرهم أنهم يتحركون في إطار بيان طارق وتحت رايته!
ثالثاً- الواقع أن هذا الاتجاه موجود للأسف. وهو يناقض بيان طارق مناقضة صريحة، ويلغي جوهر دعوة الأنصار تماماً. كما يصادر الجهود الحقيقية القائمة في
الوطن العربي لبناء التنظيم القومي بناءً ديمقراطياً. وأسباب ذلك هي ما يلي:
1 – لأنه يتقدم بأفكار معينة نهائية على أساس أنها فكر التنظيم القومي.
2 – ويتخذ مواقفه من الآخرين كما لو كان
هو التنظيم القومي.
3 – ويستقطب حوله الأتباع كما لو كانوا هم
مؤسسو التنظيم القومي!
ولا شك أن ثمة عواقب وخيمة أخرى لهذا الاتجاه. وجميعها تشكل انحرافات صريحة عن بيان طارق ونسف مرحلة التحضير ومهامها الحقيقية. وهذا يؤكد أحد أمرين أو كلاهما. وهما أن البعض لم يستوعب بيان طارق نهائياً، أو أنه لا يقدر على تأدية الالتزامات الثقيلة الحقيقية التي يلزمه بها البيان! وفي هاتين الحالتين لا بد من الاعتراف أن العناصر التي تبوأت دعوة أنصار الطليعة العربية لم تنضج لهذه المرحلة، عدا عن النضوج لما هو أعلى منها. والأدهى
في ذلك هو أن عيوبها تتصدر العمل القومي وتقوده للهلاك لأنها تفرض وصايتها عليه وتطمس مراحله جميعا! في الواقع إن تجنب هذا المحذور هو أهم ما يميز بيان طارق ويؤكد صحته. إذ لا يخفى عليكم أن كل ما يُلاحظ من عدم وضوح فكري، وعدم التزام، ونزوع فردي للقيادة وغيرها.. كل هذا كان قميناً أن يتسرب إلى التنظيم القومي نفسه لو أنه قام دون تحضير حقيقي. وهو الخطر الذي نبّه إليه بيان طارق. ومن أجل تلافيه وحماية التنظيم القومي منه بلور في الأساس فكرة أنصار الطليعة العربية لتكون مرحلة تحضير حقيقي يمنع سحب هذه العيوب وأمثالها على التنظيم القومي عند قيامه.. وربما من المفارقات الصحيّة أن يثبت بعض
الذين التزموا بيان طارق بمسالكهم الخاطئة هذه، أنه بيان صحيح لأسلوب صحيح لبناء التنظيم القومي على أسس صحيحة تمنع الوصول إليه من خلال هذه العيوب نهائياً.
رابعاً- في تقديري أن تلك الانحرافات ترجع إلى أسباب موضوعية، وأخرى ذاتية :
– أما الأسباب الموضوعية فهي تتمثل في أن الأحداث خاصة منذ هزيمة 67 شدت انتباه
الشباب العربي إلى قضايا عاجلة أتاحت الفرصة لكثير من القوى والمنظمات التي كانت يجب أن تموت لتحيا الأمة العربية، وأن تتم تصفيتها ليقوم التنظيم القومي، أتاحت لها الفرصة لادعاء أحقيتها في الاستمرار والإبقاء على كيانها بأي ثمن.
أضف لهذا ظهور حالة ملحّة للنضال ضد إسرائيل من خلال منظمات مسلحة جذبت كثيراً من الشباب العربي الذي كان يتجه موضوعياً نحو مهمة تأسيس التنظيم القومي. حيث ظهرت في الساحة شعارات أكثر ثورية وجاذبية. وأساليب في النضال أكثر قرباً من مشاعر الشباب العربي الذي كان يتململ تحت مظلة اليأس والخيبة من أشكال النضال السلمي. وهذا المناخ الجديد الذي صادفته دعوة أنصار الطليعة العربية بهّت صورة المستقبل في الأذهان وجعل دعوة التنظيم القومي تواجه صعوبات جديدة لتحرير العقول من ضغوط المرحلة، وتنبيهها إلى متطلبات المستقبل ومهام الإعداد لأجله.. وكل هذا طبيعي، ينبغي فهمه والتعامل معه إذا ما توفرت ذو الإرادة الكافية لهذا، وهو ما لم يتم للأسف.
