ارتفعت وتيرة هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» بشكل لافت منذ مقتل زعيمه السابق عبد الله قرداش، وكأنها عملية انتقام واسعة ومحاولة تكريس للوجود والتأكيد على أن «الدولة» لا تتأثر بغياب قائدها مطلقاً. وتشهد مرحلة القائد الثالث الجديد، أبو الحسن القرشي تغييراً واضحا في نوعية الهجمات والاستهدافات والتوزع الجغرافي. فقد هاجم مقاتلو التنظيم نقاطا عسكرية للجيش النظامي في البادية السورية وعددا من الأرتال الكبيرة بخلاف الهجمات التي تركزت على الدوريات الصغيرة والتي اعتمدت بشكل أكبر على المفخخات. كما شنت خلية تابعة للتنظيم هجوما مسلحاً على حاجز يتبع إلى «الجبهة الشامية» في مدينة اعزاز الحدودية مع تركيا.
ويسجل لواء «القدس» الفلسطيني الرقم الأول في مرتبة الخاسرين بمحور النظام في معارك البادية. حيث رصدت «القدس العربي» مقتل أكثر 20 عنصرا خلال شهر آذار (مارس) الفائت والأسبوع الأول من نيسان (أبريل). فيما سجل جيش النظام نسبة قريبة من الرقم، ولكن بفرق في نوعية القتلى. حيث قتل نحو عشرة ضباط في هجمات متفرقة في بادية دير الزور وحمص. وخسرت ميليشيا القاطرجي عددا من عناصرها في هجوم لتنظيم «الدولة» الأربعاء على نقاط الحراسة المحيطة بحقل الخراطة النفطي جنوب دير الزور.
وقالت شبكة «فرات بوست» المتخصصة برصد أخبار شرق سوريا، إن الهجوم أدى إلى مقتل عدد من عناصر الميليشيا عرف منهم محمد حسين الخلف، الذي ينحدر من قرية سعلو بريف دير الزور الشرقي، ولفتت إلى أن الخلف أجرى مصالحة مع نظام الأسد خلال المصالحات التي أعلن عنها النظام مؤخراً، لكونه كان أحد عناصر الجيش الحر بمدينة دير الزور سابقاً، وبعد إجراء التسوية قامت ميليشيا القاطرجي بفرزه إلى نقاط البادية.
في السياق، قتل عشرة عناصر من ميليشيا الدفاع الوطني التابعة لقوات النظام، أغلبهم في منطقة بادية دير الزور جنوب المدينة. في تفاصيل الهجمات المتفرقة، قُتل عنصر من قوات النظام السوري وأصيب آخرون الثلاثاء الماضي، إثر هجوم مسلح استهدفهم على الطريق الرئيسي في بلدة القورية الواقعة شرق دير الزور. ونهاية آذار (مارس) قتل الملازم أول، عبادة أحمد فويتي وهو من قرية المولد في منطقة القرداحة بريف اللاذقية في بادية دير الزور حسب ما نعته شبكة أخبار محلية موالية للنظام.
وخلال الأسبوع الأخير من آذار (مارس) قتل وجرح أكثر من 40 عنصرا من جيش النظام في مناطق متفرقة بالبادية وريف حلب الشرقي الذي تسيطر عليه قوات النظام. حيث نشط تنظيم الدولة مؤخرا بشكل ملحوظ ويعتمد في عملياته على الاغتيال بعد استدراج عناصر الميليشيات الإيرانية والمحلية الموالية لها وللنظام ويتجنب التفجيرات. وفي الأسبوع المذكور، انفجر لغم أرضي بسيارة عسكرية تابعة للفرقة 18 في أحد الطرق المؤدية إلى حقل دبيسان الغازي جنوب غرب محافظة الرقة.
وما زال مثلث البادية الواصل بين محافظات حلب والرقة ودير الزور وحماة يشكل أخطر الطرق على قوات النظام، حيث تركز قسم كبير من الهجمات المباشرة فيه، خصوصاً المنطقة الواقعة غرب طريق السخنة-الرصافة مرورا بقريتي الطيبة والكوم وصولا إلى حقل توينان النفطي وباقي الحقول التي تتمركز فيها الشركات الروسية ويأمن حراستها مجموعات سورية أبرزها شركة سند للحراسة وصائدو داعش. فيما تراجعت هجمات التنظيم بالقرب من السلمية بريف حماة الشرقي، تحديدا على طريق السعن-خناصر وذلك بسبب زيادة انتشار قوات النظام والميليشيات على الطريق المذكور وحراسته بشكل أكبر، كونه الطريق المعتمد لدى شركة القاطرجي لنقل النفط بواسطة الصهاريج من مناطق سيطرة قسد إلى مصفاة حمص للنفط.
ويعتبر موسم قطاف فطر الكمأة المنتشر بالبادية بمثابة فرصة سنوية لعناصر التنظيم لنصب الكمائن ومهاجمة العمال الموسميين الذين يشتغلون بجمع الفطر المدفون تحت الأرض، في منطقة ريف حماة الشرقي. ومع الموسم يبدأ التنظيم بعمليات اعتقال وأسر ومبادلة بفدية وتصفية للمدنيين العلويين والاسماعيليين. فيما يقتل كل من يرتبط بميليشيا الدفاع الوطني أو جيش النظام. وتحققت «القدس العربي» من مصادر محلية أن من أوائل قتلى الكمأة هذا الموسم هو المقدم باسل فريد الحواط، من قرية جدوعة شرق السلمية بريف حماة.
يشار إلى أنّ صفحات تابعة لميليشيات النظام أعلنت عن إطلاق ما قالت إنها عملية تمشيط للبادية، فيما تنعي مصادر موالية عددا من القتلى نتيجة تلك العمليات سواء في هجوم تتعرض له أو بانفجار العبوات الناسفة والألغام الأرضية، وضمنها عمليات الاغتيال الغامضة في مناطق متفرقة من أرياف حمص وحماة والرقة ودير الزور.
ويذكر أن النظام السوري خسر عددا من ضباطه منتصف آذار (مارس) بينهم لواء ركن ونقيب وستة ملازمين، قتلوا جميعا في استهداف حافلة عسكرية خلال جولة لهم قرب المحطة الثالثة شرق تدمر. وشيع رئيس اللجنة الأمنية والعسكرية بحمص وقائد المنطقة الوسطى ومحافظ وقائد شرطة النظام وقائد الشرطة العسكرية في حمص القتلى من المستشفى العسكري بحمص. والقتلى هم اللواء موفق سليمان محمد والنقيب حزقيل سليمان والملازمان علي صالح ونورس علي وسعدالله مروش ومحمد الحمود وشرف الفلاح وشرف قادرو.
في شرق الفرات، لا يبدو الحال أفضل من غربه، إذ تتعرض المنطقة إلى هجمات يومية تستهدف العاملين مع الإدارة الذاتية من أعضاء المجالس المحلية، إضافة إلى العسكريين التابعين إلى مجلس دير الزور العسكري الموالي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد» إضافة إلى توتر الأوضاع الأمنية في مخيم الهول الذي تسيطر عليه قوات الأمن الداخلي «أسايش» وقوات مكافحة الإرهاب التابعين لوحدات «حماية الشعب» الكردية. ويشهد المخيم هجمات متكررة ضد العاملين الإنسانيين فيه باعتبارهم الأكثر تلاصقا باللاجئين وبدرجة ثانية الحراس، ويلحظ أن نسبة الاغتيالات تراجعت بشكل كبير خلال الأشهر الثلاثة الماضية بسبب التشديدات الأمنية الكبيرة داخل المخيم وزيادة كاميرات المراقبة وتحصين الأسوار الخارجية وإغلاق طرق التهريب من المخيم إلى الخارج. حيث سجلت ثلاث هجمات مسلحة منذ مطلع العام فقط. وقالت الوحدات الكردية في إحصائيتها السنوية عام 2021 أنه وقعت 96 جريمة قتل دون باقي الحوادث الجنائية، وهو رقم كبير للغاية ويشير إلى تردي الوضع الأمني وفشل «الوحدات» الكردية بضبط الأمن لأسباب مختلفة، أولها عدم رغبتها في تحمل مسؤولية أسر مقاتلي التنظيم بشكل منفرد وتسعى من خلال ذلك إلى تلقي دعم سياسي وعسكري دائم بصفتها الشريك الوحيد لمكافحة الإرهاب في سوريا، كما تزعم.
ويعتقد أن «قسد» تحاول الاستفادة من وضع المخيم في دعم صورتها لدى الغرب مع إقرار موازنة وزارة الدفاع الأمريكية الجديدة لهذا العام والتي خصصت منها مبلغ 542 مليون دولار لبرنامج «التدريب والتجهيز» المخصص لمحاربة تنظيم «الدولة» في سوريا والعراق، بزيادة 42 مليون دولار عن ميزانية عام 2022 وكانت قوات سوريا الديمقراطية حصلت على النسبة الكبرى من مبلغ 177 مليون دولار من ميزانية 2022 وخصص مبلغ صغيرة منها لجيش «مغاوير الثورة» في منطقة التنف.
في مناطق سيطرة الجيش الوطني المعارض، قتل القيادي العسكري في «الجبهة الشامية» وأربعة في هجوم شنه مقاتلو تنظيم «الدولة» على حاجز عسكري على مدخل بلدة سجو قرب اعزاز. وتحفظت «الشامية» عن نشر أخبار تتعلق بالعملية لأسباب أمنية، لكن عددا من النشطاء أشاروا إلى مقتل عدد من المهاجمين واعتقال غيرهم. وجرى الهجوم بواسطة سيارة وعدد من الدراجات النارية.
ويعتبر الهجوم الأخير سابقة في نوعية الهجمات في مناطق النفوذ التركية شمال سوريا، وهو تحد كبير لأقوى الفصائل في ريف حلب الشمالي التي تقوم بتعقب دائم لخلايا التنظيم واعتقالهم.
المصدر: القدس العربي