قبل 7 سنوات وبينما كانت الحرب في سوريا على أشدها عَبر الشاب السوري “عبد الكافي” إلى الأراضي التركية عندما “كان الباب مفتوحا”، كغيره من آلاف السوريين من أفرادٍ وعائلات.
كان عمره وقتها 18 عاما، واليوم ومع بلوغه الخامسة والعشرين بات “جزءا منه معلقٌ بهذه البلد”، بحسب تعبيره.
يحمل الشاب بطاقة “الحماية المؤقتة”، والتي تعرف باللغة التركية باسم “الكملك” منذ رحلته الأولى في هذه البلاد، وعلى الرغم من الرابط النفسي والاجتماعي الذي تحدث عنه، إلا أن ذلك “لا ينفي حالة عدم الاستقرار التي يعيشها أيضا”، بحسب ما يقول لموقع “الحرة”.
وهذه الحالة يعيشها “الكثيرون” من نظرائه، ويزداد الشعور بها يوما بعد يوم، وخاصة بعدما تصاعدت حدة الأصوات المنادية بضرورة إعادة السوريين إلى بلادهم، أولا من جانب أحزاب المعارضة التركية، التي كانت المغذي الرئيسي لها، ومن ثم التوجه الذي أعلنت الحكومة التركية، على لسان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان.
وفي “توقيت لافت” كشف إردوغان، الثلاثاء، عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح “العودة الطوعية” لمليون سوري إلى بلادهم، وجاء ذلك في كلمة موجهة له بالفيديو في مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب في إدلب السورية، شارك فيها وزير الداخلية التركي سليمان صويلو.
وأشار الرئيس إردوغان إلى أن نحو “500 ألف سوري عادوا إلى المناطق الآمنة التي وفرتها تركيا منذ إطلاق عملياتها في سوريا عام 2016″، وأن “المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية”.
“قضيت شبابي هنا ولتركيا الفضل في ذلك، ومع ذلك وإن أتيحت لنا الفرصة الآمنة والسالمة سنعود – لكن- ليس إلى مناطق آمنة بعيدة عن ديارنا. نريد العودة إلى منازلنا الأصلية وقرانا وبلداتنا”.
ينحدر “عبد الكافي” من مدينة تلبيسة بريف حمص الشمالي، ويتخوف أن تشمله “العودة” بناء “على خطأ”، مضيفا: “هناك الكثير في تركيا من دمشق وحمص ودير الزور وغيرها من المحافظات البعيدة الخاضعة لسيطرة النظام السوري. كيف يمكن لهؤلاء العودة إلى ريف حلب أو إدلب!. هذه المناطق ليست ديارهم الأصلية”.
ويرى مراقبون أن خطة الرئيس التركي يشوبها “نوع من الغموض”، فيما تثار حولها الكثير من التساؤلات، ولاسيما من زاوية التوقيت الذي جاءت فيه أولا، إضافة إلى الأسباب التي دفعت الحكومة التركية لتغيير استراتيجيتها بشأن ملف السوريين بشكل مفاجئ.
ووفق وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو فإن المنازل التي تبنيها تركيا في محافظة إدلب السورية “قد ساهم فيها 85 مليون مواطنا تركيا”، موضحا في أثناء تواجده بإدلب: “سنواصل إنشاء المنازل في هذه المنطقة كي يتمكن مليون لاجئ من الإخوة السوريين من العودة إلى بلادهم، سيما أن الرئيس أردوغان أبلغ قادة العالم في عدة مناسبات بفكرة إنشاء منازل للسوريين في المناطق الحدودية المجاورة لتركيا”.
وأشار صويلو إلى أن رئاسة إدارة الطوارئ والكوارث التركية (آفاد) أشرفت وستواصل الإشراف على بناء هذه المنازل.
“مشروع قديم أحيي حديثا”
بعد عام 2019 شرعت تركيا ببناء منازل من “الطوب” في مناطق متفرقة من محافظة إدلب السورية شمال غربي البلاد، عبر منظمات مجتمع مدني وأخرى خيرية، كـ”الهلال الأحمر التركي”، “مؤسسة الإغاثة الإنسانية IHH”، “وقف الديانة التركي”. وغيرها.
وسارت جمعيات أخرى في ذات المسار، فيما ذهبت كل واحدة منها لبناء منازلها الخاصة، والتي تتحدد في الغالب بمساحة 25 مترا مربعا.
وتصب هذه المشاريع ضمن خطوات “المنطقة الآمنة”، التي تنوي تركيا إنشاءها على طول الحدود الشمالية لسورية.
