تحدثت وسائل إعلام تركية عن “مناقشات” حكومية تجري في الفترة الحالية للشروع في حوار مع حكومة النظام السوري، بشأن 3 موضوعات “مهمة”، في معلومات لم يصدر حولها أي تعليق رسمي من أنقرة أو دمشق، وهما الطرفان اللذان يقفان على طرفي نقيض منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011.
ونقلت صحيفة “حرييت”، المقربة من الحكومة، عن مصادر لم تسمها، الاثنين، أن “الحكومة التركية ترى أن دور أنقرة في الأشهر الأخيرة، وخاصة تجاه حل الحرب الأوكرانية وتركيز روسيا هناك قد يكون توقيتاً جيداً لحل المشكلة السورية”.
وتشير المصادر إلى أن تركيا “في جميع اتصالاتها مع الإدارة السورية” تؤكد على 3 أشياء لا غنى عنها، وهي “الحفاظ على البنية الأحادية (وحدة الوطن)، ضمان أمن اللاجئين العائدين”، إضافة إلى “نشاط حزب العمال الكردستاني”.
ووفق الصحيفة فإن “أنقرة نقلت هذه الرسائل الهامة إلى دمشق، لا سيما قبل زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الإمارات”.
وهذه المعلومات سبق أن تطرقت إليها وسائل إعلام تركية، خلال الأشهر الماضية، لكن ضمن سياق “التواصل الاستخباراتي” بين سوريا وتركيا الذي لم ينقطع، وأكده المسؤولون مرارا.
واللافت أن تقرير “حرييت” بنيت سياقاته ضمن إطار التغير العام، الذي طرأ على السياسة الخارجية التركية، حيث أنه وبالتوازي مع حديثها عن “نوايا الحوار” باتجاه النظام السوري، أشارت إلى التحول الذي طرأ في علاقة أنقرة بإسرائيل والإمارات وأرمينيا ومصر.
“خيط وحيد”
ولا تعترف تركيا بالنظام السوري منذ سنوات طويلة كجهة شرعية تمسك زمام أمور الشعب السوري، وتتمسك حتى الآن بهذا الموقف، بحسب ما تشير إليه تصريحات مسؤوليها، على رأسهم الرئيس، رجب طيب إردوغان.
وفي المقابل، يصف النظام السوري الوجود العسكري التركي في البلاد بـ”الاحتلال”، وسبق أن طالبت وزارة خارجيته أنقرة بالخروج “كونها لم تدخل بناء على طلب الحكومة السورية”، كما هو الحال بالنسبة لروسيا وإيران.
وتعتبر تركيا إحدى الدول الفاعلة في الملف السوري، سياسيا من خلال مسار “أستانة” بنسخه الـ17 وآخر يتعلق بـ”سوتشي”، كما أنها تستضيف أكثر من 4 ملايين لاجئ سوري.
أما عسكرياً فيظهر الدور الفاعل جلياً، استناداً إلى الواقع الميداني المفروض من قبل قواتها والفصائل السورية التي تدعمها على طول الحدود.
وبينما لا تبدو ملامح أي قواسم مشتركة بين أنقرة ودمشق حتى الآن، تبقى علاقة الأولى مع حلفاء الأخيرة (روسيا وتركيا) الرابط الوحيد، والذي يتراوح الإعلان عن تفاصيله ما بين السياسة والميدان.
كما أن هناك رابطا آخر، سبق أن تحدث عنه المسؤولون، يتعلق بالتواصل الأمني الاستخباراتي “غير المنقطع”.
وهذا الرابط سبق أن وصفه إردوغان بـ”الخيط الوحيد”، بقوله في فبراير 2019: “السياسة الخارجية بين تركيا وسوريا مستمرة على مستوى الأجهزة الأمنية”، مشيرا إلى أن تواصل الأجهزة الأمنية مختلف عن الزعماء السياسيين.
وأوضح إردوغان للتلفزيون الحكومي “trt”، في ذلك الوقت: “لا يمكن للأنظمة الاستخباراتية أن تقوم بما يقوم به الزعماء، عليكم ألا تقطعوا هذا الخيط تماما، لأن هذا الخيط يلزمكم في يوم من الأيام”.
أما وزير خارجيته، مولود جاويش أوغلو فقد تحدث، في أغسطس 2021 عن مفاوضات دبلوماسية مع دمشق، لكنها لا تتعلق بالحوار السياسي، بقوله: “حدوث لقاء سياسي مع النظام السوري في دمشق غير ممكن. أنقرة تتواصل في القضايا الأمنية فقط”.
وأضاف جاويش أوغلو أن النظام السوري غير معترف به من قبل العالم، فما من شك أن تركيا لن تجري مفاوضات سياسية معه، “بل هنالك في قضايا أمنية متعلقة بالإرهاب”.
هل تطور التواصل؟
ويستبعد محللون وباحثون سياسيون في حديث لهم لموقع “الحرة” أن تكون مستويات التواصل بين تركيا والنظام السوري قد تطورت إلى درجة أعلى، بمعنى من “الاستخبارات” إلى الدبلوماسية.
الباحث السياسي المختص بالشأن التركي، محمود علوش يوضح أن “مشكلة الوحدات الكردية واللاجئين تضغط بشدة على سياسة تركيا في سوريا”.
وهذه المشكلة كانت قد غيّرت في الواقع من أولويات أنقرة في السنوات الأخيرة، وباتت تركز بشكل أكبر على كيفية مواجهة التحديات المتعلقة بهاتين المشكلتين، مع ميل إلى الإقرار الضمني بأن الأسد انتصر في الحرب.
