بعد فشلها في تحقيق نصر سريع في أوكرانيا كان يصبو إليه الرئيس فلاديمير بوتين، تتجه القوات الروسية نحو شرق البلاد وتفعل ذلك بالتزامن مع قصف المدن الكبيرة، وفق تحليل لصحيفة نيويورك تايمز.
تقول الصحيفة إن روسيا التي “تبحث عن نصر” وتعتمد استراتيجيتها الجديدة على التحرك نحو الجيوب الانفصالية المتنازع عليها في منطقة دونباس في شرق البلاد، وفي الوقت تقصف المدن كبيرة بهدف إبعاد القوات الأوكرانية عن فكرة القتال في المناطق الجديدة.
ولجأت روسيا إلى قصف المراكز السكانية الكبيرة، مثل خاركيف في الشمال، وماريوبول في الجنوب، لشغل الأفراد والخدمات المدنية فيها بما يحدث هناك، وليس القتال في المناطق التي يتطلع الروس للاستيلاء عليها.
ويقول محللون ومسؤولون عسكريون أميركيون إن هذا “التدمير المنهجي للمدن يحقق مكاسب عسكرية قليلة، لكنه جزء من استراتيجية روسية أوسع للاستيلاء على شرق البلاد”.
ويعد الدمار الذي لحق بمدينة خاركيف، ثاني أكبر مدن البلاد، التي تقع على بعد 50 كيلومترا تقريبا من الحدود الروسية، نموذجا لهذه الاستراتيجية، فرغم فشلها في الاستيلاء عليها، تضرب القوات الروسية الأحياء السكنية هناك بشكل يومي، حتى أصبحت مدينة أشباح، مع دمار أحياء بالكامل واحتراق شقق وسيارات وتدمير طرق.
وفي مثل هذه الظروف، تتحول الموارد التي كان يمكن أن تتجه نحو القتال إلى التعامل مع هذه الأزمات الطارئة، إذ يتعين على الجنود حفر الخنادق حول محيط المدينة في انتظار هجوم بري من قد لا يأتي أبدا.
وتضطر الشرطة للتجول في أنحاء المدينة واعتقال من يشتبه في كونهم مخربين روس. ويسجل قسم الإطفاء في خاركيف بالفعل عشرات المكالمات يوميا للتعامل مع أضرار القصف.
ويقول مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في مركز CNA الأميركي للأبحاث: “إنهم يحاولون تقييد القوات الأوكرانية حتى يتمكنوا من التركيز على الجزء الشمالي والجنوبي” من شرق البلاد.
ودونباس هدف هام للرئيس الروسي، فالسيطرة على نهر دونباس من شأنه أن يقسم فعليا قطعة من شرق أوكرانيا، ويمكنه حينها التسويق لفكرة تحقيق النصر، ربما بحلول 9 مايو، “يوم النصر” في روسيا الذي يخلد ذكرى انتصارها على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
وفي الوقت ذاته، يمكنه استخدام محادثات السلام كخيار بديل إذا لم يحقق نصرا حاسما في ساحة المعركة. ويمكن لاتفاقية سلام تتضمن تنازلات أوكرانية كبيرة أن تكون فرصة لإعلان إنجاز المهمة، حتى لو فشلت قواته في الإطاحة بحكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي.
موقف الجانبين
وفيما يتعلق بقدرة روسيا على تحقيق أهدافها مع بدء المرحلة الثانية من الحرب هذه، يقول التقرير إنها من خلال نقل قواتها إلى الشرق، تخفف من حجم الضغط عليها.
والمناطق الانفصالية المحتلة والخطوط الأمامية الملغومة بشدة توفر دعامة طبيعية لأي تقدم روسي في المستقبل. والقوات الانفصالية هناك لديها قوات احتياطية راغبة في مساعدة روسيا.
لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان لدى روسيا ما يكفي من القوات لإكمال استراتيجيتها لتطويق القوات الأوكرانية المتحصنة في دونباس، والاستيلاء على المنطقة وإكمال جسر بري إلى شبه جزيرة القرم التي استولت عليها في عام 2014.
وما يعزز هذه الشكوك الخسائر الكثيرة التي منيت بها سواء في الأفراد أو المعدات، وقد فقدت وفق تقديرات مئات المدرعات، وهي عنصر أساسي لخوض حربها الجديدة.
وفي الجانب الأوكراني، لا تتوافر معلومات بشأن الوضع الحالي للقوات مع تعتيم المعلومات حول أعداد الضحايا وصعوبة وصول الصحافة إلى الخطوط الأمامية.
ويقول كوفمان: “لقد فقد الجيش الأوكراني كمية كبيرة من المعدات وسيحتاج إلى كمية كبيرة من الذخيرة لوحدات المدفعية. حشدت الحكومة الأوكرانية أيضا قدرا كبيرا من احتياطاتها. ليس لديها معدات كافية لهما”.
وستحتاج القوات الأوكرانية التي ستخوض معركة طويلة الأمد أيضا إلى تنفيذ استراتيجية القصف العنيف للاستيلاء على الأراضي، التي اتبعتها روسيا ونجحت القوات الأوكرانية في تطبيقها عند الاستيلاء على بلدة صغيرة مؤخرا في شمال شرق البلاد.
وهذه الديناميكية، يتوقع التقرير، أن تستمر في دونباس، وهي منطقة أقل كثافة سكانية مقارنة بغرب أوكرانيا، وبها مدن صغيرة وشبكات طرق تمتد لأميال ومعظمها حقول مسطحة.
ويقول كوفمان: “لقد حققت القوات الأوكرانية نجاحا كبيرا حيثما تدهورت القوات الروسية بالفعل واضطرت إلى التراجع بسبب خسائرها.. ولكن لا تزال هناك معارك كبرى قادمة”.
المصدر: الحرة. نت