باريس – أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم تقريراً عن أبرز انتهاكات تنظيم داعش بحق المجتمع السوري وإسهامه في تشويه الحراك الشعبي المطالب بالحرية والكرامة، وقالت فيه إنَّ التنظيم قد قتل 5043 شخصاً، بينهم 32 بسبب التعذيب، وأشارت إلى مضي قرابة عامين على اندحار تنظيم داعش وما زال مصير 8684 مختفٍ قسرياً لديه مجهولاً.
أوردَ التقرير -الذي جاء في 39 صفحة- خلفية موجزة عن جذور تنظيم داعش وتأسيسه في سوريا وقال إنه لم ينشأ إلا بعد مرور أزيد من عامين على انطلاق الحراك الشعبي في سوريا في آذار/ 2011، الذي طالب بالحرية والكرامة، وقابله النظام السوري بارتكاب انتهاكات بلغ بعضها جرائم ضدَّ الإنسانية، وقد استفادت التنظيمات المتطرفة من حالة الفوضى واستمرار النزاع في سوريا لأزيد من عامين مع إفلات تام من العقاب، وانعدام أفق الحل السياسي، وفقدان الأمل بسبب استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة والتعذيب حتى الموت وغيرها من الممارسات العنيفة، استفادت في بناء سردية ترتكز في جزء كبير منها على المظلومية الكبيرة، التي تعرض لها المجتمع، وقدمت نفسها على أنها البديل الذي سوف ينتقم من الظالمين، ويقيم دولة على أسس إسلامية. وعرض التقرير حصيلة لأبرز انتهاكات تنظيم داعش في سوريا، وركّز بشكل أساسي على قضية المختفين قسرياً لدى التنظيم على اعتبار أنها قضية مستمرة حتى الآن، ولم تبذل جهود كافية في معالجتها والتصدي لها.
يقول فضل عبد الغني المدير التنفيذي للشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“لقد كان هناك بصيص أمل لدى أهالي المختفين قسرياً لدى تنظيم داعش أنه بعد اندحار التنظيم سيُكشَف عن مصير أحبائهم، والآن وبعد مضي أزيد من سنتين على خسارة التنظيم آخر معاقله ولم يُعرَف مصيرهم، تسود بين الأهالي حالة من الإحباط ممزوجة باحتقان شديد، وكلما طال الزمن كلما أصبحت مهمة الكشف عن مصير المختفين أشد تعقيداً وصعوبة”.
اعتمدَ التقرير بشكل رئيس على تحليل ما يقوم به فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان من عمليات رصد وتوثيق يومية مستمرة لانتهاكات قام بها تنظيم داعش، مشيراً إلى تغير في مناطق السيطرة التي خضعت للتنظيم منذ ظهوره في نيسان 2013، ونوَّه إلى أن معظم حوادث الانتهاكات قد تركَّزت في الأجزاء التي خضعت لتنظيم داعش في محافظات الرقة ودير الزور وحلب على اعتبار أنها كانت مناطق سيطرة التنظيم الرئيسة، وقد خضعت لسيطرته مدة أطول مقارنة مع مناطق في محافظات أخرى مثل دمشق أو درعا أو حماة أو حمص. واستندت منهجية التقرير إلى تحليل الوثائق التي حصل عليها بعضها من مصادر مفتوحة وأخرى عبر الشهود، إضافة إلى منشورات صوِّرت فوتوغرافياً قام تنظيم داعش بتعميمها على المجتمع في المناطق التي سيطر عليها، كما استندَ التقرير إلى مقابلات تم عقدها مع شهود وناجين من مراكز الاحتجاز التابعة لتنظيم داعش، وضحايا تعرضوا لأنماط أخرى من الانتهاكات من قبل التنظيم، ممن ينتمون إلى محافظات مختلفة، وكانوا مدنيين أو ناشطين أو عاملين في مجالات عدة، إضافة إلى مقابلات مع عائلات ضحايا، واستعرض التقرير 10 روايات كعينة نوعية.
سجل التقرير منذ نيسان 2013 حتى كانون الثاني 2022 مقتل ما لا يقل عن 5043 شخصاً بينهم 958 طفلاً و587 سيدة (أنثى بالغة) على يد تنظيم داعش أو بسببه، وبحسب رسم بيان عرضه التقرير فقد توزعت حصيلة القتل هذه بحسب طبيعتها إلى: 4428 بينهم 910 طفلاً و539 سيدة قتلوا عبر الأعمال القتالية غير المشروعة، فيما قتل 32 بينهم 1 طفلاً و14 سيدة بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية، وقتل 536 بينهم 31 طفلاً و24 سيدة عبر الإعدام من خلال إجراءات موجزة وتعسفية. كما سجل التقرير مقتل 47 بينهم 16 طفلاً و10 سيدة، قضوا بسبب نقص الغذاء والدواء نتيجة الحصار الذي فرضه تنظيم داعش على مناطقهم. وأظهرَ تحليل البيانات أنَّ عام 2017 كان الأسوأ من حيث حصيلة ضحايا القتل خارج نطاق القانون، يليه عام 2016 ثم 2015، يليه 2018. ووفقاً لرسم بياني أورده التقرير لتوزع ضحايا القتل خارج نطاق القانون على يد تنظيم داعش تبعاً للمحافظات التي ينتمون إليها، فقد تصدرت محافظة دير الزور بقية المحافظات بـ 30.43% من حصيلة الضحايا المسجلة، تلتها حلب ثم الرقة ثم حمص.
بحسب التقرير فإن ما لا يقل عن 8684 شخصاً بينهم 319 طفلاً و255 سيدة (أنثى بالغة) لا يزالون قيد الاختفاء القسري لدى التنظيم منذ الإعلان عن تأسيسه مطلع نيسان/ 2013 حتى كانون الثاني/ 2022. ووفقاً للمؤشر التراكمي لهذه الحصيلة فإنَّ عام 2016 كان الأسوأ، يليه عام 2017 ثم 2015 ثم 2018. وقد أوردَ التقرير رسماً بيانياً لحصيلة المحتجزين/ المختفين قسرياً لدى تنظيم داعش تبعاً للمحافظات التي ينتمون إليها، أظهر أن محافظة دير الزور تتصدر بقية المحافظات بقرابة 18.63 %، تليها حلب ثم الرقة. كما أوردَ رسماً بيانياً لحصيلة المحتجزين/ المختفين قسرياً لدى التنظيم تبعاً للمحافظة التي شهدت حادثة الاحتجاز، وأظهر الأخير تصدُّر محافظة الرقة تلتها دير الزور ثم حلب ثم حمص.
طبقاً للتقرير فقد نفَّذ تنظيم داعش ما لا يقل عن 5 هجمات بأسلحة كيميائية، كانت جميعها في محافظة حلب، وتسبَّبت في إصابة 132 شخصاً.
قال التقرير إنَّ المختفين قسرياً لدى تنظيم داعش قضية عالقة منذ سنوات، وإن ما يميز هذه القضية أنه لم يتم الكشف عن مصيرهم على الرغم من السيطرة على كل مراكز الاحتجاز التي كانت تابعة للتنظيم. ووفقاً للتقرير فقد مارسَ تنظيم داعش عمليات الإخفاء القسري ضدَّ فئات واسعة من المجتمع وفي كل منطقة سيطر عليها أو وجدَ فيها، كسلاح رعب وترهيب للمجتمع وكسياسية لإنهاء وسحق خصومه من النشطاء والوجهاء والفاعلين المؤثرين في المجتمع، وفي أثناء هجماته على المناطق الخارجة عن سيطرته، كما استهدف على نحوٍ خاص الأجانب بهدف الحصول على مبالغ مالية ضخمة، والصحفيين وعمال الإغاثة والنشطاء الإعلاميين والعاملين لدى المنظمات الإنسانية والأقليات العرقية والدينية، والمخالفين للتعاليم والقرارات التي يفرضها سواء كانت الدينية أو غيرها، كما شملت عمليات الإخفاء القسري مقاتلين من خصومه. وقد فصَّل التقرير في ستة أنماط لاستراتيجية الإخفاء القسري مارسها تنظيم داعش على نحوٍ واسع.
وفي سياق متصل عرض التقرير خريطة لأبرز مراكز الاحتجاز التي استخدمها التنظيم، وأكد أنَّ مراكز الاحتجاز هذه كانت خالية عند انسحاب تنظيم داعش من كل منطقة من المناطق، بناء على ذلك شدد التقرير على أهمية التعامل مع ملف المفقودين والمختفين قسرياً لدى تنظيم داعش بشكل جدي.
وطبقاً للتقرير فقد تعرض المحتجزون/المختفون لدى تنظيم داعش لأساليب تعذيب غاية في القسوة؛ وقد اتبع التنظيم أساليب تعذيب مشابهة لما مارسه النظام السوري، وعرض التقرير 17 من أساليب التعذيب التي تميَّز بها تنظيم داعش، بمعنى أنه مارسها بشكل متكرر وكثيف، 15 أسلوب جسدي، و2 أسلوب نفسي.