ويقول الباحث لموقع “الحرة”: “هناك تواصل قائم بالفعل بين أنقرة ودمشق على مستوى الاستخبارات، ويُمكن لهذا التواصل أن يتناول مثل هذه القضايا، لكنّه من المستبعد أن يتطوّر إلى ما هو أبعد من ذلك في المستقبل المنظور”.
و”لا تبدو أنقرة في عجلة من أمرها بخصوص إعادة العلاقات مع دمشق”.
ويشير علوش إلى أن “انشغال روسيا في صراع أوكرانيا قد يُشكل فرصة لتركيا لفرض شروطها في أي حوار سياسي مع النظام. الشروط التي تضعها تركيا تتطلب في نهاية المطاف تسوية سياسية للحرب. نحن لا نزال بعيدين عن مثل هذه التسوية”.
من جهته يقول الباحث السياسي التركي، هشام جوناي، إن “انتقال الاتصالات من الاستخبارات إلى السياسة والدبلوماسية سيكون موضوعا متعلقا بمدى استطاعة إردوغان في القيام بمراوغة سياسية لا تضر بنفوذه وسمعته التي يعول عليها كثيرا”.
ويضيف جوناي لموقع “الحرة”: “إردوغان من المعروف أنه من أكبر المساندين للمعارضة السورية والملايين من السوريين في تركيا. هؤلاء يشكلون ضغطا كبيرا”.
وبحسب الباحث فإن “إعادة العلاقات لن تكون بهذه السهولة والسلاسة. يمكن أن يكون هناك اتصالات بين المؤسسات، ولاسيما أن هناك توجه من المعارضة التركية لاستخدام بطاقة اللاجئين في الانتخابات المقبلة”.
ماذا عن النظام السوري؟
وفي مقابل السياسة التركية حيال دمشق كان لافتا السياسة المتذبذبة التي اتبعها النظام السوري في تأكيده أو نفيه للقاءات الأمنية مع أنقرة، أو حتى طبيعة العلاقات التي يريدها مستقبلا.
وفي يناير 2020 تحدثت وكالة الأنباء السورية “سانا” عن أول لقاء منذ 2011 بين رئيس مكتب الأمن الوطني، علي مملوك ورئيس المخابرات التركية، حقان فيدان، وذلك في العاصمة الروسية موسكو.
بدوره كان وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد قد أبدى، في فبراير الماضي، استعدادا لتطبيع العلاقات مع الحكومة التركية، “لكن وفق شروط”.
وقال المقداد في مؤتمر صحفي خلال فعاليات منتدى “فالداي” بموسكو: “سوريا وتركيا جيران، ويربطنا تاريخ طويل و500 سنة احتلال، تكفي حتى نفهم بعضنا”.
وأضاف أن “هنالك عدة أشياء يجب أن تتحقق لتعود العلاقات السورية- التركية، هي سحب تركيا قواتها من الأراضي السورية، والكفّ عن دعم الإرهابيين وحرمان السكان السوريين من الموارد المائية، وبناء علاقات مع سوريا على أساس الاحترام المتبادل”، حسب تعبيره.
ويقول المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف إنه لا يستبعد المعلومات التي تتردد عن “خطوط مفتوحة بين الجانبين”، لكنه يرى أن “الحوار مستبعد في ظل عقيدة التوسع التركية”.
ويضيف يوسف لموقع “الحرة”: “بالنسبة لسوريا هناك شروط لعودة العلاقات وهي انسحاب تركيا والقضاء على المجموعات الإرهابية والعودة إلى اتفاقية أضنة”.
واعتبر المحلل أن “هذه الأمور وفي حال اجتماعها ستؤسس لحوار سليم”، لاسيما أن الجانبين يجتمان في نقطة “تهديد حزب العمال الكردستاني وفروعه في سوريا التي تحاول الانفصال”.
4 شروط
وسبق أن أبدت روسيا وإيران استعدادهما للعب دور الوسيط في التفاوض بين تركيا ونظام الأسد، لكن هذا الأمر، ووفق المحللين، لن يكون على المستوى القريب، لاعتبارات سياسة وعسكرية.
وفي مطلع العام الحالي كانت صحف مقربة من الحكومة قد استعرضت أربعة شروط تضعها أنقرة مقابل انسحابها من الأراضي السورية.
وتتمثل هذه الشروط في توافق جميع الأطراف على الدستور الجديد، بما يحمي حقوق شرائح الشعب السوري كافة، وإقامة نظام انتخابي يمكن لجميع الفئات المشاركة فيه بحرية.
إضافة إلى تشكيل حكومة شرعية بعد الانتخابات، وقضاء هذه الحكومة على “التنظيمات الإرهابية” التي تستهدف وحدة أراضي تركيا على خط الحدود بين البلدين، ووضعها في إطار التنفيذ.
وبحسب مدير “معهد إسطنبول للفكر”، باكير أتاجان، فإن “تركيا من حيث المبدأ والأخلاق لا تستطيع أن تؤهل وتعترف بنظام الأسد لأسباب عديدة”.
ومن هذه الأسباب وجود أكثر من 3 ملايين ونصف لاجئ سوري على أراضيها، ومثلهم في مناطق الشمال السوري.
ويضيف أتاجان لموقع “الحرة”: “هؤلاء وجدوا تركيا الحامي. الاعتراف بالنظام هو إهانة لهم، خاصة أن تركيا سبق وأن أكدت أنها تدعم مواقفهم في الحرية والكرامة”.
ويوضح أن تركيا تريد تحسين علاقاتها مع الشعب السوري، وليس بالضرورة نظام الأسد، مشيراً: “الأسد شيء مختلف. التقارير الإعلامية ترى ضرورة في العلاقات الجيدة، لكن ذلك لا يعني بقاء الأسد”.
المصدر: الحرة. نت