– أما الأسباب الذاتية فهي تتمثل في عجز بعض الشباب عن تحرير أنفسهم من رواسب
العادات وطرائق التفكير والأساليب النضالية والتنظيمية التي تربوا عليها.
ولن أستطرد في هذه النقطة.. لكني أوشك على القول آسفاً إنهم تحرروا بالفعل من
الالتزامات والقواعد التي تضمنها بيان طارق دون سواه!!
خامساً- لقد أدى هذان العاملان (الموضوعي والذاتي) إلى أن بعض أنصار التنظيم القومي جعلوا أنفسهم مشلولين أمام الأحداث والقوى والدعوات الأخرى. أقول “بعض أنصار التنظيم القومي” وليس دعوة أنصار التنظيم القومي. لأني أعتقد أن تلك الأحداث أدت هي نفسها إلى انتشار ساحق لصالح هذه الدعوة دونما أي التزام ببيان طارق بحد ذاته. وهذا دليل جديد على
صحة الأسلوب الذي دعا له. كل ما في الأمر أن بعض الأنصار نسوا مهمتهم أو لم يستوعبوا ما جاء فيها. فلم يفطنوا إلى ما يجري تحت أنوفهم. وهكذا وجدوا أنفسهم مشلولين في عزلة تامة. وإليكم الدليل..
سادساً- إن هذه الأحداث وعمق تأثير
الهزيمة والفشل المتلاحق الذي مني به العمل العربي تحت وطأة القوى الإقليمية لمواجهة النكسة. وعلى وجه خاص فشل المقاومة وتعرضها للتصفية بفعل القوى الإقليمية.. كل هذا أدى لعملية فرز عميق يدور الآن في الوطن العربي:
1 – فعلى المستوى الفكري تنكر كثيرون لأفكارهم أو استبدلوها بأفكار أخرى. وذهبت لسلة المهملات أغلب الكتابات والأفكار المنشورة قبل عام 67. ورويداً يتبلور الفكر القومي التقدمي ويقترب من أكثر مضامينه الديمقراطية نضجاً! ألم تكن عملية الفرز والبلورة هذه من
مهمات الشباب العربي. بل أغناها وأحوجها على الإطلاق!
لقد قامت الظروف بتأدية هذه المهمة دون أي جهد إيجابي من هؤلاء. بل ربما تصدى
بعضهم، ممن اعتبروا أنفسهم من غلاة الأنصار، لاعتراض هذه المهمة ونصب كل
العراقيل والأفخاخ أمامها. يكفي مراجعة المواقف الفكرية لكثير ممن كان يقال عنهم مفكرين قوميين أو مفكرين ماركسيين أو غيرهم، لنرى بوضوح أن هزيمة 67وما بعدها قد كشفت.. وفضحت.. وصححت.. وبلورت كثيراً من المواقف والاجتهادات الفكرية التي كانت تتزاحم على أبواب التنظيم القومي لتكون هي الأفكار التي يقوم عليها، بينما قامت مرحلة التحضير للتنظيم القومي من أجلها أصلاً لكنها منعت من ذلك!
2- وعلى المستوى البشري تأخذ عملية فرز القوى شكلاً حدياً. ويتحرر الجهد المبذول لقيام التنظيم القومي من عشرات بل مئات الأفراد الذين ما كان يمكن تصور قيام التنظيم القومي بدونهم. فإذا بهم الآن وقد ألقت بهم الهزيمة في مواقعهم الحقيقية، فلا هم قوميون، ولا هم
تقدميون، ولا هم من أنصار التنظيم القومي!
يكفي التأمل فيما يجري الآن في سورية على وجه خاص على أيدي هؤلاء. إنه يثبت
كيف كان من حسن حظ الأمة العربية أن التنظيم القومي لم يتم تأسيسه من قبل، وإلاّ لضم في صفوفه جميع هؤلاء الذين يكشفون الآن ميولهم الحقيقية التي كان
ينبغي ظهورها قبل فوات الأوان!؟ ألم تكن عملية الفرز هذه لاكتشاف هذه العيوب قبل انفجارها هي إحدى أهم مهام الشباب العربي. لقد تكفلت الظروف بتحقيق هذه المهمة دون أي جهد إيجابي منهم!