وسبق وأن تحدث إردوغان بين عامي 2020 و2021 أن بلاده تريد تأسيس منطقة آمنة للسوريين، من خلال هذه الوحدات السكنية، مشيرا إلى أن العمل على بنائها مستمر “بمساعدة عمال سوريين”.
وذلك ما أكدته مصادر محلية مطلعة، مشيرة إلى أن عمليات البناء تشارك فيها أيضا منظمات وجميعات إنسانية سورية.
من جهته أوضح إردوغان، الثلاثاء، أن المشروع “سيكون شاملا بصورة كبيرة”، وسينفذ في 13 منطقة على رأسها أعزاز وجرابلس والباب في ريف حلب الشمالي وشرقا، حيث تل أبيض ورأس العين في منطقة عمليات “نبع السلام”، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق.
وذلك يعني أن دائرة هذه المساكن توسعت لتشمل إلى جانب إدلب السورية المناطق التي سبق وأن أطلقت فيها تركيا عمليات عسكرية فيها، أولا في “درع الفرات” عام 2016، ومن ثم في عفرين (غصن الزيتون) عام 2018، وأخيرا (نبع السلام)، أواخر عام 2019.
“سياقات داخلية وخارجية”
رغم أن الكشف عن الخطة كان “مفاجئا” من زاوية التوقيت، إلا أن سلسلة من السياقات الخارجية والداخلية كانت قد مهدت للأمر بصورة غير مباشرة.
داخليا جاءت الخطة بالتزامن مع تصاعد أصوات أحزاب المعارضة بضرورة إعادة السوريين إلى بلادهم كونهم “عبء على البلاد”، في وقت تتجه فيه الأنظار للاستحقاق الرئاسي الذي ستشهده تركيا في 2023، والذي يوصف بـ”المفصلي”.
كما أنها تبعت عدة قرارات أصدرتها الحكومة التركية، واعتبرها مراقبون وسوريون بأنها “تقييدية”، سواء تلك الخاصة بـ”سياسة التخفيف المكاني للسوريين” داخل الولايات التركية، أو عمليات إلغاء القيود لعدد من اللاجئين و”عمليات الترحيل” التي استهدفت عشرات الشبان إلى الشمال السوري، وفق ما وثقت منظمات حقوق إنسان سورية.
ومنذ مطلع العام الماضي يتصدر ملف اللاجئين السوريين في تركيا حديث الساسة الأتراك، لتزداد الوتيرة شيئا فشيئا مع حلول العام الحالي، ليأخذ مسارات أكثر حدة، وخاصة من جانب أحزاب المعارضة.
وتضع هذه الأحزاب “إعادة السوريين إلى بلادهم” على قائمة برامجها الانتخابية استعدادا للاستحقاق الرئاسي في 2023، الأمر الذي انعكس بالسلب على الشعور العام لدى كثير من الأتراك اتجاه السوريين.
في المقابل وعلى المستوى الخارجي فقد جاءت الخطة التي أعلن عنها إردوغان عقب التوجه الذي كشف عنه وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، بقوله، في مارس الماضي، إن بلاده تعمل مع الأردن من أجل عودة طوعية للسوريين اللاجئين إلى بلادهم، معربا عن رغبة تركيا في تنظيم “مؤتمر وزاري” لمناقشة ما وصفها بـ”العودة الطوعية”.
وسبق ذلك حديثه في شهر ديسمبر 2021 عندما أعلن جاويش أوغلو أن تركيا اتفقت مع 4 دول مجاورة على ضرورة إعادة اللاجئين السوريين “بشكل طوعي” إلى بلدهم، لكن أزمة الحكومة في لبنان “أجّلت هذا الاتفاق”.
لماذا الإعلان الآن؟
يعتبر مراقبون أتراك ونشطاء حقوق إنسان سوريين أن “خطة العودة الطوعية” ترتبط بالمحددات الداخلية والخارجية المذكورة سابقا، وبينما يذهب جزء منها إلى إقدام الحكومة على “نزع ورقة اللاجئين” من يد أحزاب المعارضة، لم يستبعدوا أن تندرج ضمن “تفاهمات إقليمية”.
وركّز الباحث السياسي التركي، هشام جوناي خلال حديثه على “عامل التوقيت” الذي أعلنت فيه خطة “العودة”.
ويقول لموقع “الحرة: “قبل أسبوعين تحدث إردوغان أنه لا عودة للاجئين وهو من يكفلهم في تركيا. في هذه الفترة لعبت بعض الأحزاب المعارضة ومنها حزب النصر دورا أساسيا في نقل ملف السوريين إلى محاور النقاش في وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية”.
