عقب أيام من التكهنات والضغوط والمداولات، وفي اليوم الخامس للحرب الروسية على أوكرانيا، أعلنت تركيا، الإثنين، أنها تطبق أحاكم اتفاقية مونترو “بحذافيرها”، مؤكدة أنها أبلغت جميع الدول بأنها لن تسمح بعبور السفن الحربية من المضائق التركية، في خطوة تستهدف السفن الروسية بدرجة أساسية، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التكهنات ما إن كانت هذه الخطوة سوف تفتح الباب أمام الصدام السياسي بين أنقرة وموسكو، أم أنها خطوة “دبلوماسية وسطية” تجنب أنقرة الاصطفاف وإغضاب أي من أطراف الصراع.
ومنذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، ضغطت كييف على أنقرة عبر كافة القنوات الدبلوماسية من أجل إغلاق المضائق التركية أمام السفن والغواصات الحربية الروسية، حيث أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اتصال هاتفي مع أردوغان على “أهمية اتخاذ تركيا قرارا بإغلاق المضائق في هذا التوقيت”، وذلك بعدما قدم السفير الأوكراني في أنقرة طلباً رسمياً للخارجية التركية بهذا الخصوص.
وعلى مدى الأيام الماضية، اكتفى كبار المسؤولين الأتراك بالتأكيد على أن أنقرة تلتزم بتطبيق بنود اتفاقية مونترو التي تنظم عبور السفن عبر مضيقي البوسفور والدردنيل وخاصة وقت الحرب، دون إظهار أي موقف يشير إلى نية أنقرة حظر مرور السفن الروسية، وذلك في إطار الخط الدبلوماسي الذي اتخذته تركيا منذ بداية الأزمة والقائم على عدم اتخاذ أي مواقف أو إجراءات يمكن أن تحسم وقوفها إلى جانب أحد طرفي النزاع، على الرغم من إجراءاتها غير المباشرة الداعمة بشكل واضح لأوكرانيا والإدانة الشديدة للغزو الروسي.
وكانت أنقرة قد تريّثت في الرد على مطلب كييف بالقول إن “خبراءها” يدرسون “ما إذا الحرب قائمة من وجهة نظر قانونية”، الأمر الذي يتيح لها تفعيل امتيازاتها بموجب الاتفاقية، قبل أن يعلن وزير الخارجية الأحد أن “الرد جاء إيجابيا وأن تركيا ستطبّق الاتفاقية بحذافيرها”.
والاثنين، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن بلاده أخطرت جميع الدول بألا ترسل سفنها الحربية من أجل عبور المضائق التركية. وقال عقب اجتماع للحكومة التركية ترأسه أردوغان: “اتفاقية مونترو تمنح تركيا صلاحية مطلقة في إغلاق المضائق إذا كانت طرفا في الحرب.. أما إذا لم تكن تركيا طرفا في الحرب، فلديها صلاحية عدم السماح لسفن الدول المتحاربة بالعبور من مضائقها”.
وأضاف الوزير التركي: “أخطرنا جميع الدول المشاطئة وغير المشاطئة للبحر الأسود بألا ترسل سفنها الحربية لتمر عبر مضائقنا”، لكنه استدرك بالقول إن “الاتفاقية لا تحظر عبور السفن الحربية العائدة إلى قواعدها في البحر الأسود”، وتابع: “الروس كانوا يتساءلون عما إذا كنا سنطبق الاتفاقية إن لزم الأمر أم لا؟ قلنا لهم إننا سنطبق الاتفاقية بحذافيرها”.
وإلى جانب تعمّد الوزير التركي الحديث عن قرار مباشر بمنع مرور السفن الروسية، فضل جاويش أوغلو الحديث عن “منع مرور جميع السفن للدول المشاطئة وغير المشاطئة” في محاولة لإظهار أن القرار يشمل جميع الدول، ولا يستهدف موسكو بشكل مباشر، ويمنع روسيا من اعتبر الخطوة التركية “عدائية وموجهة ضدها”.
وفي المرحلة الحالية، وعلى الرغم من أن القرار العام يشمل جميع الأطراف، فإنه يستهدف السفن الروسية بشكل مباشر التي تعتبر الأكثر احتياجاً للعبور من المضائق التركية، إلا أن اتفاقية مونترو في الوقت نفسه تتيح لروسيا مخرجاً مهماً، كونها تنص على أن الدولة من حقها إعادة سفن أسطول البحر الأسود إلى قواعدها، وهو ما يتيح لروسيا الحفاظ على إعادة سفن أسطول البحر الأسود إلى موانئها هناك.
كما أن القرار التركي وعلى الرغم من أنه يستهدف روسيا بدرجة أساسية في المرحلة الحالية، إلا أنه يقدم ضمانات لموسكو أيضاً، حيث شمل منع مرور كافة سفن الدول المشاطئة وغير المشاطئة للبحر الأسود، وهو ما يعني ضمان عدم وصول دعم عسكري غربي لأوكرانيا عن طريق البحر، أو مرور سفن حربية للناتو إلى البحر الأسود أيضاً.
ولا يتوقع أن تؤدي الخطوة التركية الحالية إلى أي موقف من أطراف النزاع أو داعميه، حيث لن تعتبر روسيا الخطوة التركية “عدائية وتستهدفها بشكل مباشر”، كما أنها ستكون مرضية لأوكرانيا والناتو، الذي سيعتبر أن أنقرة اتخذت ما يتوجب عليها في دعم مطالب الحكومة الأوكرانية، وهو ما يصب جميعه حتى الآن في خدمة الاستراتيجية التركية القائمة على عدم اعتبارها طرفا في الأزمة، حيث تواصل مساعيها للعب دور الوسيط رغم استعار الحرب.
وعقب اجتماع الحكومة التركية في أنقرة، الإثنين، أكد أردوغان أن تركيا “عازمة على استخدام صلاحياتها النابعة من اتفاقية مونترو بخصوص عبور السفن من المضائق، بشكل يحول دون تصعيد الأزمة”، مضيفاً: “لن نتنازل عن مصالحنا الوطنية مع مراعاة التوازنات الإقليمية والعالمية. لذلك نقول إننا لن نتخلى لا عن أوكرانيا ولا عن روسيا”، مجدداً تأكيده موقف تركيا الداعم لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها.
واعتبر أردوغان أن تركيا “أوفت بمسؤولياتها حرفيا حتى اليوم في إطار المؤسسات والتحالفات المنضوية فيها، وعلى رأسها الأمم المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي”، مضيفاً: “لا يساور أحد الشك في أننا سنتجاوز الأزمة الحالية بشمال البحر الأسود (الهجوم الروسي على أوكرانيا) على غرار التحديات السابقة”، كاشفا عن أن بلاده تواصل مبادراتها الدبلوماسية لإحلال السلام بين روسيا وأوكرانيا.
من جهته، أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن بلاده ستواصل تطبيق البنود 19 و20 و21 من اتفاقية مونترو للمضائق البحرية، مبيناً أن تآكل الاتفاقية “لن يعود بالفائدة على أحد”، وشدد على “ضرورة الحفاظ على مضمون وأحكام اتفاقية مونترو، لأن إثارة الجدل حولها أو تآكلها لن يعود بالفائدة على أحد”.
المصدر: “القدس العربي”