3- أكثر من هذا فإن الأسلوب الديموقراطي في بناء التنظيم القومي يمكن أن نسميه
أسلوب الشباب العربي بامتياز. فمن ناحية قضى الجانب الذاتي للناصرية الذي كان يمثله الولاء الشخصي للرئيس. لكن الناصرية لم تنقضِ بل أصبحت أكثر وضوحاً بمعناها الموضوعي وهو الولاء لخط فكري وسياسي كان لعبد الناصر موقع القيادة فيه وهو يحتل قدراً مهماً من الفكر القومي التقدمي.
ومن ناحية أخرى فإن وفاة الرئيس قضت على أكبر الآمال التي كان يتطلع إليها
الشباب العربي في بناء التنظيم القومي من القيادة إلى القاعدة أي من قيادة عبد
الناصر إلى قاعدته الشعبية. ذلك أن هذا الأمل كان يستمد بقاءه وقيمته من شخص
الرئيس عبد الناصر. ووفاته إذ تنهي هذا الأمل فهي لا تبقي إلا أسلوب بناء التنظيم القومي من القاعدة إلى القمة ديموقراطياً وهذا هو أسلوب الشباب العربي بامتياز. لهذا ليس غريباً أن نرى أخلص الناصريين في الوطن العربي يتطلعون الآن لبناء التنظيم القومي والانفتاح عليه بدءاً من القواعد إلى القيادة بعد أن قطعوا فترات طويلة من رهن هذه المسؤولية بشخص الرئيس.
سابعاً- إن هذه المعطيات تكاد تجعل الشباب العربي في وضعية تماثل الوضعية
التي دعا لها البيان من حيث بناء التنظيم القومي ديموقراطياً من القاعدة إلى القمة. لكن هذه المعطيات جميعاً فاتت عن وعي البعض لأنهم لم يستطيعوا رؤية إلا أنفسهم، بحسبان أنهم الأصل وكل ما عداهم شيء طارق أو عَرَضي:
1- فهم لا يرون ولا يساهمون ولا يدفعون حركة التبلور الفكري، لأنهم بلوروا أنفسهم بالفعل على فكر جاهز اختاروه لأنفسهم، وأصبحوا يشترطونه على الآخرين كما هو. فأغلقوا عقولهم عن أوسع الأفكار والآراء التي كانت تتبلور بالفعل، وكان يتوجب عليهم مساعدتها في التبلور
ودفعها للأمام طيلة فترة التحضير للمستقبل.
2- وهم لا يرون ولا يساهمون ولا يدفعون حركة الفرز البشري. لأنهم تشللوا وأصبحوا تنظيماً (بحسب ظنونهم) يطلب انضمام الناس إليه. فعزلوا أنفسهم عن الناس جميعاً.. بما فيهم أولئك الذين كانوا يسعون من مواقعهم الخاصة لإقامة التنظيم القومي بشكل ديمقراطي!
3- وهم لا يرون ولا يساهمون ولا يدفعون التحركات التي تشغل أعرض الشباب العربي، خصوصاً الذي يسمى ناصرياً. والذي أحسب أنّ قضيته تسبق جهودهم وما يحسبون!
ثامناً- لو أن الذين قرأوا البيان أدركوا جوهر دعوته، وهي الإعداد الفكري والبشري لبناء التنظيم القومي ديمقراطياً. لكان هؤلاء رأوا أن الشباب العربي يتكاثر بالفعل دون أن يقرأ البيان أو يعرفه. وأن حركة الشباب العربي تنمو من خلال شروطها الواقعية وظروفها الإقليمية، وليس من بين هذه الشروط على الإطلاق الالتزام بجهد شخص معين أو وثيقة بعينها ولو كانت بيان
طارق!
تاسعاً- هذا هو رأيي قياساً لما فهمته من البيان. ولست مستطيعاً طبقاً لهذا اعتبار أي نشاط أو تحرك خلاف ذلك مطابقاً لأسلوب البيان في بناء التنظيم القومي. ومن المؤسف كما فهمت وشهدت مراراً، أن يكون البعض عوناً للبعض الآخر في تحويل كلمة الأنصار إلى تهمة أو وصمة عار، لأنهم يجعلون الفكر الذي أنشره على الناس كافة مبرراً للانحراف به عما أنشده من ورائه. فيسعى هؤلاء لجعل أفكاري عباءة يحتمون بها، وشرطاً مسبقاً للتنظيم القومي الذي يفصلونه لأنفسهم. بالتالي يجعلونها وسيلة الشللية التي تقف عثرة كأداة ضدّ دعوة الشباب العربي كما بينها البيان. في نفس الوقت فهي تؤلف ذريعة الشلل الأخرى لإبعاد قواعدها عن هذا الهدف أيضاً!؟
– إني لا أنكر أن الأفكار التي أنشرها تلقى استجابة متزايدة لدى بعض الشباب العربي لأنها مسخّرة لخدمة التنظيم القومي وليس لأي شيء آخر. عليه أرجو التمعن في رؤية الفارق بين موقفي وموقف الآخرين على ضوء البيان دون سواه:
أ- فمن ناحية أولى يظهر البعض حماساً زائداً لهذا الفكر ويجعلونه محور نشاطهم بوصفه فكر التنظيم القومي المقبل. ويصدون أنفسهم عن سواه. ويطلبون مني المزيد منه، أي أن أتحول إلى كاتب نشرات لمنظماتهم وشللهم التي تنصلت موضوعياً من التزامات التحضير للتنظيم القومي التي نذرت لها جهدي وعمري..
ب- أما من ناحيتي فإني أرى أن هذا الفكر إذ لاقى استجابة لا يمكن تجاهلها من الشباب العربي، فإنني شخصياً لم أعد أصلح كي أكون مؤسساً أو شريكاً في تأسيس أي تنظيم قومي. بل أعتبر أني أصبحت أمثل خطراً على ديمقراطية تأسيسه، بناء على ذات الفكر الذي أؤمن به وأدعو له.. ! من هنا رأيت وفاء مني لمسؤولية العمل القومي أن أطرح كل ما أستطيعه من فكر على الشباب العربي قبل أن تدخل جهودهم أية مرحلة تنفيذية لتأسيس التنظيم القومي.
ثم إني أمتنع عن المساهمة في هذه المرحلة التنفيذية على أي وجه من الوجوه إلى أن يقوم التنظيم القومي فعلاً.
فأتقدم بعد هذا مثل أي مواطن عادي للحصول على شرف عضويته في الموقع الذي يضعني هو فيه. أي غالباً حيث توضع فئة المثقفين ليؤدوا وظائفهم المحددة لهم في هذا التنظيم!
.. وإني أعتقد مخلصاً أني لو استجبت لتصرفات هؤلاء واجتهاداتهم المنحرفة عن البيان نصاً وروحاً. التي تجعل نفسها نواة التنظيم القومي وقيادته المنتظرة.. فسوف أناقض عندئذ جميع ما قلته وآمنت به عن ضرورة أن يقوم التنظيم القومي ديموقراطياً. وأرجو أن تكونوا على يقين أني لا أسمح لأحد في الدنيا أن يستجرّني إلى موقع الزعامة الفكرية أو الحركية. أو أن يجعلني قميصاً لزعامته المحلية.. في الوقت الذي تتكشف أمامنا جميع مواقف الزيف والخيانة التي يتبعها أصحاب الشعارات الزائفة في الوطن العربي! إني أعتقد أن التطلع للزعامة مرض عضال
يمنع صاحبه أن يكون قومياً مهما أحسن الحديث في ذلك. أكثر من هذا فهو يشكل بذرة خطيرة قابلة للفتك بالتنظيم القومي.. حتى تحت شعار الرغبة في تعجيل قيامه بعيداً عن شروطه وقواعده الحقيقية! وأنا قومي لحماً ودماً، وفكراً ووجداناً ولن أخون قوميتي أو أسيء لها قط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى