مرة أخرى يخوض الحزبان الكرديان الرئيسان في بغداد صراعاً حامياً على المناصب “السيادية” الاتحادية بعد انهيار مشروعهما لتوحيد الموقف داخل “البيت الكردي” في مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، فيما يلف الغموض تداعيات الخلاف على منصب رئاسة الجمهورية، وتباين في سيناريوهات نتائج الصراع.
وكان الحزبان “الديمقراطي” بزعامة مسعود بارزاني و”الاتحاد الوطني” الذي كان يتزعمه الرئيس الراحل جلال طالباني، أعلنا عن اتفاق لخوض مفاوضات تشكيل الحكومة وتقاسم المناصب في بغداد من خلال وفد مشترك، لكن الاتفاق سرعان ما انهار مع أول جلسة للبرلمان يوم الأحد 9 يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما قاطعت كتلة “الاتحاد” 17 (مقعداً) الجلسة إثر تقديم كتلة الحزب “الديمقراطي” (31 مقعداً)، مرشحها لمنصب نائب رئيس البرلمان، معتبرة الخطوة بأنها خروج عن مبدأ التوافق داخل “البيت الكردي”، ووصفتها بأنها “طعنة من الخلف”.
ويعد الرئيس الحالي برهم صالح المرشح الوحيد لحزب “الاتحاد”، يقابله هوشيار زيباري عن حزب بارزاني، الذي سبق أن شغل منصبي وزير الخارجية والمالية في الحكومات السابقة.
سيناريوهات متباينة
وتبرز رؤيتان متباينتان بشأن طبيعة المخرجات المتوقعة للصراع القائم نتيجة للفارق في نقاط القوة والضعف بين الحزبين، إذ يرجح بعض المراقبين والسياسيين الكفة لصالح “الديمقراطي”، الذي بات يتخذ من مبدأ “الثقل النيابي” على المستوى الكردي منطلقاً لتوزيع المناصب، وبكونه يستحوذ على ضعف عدد مقاعد “الاتحاد”، وذلك مع “انتهاء صلاحية” الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة بين الحزبين عام 1998، كما يستند إلى إبرامه حلفاً “قوياً” مع التيار الصدري (73 مقعداً)، وتحالف “تقدم” برئاسة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي الذي انضم إليه أخيراً تحالف “عزم” برئاسة خميس الخنجر، وبثقل نيابي يصل إلى 64 مقعداً.
كما يرى أنصار هذه الرؤية أن “الديمقراطي” متمسك بعدم تكرار سيناريو عام 2018 عندما نجح “الاتحاد” في فوز مرشحه برهم صالح بالمنصب خارج إطار التوافق الكردي.
وتبدو الرؤية المقابلة أقل تشاؤماً، التي تعتقد أن حزب بارزاني يسعى من خلال إصراره على التمسك بالمنصب إلى ممارسة الضغوط على “الاتحاد” للتراجع عن تجديد ولاية الرئيس صالح، وطرح مرشح بديل، وتذهب إلى أن الخلاف بين الحزبين لن يتعدى مرحلة حسم مصير المناصب، قبل أن يعودا إلى تفاهماتهما السابقة فيما يتعلق بمصالح الإقليم الاستراتيجية “ذات البعد القومي”، إذ يتقاسمان إدارته منذ عام 1991، مع تمتع “الاتحاد” بعناصر قوة يصعب إغفالها تتمثل في نفوذه السياسي والعسكري في الإقليم.
وكان زيباري تراجع عن تصريح سابق له أكد فيه تنازل حزبه عن المنصب، ثم عاد لينفي صحة التصريح، واصفاً إياه بـ”المفبرك من قبل الجيوش الإلكترونية”، وأكد أن “هذا المنصب سياسي ومهم ويحتاج إلى توافق كردي أولاً وأخيراً”.
تعدد الاحتمالات
وشدد مستشار زعيم الحزب “الديمقراطي” مسعود حيدر في تصريح لـ”اندبندنت عربية” على أن الحزب “متمسك بمرشحه وهو السيد زيباري”. وقال إن “المنصب يعتبر استحقاقاً للكرد، والاتحاد لديه أيضاً مرشحوه، وبما أن العملية بطبيعتها ديمقراطية فالكتل ستقرر في النهاية”، واستدرك “إلا أن كل الاحتمالات تبقى واردة لحصول اتفاق مع الاتحاد قبل الساعات الأخيرة والوقت ما زال متاحاً”، وإذا ما كان الحزب يحاول محاصرة “الاتحاد” لطرح مرشح بديل، قال “أكدنا مراراً تحقيق توافق مسبق لطرح مرشح وحيد، لكن الإخوة في الاتحاد لم يستجيبوا لهذه الرؤية ولا يمكن أن يفرض اليوم مرشحاً محدداً لأي سبب كان، وعليه فإن من حق الديمقراطي طرح مرشحه”.
وإزاء المخاوف من تداعيات أزمة المنصب على العلاقة بين الحزبين قال “الإخوة في الاتحاد هم شركاؤنا الاستراتيجيون في إدارة إقليم كردستان، والحزب الديمقراطي اليوم هو أكبر الأحزاب الكردستانية، إذ يمتلك في حدود 50 في المئة من مقاعد الكرد في البرلمان الاتحادي، وطالما لا يتم مراعاة الاستحقاق، ولم يوافق الرئيس بارزاني على مرشح توافقي معين، فإن من حقه طرح مرشحه”.
وأمام البرلمان وفقاً لدستور البلاد انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً من انعقاد جلسته الأولى بأغلبية ثلثي الأصوات، وسيكون 8 فبراير (شباط) أقصى موعد لحسم المنصب الذي يوصف بـ”الفخري”، ويكون وفقاً للعرف السياسي من حصة الأكراد، مقابل منح السنة منصب رئاسة البرلمان، والشيعة منصب رئاسة الوزراء.
التهديد بتقسيم كردستان
وفي تطور لافت هدد عضو قيادة “الاتحاد” عطا سراوي باللجوء إلى “خيار الإعلان عن إنشاء إقليم السليمانية وكركوك، في حال رفض الحزب الديمقراطي مرشحنا لمنصب رئاسة الجمهورية”، ودعا قيادة حزبه إلى “عدم المساومة على منصبي محافظ كركوك ورئاسة الجمهورية، والتمسك بمرشحينا الذين حددهم المكتب السياسي بمن فيهم المرشحون للمناصب الوزارية، وإذا استمر الديمقراطي على موقفه علينا أن نذهب نحو خيار أقلمة كركوك والسليمانية، عدا هذا الخيار فإنني لا أرى أملاً إزاء مستقبل إقليم كردستان”.
ويعد تصريح سراوي امتداداً لمواقف تصدر عن قادة من حزب “الاتحاد” في كل مناسبة يشتد فيها الخلاف مع “الديمقراطي”، خصوصاً تلك المتعلقة بأزمات الإقليم والخلافات على آلية الإدارة وتوزيع الموارد.
وبشأن مدى جدية المخاوف من ردة فعل “الاتحاد” والذهاب إلى خيار إنشاء إقليم السليمانية قال حيدر إن “إقليم كردستان هو إقليم فيدرالي ضمن الدولة الاتحادية، وله سلطاته وصلاحياته الدستورية اللتان تحميهما حدوده الإدارية. من حق كل شخص طرح الآراء، وكان من لديه سلطات أوسع حاول إلغاء أو تحجيم الإقليم لكنه فشل، وهذه الطروحات غير واقعية، وشعب الإقليم صوت في الانتخابات الأخيرة للقيم التاريخية والرؤية السياسية للرئيس بارزاني وحزبه، الحامية للكرد، الذي يؤكد دائماً احترام الدستور. والشعب العراقي عموماً لم يعد يكترث للخطاب الشعبوي، بل أفعال تضمن له الأمن والاستقرار والخدمات”.
تضارب المواقف
وكان سكرتير المكتب السياسي لـ”الديمقراطي” فاضل ميراني كشف خلال ندوة في أربيل عن أن حزبه عندما رشح شاخوان عبد الله لمنصب النائب الثاني لرئيس البرلمان “كان على بعض الأطراف (في إشارة إلى حزب الاتحاد) أن تفهم بأننا تركنا لهم منصب رئاسة الجمهورية، ونحن لا نطمح إليه، لكنهم لم يفهموا الرسالة، وهذا الموقف سيؤثر في علاقاتنا لكن نأمل أن لا يدوم ذلك طويلاً”. وعلق إزاء مقاطعة نواب “الاتحاد” جلسة التصويت لصالح عبد الله “لم يكن موقفاً أسوأ من تصرفهم عندما رفضوا التصويت لمرشحنا نيجيرفان بارزاني لمنصب رئاسة الإقليم، على الرغم من أن الأخير يعرف بمواقفه الداعمة لحزب الاتحاد، وعلى الرغم من ذلك عدنا للحوار، وسنعود هذه المرة أيضاً”.
وزادت التصريحات المتضاربة لنواب وقادة الحزبين المشهد تعقيداً، ما دفع بالبارزاني إلى إصدار بيان أكد فيه أن “تصريحات الناطق الرسمي باسم الحزب هي الوحيدة التي تعبر عن مواقفنا وسياستنا الرسمية”. وشدد على أن “صدور أية تصريحات هنا وهناك وتحت أي عنوان لا يعبر عن سياستنا”. فيما فسر آخرون البيان بأنه “توبيخ” إلى النائب عن محافظة صلاح الدين “مشعان الجبوري” عقب تصريحات كشف فيها عن أن بارزاني “أبلغنا بأنه لن يشارك بأي حكومة يشكلها الإطار التنسيقي (ائتلاف شيعي)، وفي حال شُكلت فإنه سيذهب إلى المعارضة”.
وعاد الجبوري معلقاً في تغريدة عبر “تويتر” أنه “بمجرد ترشيح زيباري فإنه يمكنني القول أصبح مؤكداً أنه سيكون الرئيس، وسينال ذات الأصوات التي نالها الحلبوسي تقريباً، لأن نواب أقطاب تحالف عزم وتقدم والتيار الصدري سيصوتون له”.
كما أصدر حزب “الاتحاد” بياناً مماثلاً شدد فيه على أن “التصريحات والبيانات الصادرة عن الناطق الرسمي باسم الحزب، وحدها تعبر عن السياسة الرسمية للحزب، خصوصاً تلك المتعلقة بمسألة منصب رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة الاتحادية الجديدة”.
عقبات قانونية
وقال المتخصص في القانون إسماعيل نامق على “فيسبوك” إن “الفقرة الثالثة من المادة 68 في الدستور العراقي تشترط أن لا يكون المرشح لرئاسة الجمهورية قد واجه تهماً وأحكاماً سابقة”، لافتاً إلى أن “زيباري عندما كان يشغل وزيراً للمالية سحبت منه الثقة بتهم تتعلق بالفساد وسوء استخدام السلطة، وكان أحد قادة الاستفتاء لانفصال كردستان، ودعا علناً إلى تقسيم العراق”. وحول الفقرة الرابعة من المادة التي تشترط أن لا يكون المرشح قد صدرت بحقه أحكام، وأن زيباري لم تصدر بحقه أحكام، قال إن “القانون لم يأخذ مجراه بسبب الخلافات السياسية، ولو كنا في بلد يحترم القانون لكان يفترض أن يكون اليوم زيباري والعديد من المسؤولين خلف القضبان”.
مغامرة وعواقب
رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري يرى في مستقبل تداعيات الصراع أنه “على الرغم من التحالف الصلب بين الصدر وبارزاني والحلبوسي، الذي سيصوت في النهاية لمن يرشحه بارزاني، فإن الأمر يختلف في موضوع منصب رئاسة الجمهورية لاعتبارات عديدة، لأن الاتحاد قد يلغي الاتفاقات السابقة التي تمتد لأواخر تسعينيات القرن الماضي التي أنهت الصراع بين الحزبين، ومضى الإقليم وفق هذه الاتفاقات التي أصبحت عرفاً مترسخاً”. منوهاً بأن “الخطوة ستكون بمثابة مغامرة من قبل بارزاني إذا ما انتزع منصب الرئاسة، بوحدة الإقليم وقوته، لأن الاتحاد سبق وطرح خيار الإدارتين في الإقليم، وقد يتجه لخيارات عدة، سواء على مستوى الدولة الاتحادية كأن يتحول إلى معارضة، أو مقاطعة حكومة أربيل وبالتالي سيدفع ثمناً باهظاً إذا لم يجد طريقة توافقية لحل المعضلة”.
وأكد الشمري أن “الديمقراطي يبدو جاداً في الصراع على المنصب، ربما يكون جزءاً من الضغط على الاتحاد وصولاً إلى الساعات الأخيرة، لكن بالنهاية ترشيح هوشيار زيباري يعكس تلك الجدية، وما زال ينتظر تقديم تنازلات من الاتحاد، فيما يتعلق بمنصب محافظ كركوك، وإعادة ترسيم خطوط النفوذ والقوة والمصالح، هذه جميعها بالإمكان أن تخفف من حدة الخلاف”، مشيراً إلى أن “الاتحاد في حال طرح مرشح بديل عن صالح، سيضعف من موقعه السياسي كثيراً على أن انقاد لرغبة الطرف الآخر، نعم يمكن أن تدرج ضمن مفاهيم التوافقات الكردية، لكن حسابات القوة والقرار السياسي تؤخذ بنظر الاعتبار من قبل حزب الاتحاد”.
المصدر: اندبندنت عربية