وثق التقرير قتلَ تنظيم داعش العشرات من المحتجزين لديه، وصنَّف أبرز الأنماط التي نفَّذ خلالها التنظيم عمليات قتل المحتجزين في خمسة أشكال: قتل المحتجزين قبل وصولهم إلى مراكز الاحتجاز، قتل المحتجزين قبل الانسحاب من المنطقة، تكليف المحتجزين بأعمال خطيرة قد تؤدي إلى مقتلهم، قتل المحتجزين عبر إجراءات شديدة الإيجاز، قتل المحتجزين بطرق استعراضية؛ ما يؤكد انعدام اكتراث تنظيم داعش بحياتهم.
قال التقرير إن قوات التحالف الدولي ساهمت بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بالدور الجوهري في القضاء على تنظيم داعش، وسيطرت قوات سوريا الديمقراطية على الأراضي التي كانت خاضعة له، وتتحمل هذه القوة المسيطرة مسؤوليات مدنية وقانونية وحقوقية أمام المجتمع الذي تسيطر عليه، وإن قضية المختفين قسرياً لدى تنظيم داعش من أبرز وأهم القضايا التي تمسُّ عشرات آلاف الأسر في هذه المناطق، وعلى الرغم من اندحار تنظيم داعش منذ آذار/ 2019 من معقله الأخير في دير الزور، وقبل ذلك بأشهر طويلة من محافظتي الرقة والحسكة، إلا أنه لم تبذل جهود حقيقية من قبل القوة المسيطرة في سبيل الكشف عن مصير المختفين قسرياً.
أكد التقرير أنَّ تنظيم داعش أصبح طرفاً من أطراف النزاع المسلح الداخلي، ويتوجب عليه احترام القانون الدولي الإنساني، كما سيطر على مساحات واسعة من الأراضي، ويتوجب عليه كقوة مسيطرة احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان. وقال إنه انتهك في الغالبية العظمى من عمليات القصف مبادئ التمييز والتناسب، وتسببت هجماته في وقوع خسائر مادية وبشرية، وتشكل الهجمات العشوائية على المناطق المأهولة بالسكان انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني.
كما انتهك تنظيم داعش القانون الدولي الإنساني عبر استخدامه سلاحاً محرماً دولياً، وهو بذلك قد ارتكب جريمة حرب، إضافة إلى انتهاكه قرارات مجلس الأمن الخاصة بهذا الشأن.
وقال التقرير إن تنظيم داعش قد ارتكب انتهاكات واسعة للقانون الدولي لحقوق الإنسان بحق الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرته عبر عمليات الخطف والاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، كما منع الأهالي من النزوح من المناطق التي يسيطر عليها، وذلك بغرض الاحتماء بهم واستخدامهم دروعاً بشرية. كما مارس التنظيم أعمال عنف ضدَّ المحتجزين لديه، تتمثل في عمليات تعذيب، وظروف احتجاز سيئة، وإعدام بإجراءات موجزة بحق مدنيين وأسرى من مقاتلي المعارضة المسلحة، وقوات سوريا الديمقراطية، وقوات النظام السوري، وفي هذا انتهاك للمادة 3 مشتركة بين اتفاقيات جنيف، والقانون الدولي العرفي، ويرقى إلى جريمة حرب.
بحسب التقرير فإن إهمال المجتمع الدولي ومجلس الأمن حل النزاع في سوريا ساهم في تعزيز قوة تنظيم داعش ونشر الفكر المتطرف الناتج عن استمرار الاستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان.
وأوصى التقرير مجلس الأمن والمجتمع الدولي بدعم المجتمعات والمنظمات المحلية التي تساهم في نشر الوعي الديني والسياسي القائم على احترام حقوق الإنسان. واتخاذ خطوات جدية لإنهاء النزاع في سوريا بما في ذلك وضع جدول زمني صارم لعملية الانتقال السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، كونها ما زالت تراوح مكانها منذ بيان جنيف واحد حزيران/2012 حتى الآن.
وأضافَ أن التنظيمات المتشددة تشكل خطراً وجودياً كيانياً على جميع أبناء سوريا، ولديها موارد مادية تمكنها من دفع رواتب مقاتليها، ولا بدَّ من دعم الفصائل المجتمعية في حربها ضدَّ التنظيمات المتشددة المعولمة، بمختلف أشكال الدعم المادي والعسكري الممكنة.
إلى غير ذلك من توصيات إضافية…
المصدر: الشبكة السورية لحقوق الانسان