“كان هناك تجاوب من قبل الرأي العام التركي مع هذه الحملة”.
وبناء عليه، يضيف جوناي: “رأينا إعلان الخطة من جانب الحكومة وحلفاء إردوغان القوميين. هي دون تفاصيل ومستعجلة، وتهدف إلى تهدئة الرأي العام التركي أكثر من أنها حقيقية ومدروسة بأرقام ومراحل تطبيق، وأطراف سيقومون على تنفيذها”.
ولا يعرف بالتحديد المدة الأزمنية التي سيتم فيها تنفيذ مشروع “العودة الطوعية” حتى الآن.
كما لم يكشف الرئيس التركي عما إذا كانت الخطة تحظى بتوافقات إقليمية ودولية، لاسيما أن سوريا لا تزال “غير آمنة”، بحسب تأكيدات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.
وذلك ما يشير إليه جوناي، بقوله: “في حال كان الشخص من دمشق أو اللاذقية أو من حمص ومناطق أخرى بعيدة عن الحدود. لماذا سيجبر للإقامة في منازل تبنيها تركيا؟ هذا قد يخلق مشكلة جديدة، وسيسبب نزوحا داخليا في سوريا وتغييرا ديمغرافيا”.
ويعتقد الباحث التركي أن المشروع “صعب التنفيذ، لأننا مقبلون على مرحلة انتخابية، وبالتلي لا يمكن تنفيذه في أقل من عام”، مؤكدا على فكرة أنه “لتهدئة الرأي العام التركي، وللتخلص من بعض الضغوط التي تمارسها أحزاب المعارضة على الحكومة”.
“تأثيران”
يتجاوز عدد السوريين المقيمين في تركيا، سواء “لاجئين” أو “سياح” أكثر من أربعة ملايين شخص، ويتركز العدد الأكبر منهم في ولاية إسطنبول، لتتبعها ولاية شانلي أورفة الحدودية، وولايتي غازي عنتاب وهاتاي.
ورجّحت وسائل إعلام تركية مقربة من الحكومة، الأربعاء، أن يستهدف مشروع “العودة الطوعية” أحياءً في إسطنبول وأنقرة تشهد اكتظاظا بالسوريين، ومن بينها: حي الفاتح، منطقة إسنيورت، حي ألتن داغ في أنقرة.
واستعرضت الصحيفة 6 نقاط يجب أن يتم استكمالها قبل الشروع بالخطة، أبرزها “استمرار الاستقرار السياسي والعسكري والأمني في مناطق شمال سوريا”، وزيادة المناطق التجارية والمحال والبازارات.
بالإضافة إلى “تشييد البنية التحتية والفوقية، والبدء بدورات مهنية وقروض صغيرة وورش إنتاج، والتوجه لعمليات تأهيل ودعم نفسي وأنشطة تربوية”.
بدوره اعتبر الناشط الحقوقي السوري، طه الغازي أن إعلان الخطة “متعلق بتأثيرين داخلي وخارجي”.
وتذهب خلفيات التأثير الداخلي إلى مساعي التيار الحاكم في تركيا إلى “ترتيب أوراقه بملف السوريين”، لاسيما مع تصاعد خطاب المعارضة اتجاههم.
في المقابل كان التأثير الخارجي قد انعكس في حديث جاويش أوغلو الأخير، بشأن “وجود تفاهمات مع الدول المجاورة لسوريا، فيما يتعلق بالعودة الطوعية”.
ويقول الغازي: “بشكل قطعي المشروع جزء من تفاهمات إقليمية دولية، وقد يرتبط باتفاقية 2016 بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والتي سرب جزء منها أحمد داوود أوغلو”.
وهذه الخطة “تتضمن جدولة زمنية تتعلق بالعودة الطوعية”.
وبوجهة نظر الناشط الحقوقي: “الجدول الزمني متعلق بتفاهمات أستانة، وهذا الأمر يؤكد حقيقة ثابتة أن مؤسسات المعارضة كانت على دراية بالخطة (العودة)، وبالتالي لم تصارح المجتمع السوري اللاجئ بهذا الأمر”.
“مخاوف من غزة جديدة”
وتعتبر المناطق التي يتم فيها إنشاء “منازل الطوب” المؤسسة لمشروع “العودة الطوعية” للسوريين في تركيا من المناطق “الخطرة وغير الآمنة”، بحسب ما تقول منظمات حقوقية وإنسانية.
وذلك ما يشمل بالتحديد محافظة إدلب التي تشهد تصعيدا بالقصف من جانب قوات الأسد وروسيا، ويعيش فيها أكثر من 4 ملايين مدنيين. القسم الأكبر منهم من النازحين في المخيمات.
أما مناطق ريف حلب الشمالي المحاذية للحدود التركية فإنها تعيش حالة “فلتان أمني” منذ ثلاثة أعوام. وتتمثل هذه الحالة بتفجيرات بالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة، فضلا عن حوادث الاغتيال التي راح ضحيتها مئات الأشخاص، من ناشطين وعمال إغاثة إنسانية.
ويرى الناشط الحقوقي طه الغازي أن مناطق ريف حلب وإدلب “غير قادرة على استيعاب رقم المليون”، موضحا أن “المنطقة تعاني من كثافة سكانية”.
وزاد: “زيادة العدد في المنطقة هناك سينقل المرحلة إلى حالة مثل حالة قطاع غزة. سيكون هناك نسبة عالية من البطالة وعدد كبير من السكان وأوضاع اقتصادية سيئة”.
واعتبر الغازي أن “مفاهيم العودة بوجهة نظري الشخصية ليست عودة طوعية وإنما التعبير الأدق هي إعادة توطين. المجتمع السوري في تركيا ليس بحاجة لحدائق ومنازل في مناطق محددة. هم يريدون العودة إلى قراهم ومنازلهم الأصلية”.
وفي الثالث والعشرين من شهر مارس 2020 كان وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو قد شبه إدلب وريفها في الشمال السوري، بقطاع غزة الفلسطيني المحاصر من قبل إسرائيل.
وأرجع جاويش أوغلو، في مقال نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، حينها، إدلب إلى غزة بسبب حصارها، وعدم تحرك المجتمع الدولي لإنقاذ أكثر من 3.5 مليون شخص يوجدون فيها.
وقال إن “الاتحاد الأوروبي تجاهل جميع مناشدات تركيا حول ضرورة الأخذ على محمل الجد حدوث موجة لجوء جديدة”، واصفا ذلك بأنه “وصمة عار في جبين الإنسانية”.
ماذا تقول استطلاعات الرأي؟
وكان وزير الداخلية التركي، صويلو قد قال، في 24 فبراير الماضي، إن دراسة استقصائية أجريت على المهاجرين السوريين أظهرت أن 3.1 في المئة منهم لا يخططون للعودة إلى بلادهم، بينما قال 13.7 في المئة إنهم سيعودون إذا انتهت الحرب وبغض النظر عن النظام الذي يحكم البلاد.
وقال 28.2 في المئة إنهم سيفعلون ذلك فقط (العودة) إذا انتهت الحرب، وكان النظام الذي سيدعمونه في السلطة، فيما أشار 4.1 في المئة إلى أنهم سيعودون إلى سوريا حتى لو استمرت الحرب.
وبعد ذلك بأيام قال نائبه، إسماعيل تشاتكلي: “لن نمنح وضع الحماية المؤقتة بشكل مباشر للسوريين غير المسجلين من الوافدين حديثا، من الآن فصاعدا، وسنأخذهم إلى المخيمات ونحقق معهم في المخيمات” عن أسباب لجوئهم.
وفي أحدث استطلاع للرأي كانت شركة “أوبتيمار للاستشارات والإعلان والأبحاث” المحلية قد أجرت استطلاعاً في الفترة بين 23 و28 أبريل الماضي.
ووعن سؤال “ما هو شعورك عندما تقابل سوريا؟”، قال 21.3 بالمئة “كراهية”، 17.3 بالمئة “إيذاء”، 11.2 بالمئة “سخط”، 6.6 بالمئة “قمع”، 6.2 بالمئة “قسوة”، بينما أجاب 4.4 بالمائة” أنا أشعر بالتعاطف “. ومنهم من أجاب بـ”لا شيء” بنسبة 33 بالمئة.
وسألت “أوبتيمار” عن سبب الكراهية. وقال 38.2 بالمئة من المستطلع رأيهم: “إنهم يغتصبون حقوقي”. أما الذين قالوا “إنهم يحدون من فرص العمل الخاصة بي” فبلغوا 29.2 في المائة.
في حين بلغت نسبة من قال “التفكير بالبقاء هنا يخيفني” 18.8 في المائة، و 13.6 في المائة بقولهم: “أنا خائف”.
كما طرح أوبتيمار السؤال: “هل يسلب السوريون فرص عملكم؟” الإجابة المقدمة مهمة لأنها تعكس بُعدًا مهمًا جدًا للعمل.
المصدر: الحرة. نت