كان اغتصاب فلسطين بالكيان الصهيوني خطوة استعمارية أعقبت اقتطاع أجزاء أخرى من سورية الشامية ومنحها لتركيا على دفعات بدءا من معاهدة سيفر ومروراً بسلخ الاسكندرون .كانت الباكورة الإنفصالية اقتطاع الأقضية الأربعة وتأسيس دولة لبنان الكبير في توقيت واحد مع اقتطاع عدد من مدن الشمال السوري وإلحاقها بتركيا..من مرسين واورفة وعنتاب وغيرها كثير.
واليوم فإن خطوات تنفيذية قائمة ومتسارعة لسلخ أجزاء أخرى تحديدا في الجزيرة السورية وتأسيس كيان إنفصالي عنصري تتزعمه حركة قسد العنصرية الإرهابية..ترعاها وتتبناها دولة العدو الغاصب لفلسطين لتكون إمتداداً إنعزالياً لها في قلب سورية. تشمل فيما تشمل عمليات متشابكة لتغيير هوية المنطقة وإحداث تغيير ديمغرافي خطير وتهديم مدن وقرى وتفريغ أخرى من سكانها وأهلها تمهيدا ليصبح الكيان العنصري الإنفصالي واقعا قائما يفرض ذاته ؛ والتأسيس لمراحل قادمة تحمل كل أسباب التوفر والإضطراب القابل للإشتعال ذاتيا او التشعيل من الخارج .. وفيما يستخدم تنظيم داعش كميليشيا مجرمة مأجورة لإتخاذها مبررا للتدمير والتهجير والتغيير السكاني ؛ فإن الدور الأمريكي – الصهيوني في رعاية كل ما يجري واضحة ثابتة ؛ بالتعاون مع الميليشيات الإيرانية وأدوات النظام المحلية..
يستهدف هذا كله تصغير سورية كمنطقة جيوسياسية كثيرة الأهمية في كل المجالات وتحويلها الى كيانات هزيلة متناحرة فاقدة الفعالية مرتهنة للحماية الأجنبية مناهضة للثوابت التاريخية الحضارية التي شكلت هوية المنطقة واولها العروبة..
ومنذ عقود وجهود النظام الدولي الذي يرعى كل الحركات العنصرية الانفصالية في بلادنا ؛ تتركز على تكريس انفصال فلسطين عن سورية تحديدا وزرع أسافين في العلاقة بينهما تثبيتا لما يعملون عليه وهو السيطرة التامة على بلاد الشام كجزء من ” إسرائيل الكبرى ” بين النيل والفرات..وكان ضمن هذا التوجه ممارسات كثيرة للنظام السوري بحق الفلسطينيين بدءا من مخيم تل الزعتر وإنتهاء بمخيم اليرموك..
ومنذ إنطلاق ثورة الشعب السوري ضد القهر والإستبداد ؛ تجري محاولات كثيرة متعددة الأطراف لتكريس إنشراخ العلاقة بين الشعبين لا بل فصل مصير إحداهما عن الأخرى..أكثر من هذا إراقة دماء تثبت ذلك الفصل المطلوب وتمهد لعداوات طويلة الأجل قابلة للإنفجار والتفجير في أي وقت بما يؤدي نهائيا الى تكريس الفصل بين مصير فلسطين عن مصير سورية..
كان ولا يزال المطلوب للنظام العالمي الأمريكي – الصهيوني الإستفراد بكل بلد عربي منعزلا عمن يجاوره أو يحيط به من عرب آخرين..وتحديدا في بلاد الشام أو سورية الشامية التي تشكل قلب المنطقة العربية لا بل أساس الهوية العربية وإلتزام الدفاع عنها…
الهدف المركزي الأساس كان ولا يزال محاصرة فلسطين لقضمها وهضمها وسحق وجودها وشخصيتها..كان ولا يزال حصار فلسطين على المستوى الشعبي العربي ولا سيما السوري هدفا مركزيا لكل قوى النفوذ الأجنبي التي ترعى الوجود الصهيوني وتتخذه أداة لتطويع وتركيع الأمة كلها..ولهذا تبذل جهود كبيرة بل جبارة لإصطناع تباعد نفسي بين الشعبين يعقبه صراعات ومصالح وحساسيات وأفكار تحول التباعد النفسي الى تباعد عقلي وثقافي وبالتالي يصبح تباعدا
عمليا مكرسا..وهكذا تفقد فلسطين أهم أبعادها الوطنية بفقدان صلتها النفسية والأخلاقية والنضالية بمصير سورية وقناعات أهلها وسلوكهم حيالها..
وقد إرتفعت بعض الاصوات التي طالبت أو إلتجأت الى العدو الصهيوني كمساعد للشعب السوري للتخلص من نظام القمع والإستبداد..لكنها إختنقت بسرعة فإنطفأت ولم تترك أثرا في حياة السوريين رغم شديد مرارتهم وعذاباتهم وخيباتهم من أصدقاء أو أشقاء أو كل المجتمع الدولي ومؤسساته..
المسألة الأخطر والأكثر إمتداداً وإلحاحاً كانت موقف بعض الفلسطينيين المؤيد للنظام والمدافع عن ممارساته الإجرامية بحق الشعب السوري..أضيف إليها مشاركة بعض أعضاء فصائل فلسطينية في قتال أهلهم وشعبهم الى جانب ميليشيات النظام وقواته..
ولم تكتمل حلقات حصار فلسطين شعبيا إلا بمواقف ما يسمى محور المقاومة والممانعة.. هذه التسمية التي تتخذ ستارا للتغطية والتمويه على العدوان الإيراني على الاقطار العربية لا سيما بلاد الشام والعراق وسورية ولبنان..وفي القلب منها فلسطين المقصودة شكلا بالمقاومة والمستهدفة عمليا بالعزل والحصار..
كان لمشاركة ميليشيات أيرانية أو موالية لها في القتال ضد الشعب السوري الى جانب نظامه الإجرامي ؛ تأثيرا سلبيا بالغ السوء على قضية فلسطين فساهمت في تعميق الحصار على فلسطين وإنعزالها عن المصير العربي..تم هذا من خلال أمور ثلاثة :
– الأول :
ربط فكرة المقاومة بمساندة نظام الاستبداد وبالعدوان على الشعب السوري عبر ممارسات شديدة الوحشية إضطرت البعض لإجراء مقارنات بينها وبين ممارسات العدو الاسرائيلي ..مما افقد ” المقاومة ” معناها ومصداقيتها..
– الثاني :
تأييد بعض الفلسطينيين للنظام السوري ضد شعبه بحجة أنه نظام ممانع مقاوم ..دون تحديد أي مضمون إيجابي لمقاومته الموهومة..وهذا أيضا افقد قضية فلسطينها محتواها الوطني التحرري الإنساني العادل..
– الثالث :
تبني فصائل في المقاومة الفلسطينية الموقف الإيراني الذي هو لدوره يتبنى القتال مع النظام ضد شعبه..الأمر الذي أدى الى الخلط في أذهان الكثيرين بين حق المقاومة ضد العدو وخطأ تقدير الموقف من قبل تلك الفصائل ..مما اضاف مزيدا من الخلط واللغط وسوء الفهم حول فلسطين وقضيتها ومحتواها الوطني الانساني التحرري العادل..
كانت هذه الامور الثلاثة إستكمالا لحصار فلسطين القضية وفلسطين الشعب وهو الحصار الذي إبتدأ حينما أقنعت أطراف دولية أطرافا فلسطينية ان فلسطين قضية وطنية فلسطينية فقط فدفعتها للتصرف على هذا الأساس..
هكذا أحكمت جماعات الممانعة تلاعبها بجوهر قضية فلسطين مستهدفة تفريغها من محتواها والصاق تهم مسيئة من شأنها تكريس إنفصالها عن شعبها في سورية تحديدا…فوقع بعض السوريين في إشكالية عم المقدرة على فهم تبريرات بعض الفلسطينيين لسلوك النظام حيال شعبه..حتى أن بعض المقارنات بوحشية العدو الإسرائيلي لم تكن كلها بعيدة عن الموضوعية…حتى بدا للبعض أن تباعدا نفسيا بين الشعبين بات كبيرا وسينعكس على مستقبل القضية بتكريس وهم المصير المنفصل أو التخلي الشامل..
إلى أن جاءت العواصف الثلجية الأخيرة حاملة معها صور المعاناة الشديدة للمهجرين السوريين في خيم اللجوء الذليلة الجبانة…فكانت مبادرات شعب الداخل الفلسطيني الملفتة بجمع الملايين وأرسالها لأؤلئك المنكوبين في وطنهم من أخوة سوريين يعانون ما عاناه شعب فلسطين ولا يزال ..
كانت هذه المساعدات التضامنية تأتي من داخل فلسطين إلى داخل سورية درسا شديد الدلالة الحقيقية على وحدة المصير بين الداخلين اولا وعلى حقيقة الموقف الشعبي الفلسطيني المؤيد للشعب السوري والمتبرئ من كل من يقف من ابناء فلسطين الى جانب النظام أيا كان ..
أخرست هذه المساعدات كل سفهاء الممانعة المتاجرين بالقضية لتعيد لفكرة المقاومة مضمونها الصحيح كحركة شعب يتعرض للعدوان الخارجي الإستطاني ولعدوان داخلي من القهر والإستبداد..لم تحمل تلك المساعدات ذلك المعنى الانساني النبيل فقط : بل حملت طوقا حاصرت به كل جماعات الموقف الغبي الأحمق من الذين لم يقفوا الى جانب شعب سورية أيا كانت مبرراتهم الواهية..
تلك المساعدات شكلت منظومة متكاملة من النبل الإنساني ومن العمق المعرفي الذي يعي أبعاد القضية فيدرك وحدة المصير ليعيدها إلى إطارها الموضوعي السليم فيخترق ويحطم ذلك الحصار الأحمق الذي جعله حول عنقها غباء البعض ناقصي الوعي أو مشوهي الفهم ومتأزمي النفس ..
ليست مساعدات عينية بل إقتحام وطني لحصار أريد به عزل فلسطين وترك أهلها لمصيرهم منعزلين عن أهلهم في سورية..
وهكذا تمت خطوة تقدمية أعادت تفعيل الزخم الشعبي حول القضية وفي قلبها بديلا عن أوهام لم تستطع إختراق جوهرها ولن تستطيع..
فلتكن فرصة للحركة الشعبية العربية لاستعادة المبادرة بكسر الحصار بكل أشكاله ؛ عن فلسطين وأهلها ؛ وأخطر أنواعه الحصار النفسي وتزييف المقاومة بتفريغها من مضمونها المشرف..
ألف تحية لأهل فلسطين الأبطال النبلاء..هم يمثلون شعب القضية ولا أحد سواهم..