بعد صدور الحكم على أنور رسلان: “لماذا لا يحتفل أحد؟”

حكمت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس بألمانيا يوم الخميس 13 كانون الثاني/يناير، 2021، على العقيد السابق في المخابرات السورية أنور رسلان بالسجن مدى الحياة لمشاركته في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية فيما يتعلق بحوالي 4,000 حالة تعذيب وحرمان شديد من الحرية و27 حالة قتل وثلاث حالات عنف جنسي. وبعد ست ساعات من مغادرة آخر جلسة من محاكمة استغرقت 21 شهراً وبعد انتظارهم في طابور منذ الساعة 4:30 صباحاً، سأل أحد الصحفيين مراقبي المحاكمة التابعين للمركز السوري للعدالة والمساءلة عن سبب عدم احتفال أحد بهذا الحكم وبهذا اليوم التاريخي. كانت إجابتهم ببساطة “لأن الناس يشعرون بالإرهاق.” فلم يكن السوريون مرهقين بسبب هذا اليوم المميز وطول المحاكمة فقط، وإنما لكون هذه المحاكمة تشكّل الخطوة الأولى للمساءلة الشاملة لسوريا بعد ما يقرب من 11 عاماً من النزاع.

قبل بدء محاكمة كوبلنتس، ركزت المحاكمات بموجب الولاية القضائية العالمية – والتي لا تزال حتى الآن السبيل الوحيد للسوريين لتحقيق العدالة والمساءلة – بشكل أساسي على المقاتلين الأجانب العائدين وأعضاء الجهات المسلحة من غير الدول. ولذلك أُشيد بمحاكمة كوبلنتس باعتبارها “المحاكمة الأولى في العالم للتعذيب الذي تمارسه الدولة” بما يحقق العدالة للسوريين. ومع ذلك، بعد بضعة أشهر من المحاكمة، اتضح أن من جلس على كرسي الاتهام لم يكن بشار الأسد أو أعضاء رفيعي المستوى في حكومته، وإنما ضابط برتبة متدنية وعقيد مخابرات متوسط المستوى. وكان كلاهما منشقا. وعلاوةً على ذلك، بذل السوريون جهداً لمتابعة المحاكمة داخل المحكمة وعن بُعد. حيث لم تكن الترجمة العربية متاحة للحاضرين داخل المحكمة. وحتى بعد أن قدّم المركز السوري للعدالة والمساءلة وصحفي سوري شكوى إلى المحكمة الدستورية الاتحادية الألمانية، تم توفير الترجمة الفورية للصحفيين المعتمدين فقط.

بينما تُرجم كلا الحُكمين في المحاكمة ترجمة تتابعية إلى العربية للحاضرين داخل المحكمة، لم يكن هناك بلاغات رسمية أو توثيق لجلسات المحاكمة طيلة المحاكمة التي استمرت عامين تقريباً. وعلى الرغم من كونها مفصّلة للغاية، لم تكن تقارير المحاكمات الصادرة عن المركز السوري للعدالة والمساءلة لكل يوم من أيام المحاكمة حرفيةً أو مَحاضر كاملة للجلسات. غير أن هذه التقارير وتوثيقات المحاكمة من قبل منظمات غير حكومية أخرى كان الخيار الوحيد للسوريين للبقاء على تواصل مع مجريات المحاكمة. وعلى الرغم من كونها محاكمة تشكّل منعرجاً بارزاً وذات أهمية دولية، إلا أن النتائج التي توصلت إليها المحكمة بشأن الهجوم المنهجي وواسع النطاق الذي ارتكبته الحكومة ضد الشعب السوري، ظلت غير مرئية إلى حد كبير بالنسبة للشعب السوري.

أدى افتقار الشفافية هذا إلى العديد من النتائج المؤسفة. حيث أُسيء فهم محتوى شهادات الشهود كثيراً. ومما زاد الأمر تعقيداً هو التحدي الماثل في الملاحقة القضائية لهذه الجرائم بعيداً عن مسرح الجريمة أثناء نزاع مستمر مع بقاء الحكومة في السلطة. كما نشأ التباس حول الدور الفعلي للمتّهمَين في أنظمة إساءة المعاملة، وحول ما إذا تعرضا لضغوط لارتكاب جرائم، وما أوضحته ممارساتهما اللاحقة، مع المعارضة على سبيل المثال، حول مسؤوليتهما. وبناءً على مراقبته للمحاكمة، قدّم المركز السوري للعدالة والمساءلة تقييماً أولياً لبعض القضايا الأكثر إلحاحاً في تقرير مرحلي بعد مرور عام واحد على المحاكمة.

من أجل تحديد فعالية محاكمة كوبلنتس في تحقيق العدالة للسوريين، أجرى المركز السوري للعدالة والمساءلة منذ ذلك الحين استطلاعاً عبر الإنترنت بهدف معرفة المزيد عن تصور الجمهور للمحاكمة، والصعوبات التي يواجهها أولئك الذين أرادوا متابعتها، والتصورات العامة عن العدالة التي تحققت من قبل هذه المحاكمة. واستناداً إلى المعلومات المستمدة من هذا الاستطلاع ومراقبته التفصيلية للمحكمة، سيُصدر المركز السوري للعدالة والمساءلة قريباً تقريراً نهائياً حول محاكمة كوبلنتس. ويسعى هذا التقرير النهائي إلى شمل أصوات جميع الناجين من الجرائم الفظيعة التي ارتُكبت في سوريا ويقدّم تحليلاً شاملاً لمحاكمة كوبلنتس مع توصيات محددة للمحاكمات المستقبلية تحت بند الولاية القضائية العالمية في ألمانيا وخارجها.

بعد ساعات قليلة من صدور الحُكم، تبدّل الإرهاق من يوم المحاكمة الأخير إلى شعور بالارتياح وشعور بعدالة عامة وإن كانت محدودة. ورحّب السوريون بصدور حكم عادل عن محكمة منصفة ومستقلة ضد جانٍ متوسط المستوى ​​عمل لدى إدارة المخابرات العامة السورية، وبالتأكيد القضائي على أن الحكومة السورية ترتكب هجوماً منهجياً وواسع النطاق ضد أبناء شعبها. وبوجود محاكمة قادمة لا تزال في مراحلها الأولى في المحكمة الإقليمية العليا في فرانكفورت ضد عضو سابق في الحكومة السورية، علاء م.، وهو مزاول سابق في المجال الطبي في المشفى العسكري في حمص، يرى السوريون علامةً أخرى على أن قصص الناجين تُروى ويُستمع إليها. ستكون هذه المحاكمة أيضاً أول فرصة للسلطات الألمانية لتطبيق الدروس المستفادة من محاكمة كوبلنتس والمساهمة بشكل أكثر فاعلية في تحقيق العدالة الانتقالية لجميع السوريين. غير أن الاحتفالات يجب أن تنتظر. إذ لن يتسنّى للسوريين الاحتفال بمستقبل يسوده العدل والسلام إلا حين تتم محاسبة أكبر المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبتها الحكومة السورية ضد شعبها وبعد وضع حدٍ للجرائم التي لا تزال تُرتكب في النزاع السوري.

______________________________________________

المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى