كما خرجت جماعة “إخوان” سوريا، مؤخراً، ببيان ملتبس لإدانة القصف الإسرائيلي على مرفأ اللاذقية، الأمر الذي اعتبره مراقبون خطوة تتلمّس مسارات التقارب المحتملة مع إيران، صدر عن عبد الرحيم عطون المعروف بـ”أبي عبدالله الشامي” الأمير الشرعي العام في “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) كلام في غاية الخطورة حول موقف الهيئة من حركة “حماس” الإسلامية بعدما وصف القيادي فيها أولئك الذين فرحوا لمقتل الجنرال قاسم سليماني أنهم “شواذ هذه الأمة”.
واختلط في كلام عطون الغزل الواضح بحركة “حماس” مع الدفاع عن حقها في التحالف مع إيران لينتهي به المطاف إلى تبرئة الحركة من التهم الرئيسية التي يوجهها إليها خصومها في المنطقة.
وصف عطون حركة “حماس” أنها “حركة سنّية مجاهدة تقف على ثغر عظيم من ثغور أمة الإسلام، وهي في هذا الزمان رأس حربة الأمة الإسلامية في جهاد اليهود، وهي كتيبة الإسلام في الدفاع عن الأقصى والقدس وفلسطين”… هذا الغزل الرفيع الذي لم تكن جماعة الجولاني تجاهر به من قبل بسبب صراعها مع حركات وفصائل كانت مقرّبة من حركة “حماس” وتتلقى منها الدعم والتدريب، ترافق مع نبرة دفاعية عن خيارات حركة “حماس” وحقها في صوغ تحالفاتها وفق مقتضيات الضرورة، وحتى لو اقتضى ذلك أن تتحالف الحركة مع إيران التي ما زال خطاب “هيئة تحرير الشام” يركز على عداوتها وضرورة مواجهة مشروعها التخريبي في سوريا.
قالها عطون صراحة ومن دون مواربة: “نقدّر لحركة حماس حالة الضرورة التي استقوت فيها بإيران في ظل انقسام الموقف العربي الرسمي بين متخاذل ومتآمر وسط حصار مطبق على غزة منذ سنين”. ولم يكتفِ بذلك بل أعرب عن قناعته بأن “حماس ليست شيعية ولن تكون بإذن الله”، وبذلك لا ينفي عطون عن حركة “حماس” واحدة من أخطر التهم التي يوجهها إليها خصومها فحسب، بل يحاول أن يمنحها غطاءً شرعياً لتبرير تحالفها مع إيران وعدم اتخاذ هذا التحالف ذريعة من قبل المتربصين لاتهام “حماس” بالانخراط في المحور الشيعي.
وقد سارع خصوم “هيئة تحرير الشام” إلى التقاط كلام عطون بهدف اتهامها بالسعي إلى التقارب مع إيران، أو على الأقل، تمهيد الأرضية لإحداث تغيير جذري في مواقفها السياسية الخارجية وما يمكن أن ينبثق عنها من علاقات اقتصادية لا سيما أن بعض التقارير تحدثت في السابق عن وصول بضائع إيرانية إلى مناطق سيطرة “الهيئة” في إدلب ومحيطها وسط تساؤلات وشكوك عن كيفية وصول هذه البضائع ومن يقف وراء إدخالها وما هي خلفيات ذلك؟
بينما رأى آخرون، أن موقف “هيئة تحرير الشام” من حركة “حماس” ينطلق من منطلقات داخلية بحتة ويتعلق أكثر بمشاريع إعادة هيكلة المعارضة السورية المطروحة من قبل بعض الدول الإقليمية من أجل مواكبة تطورات المشهد السوري والتصدي لحال الستاتيكو التي يقف عندها منذ حوالى سنتين. وبحسب مراقبين للمشهد الجهادي السوري، فإن كلام عطون يمكن اعتباره بمثابة محاولة لجس نبض حركة “حماس” لاكتشاف مدى إمكان حدوث تقارب بين الطرفين قد يخدم مصالح “الهيئة” في تعزيز حضورها السياسي في الملف السوري خصوصاً أن “حماس” مدعومة من دولتي قطر وتركيا وبالتالي يمكن أن تؤدي دوراً لخدمة أجندة الجولاني ورغبته في الانتقال من عالم الجهاد إلى عالم السياسة.
وتأتي هذه المحاولة في وقت تشهد فيه خريطة التحالفات بين الفصائل المسلحة في سوريا تغييراً ملحوظاً خصوصاً في مناطق الاحتلال التركي في “درع الفرات” و”غصن الزيتون” حيث تسعى غرفة عمليات عزم للإطاحة بفرقة “سليمان شاه” التي يقودها محمد جاسم أبو عمشة ذراع أنقرة الرئيسية في تجنيد المرتزقة السوريين وإرسالهم إلى ليبيا وأذربيجان وغيرها من الجبهات التي تخدم سياسة التوسع التركية. ولم يكن مستغرباً أن تصدر عن بعض قيادات “الهيئة” تصريحات تنطوي على دفاع مستميت عن أبي عمشة وفرقته وأحياناً تهديد كل من يفكر بالمس به أو تفكيك قوته القتالية.
وما شجّع “هيئة تحرير الشام” على توجيه خطابها الغزلي إلى حركة “حماس” في هذا التوقيت أن “علاقة إخوان سوريا مع حركة حماس تمر بمرحلة من التوتر والتشنج تصل أحياناً إلى درجة القطيعة بسبب مواقف حماس من إيران وحزب الله” وفق ما قال لـ”النهار العربي” مصدر مقرب من جماعة “إخوان” سوريا. وأضاف المصدر أن “هناك جناحاً وازناً ضمن قيادة “إخوان” سوريا يرفض توجهات “حماس” نحو إيران و”حزب الله” ويرى فيها ضرراً ستدفع الحركة ثمنه على المدى الطويل”، وخشية من ذلك فإن هذا الجناح يضغط من أجل تبني خطاب علني يرفض سياسة “حماس” ويدين تحالفاتها الإقليمية. غير أن الجناح الثاني ما زال يرفض مثل هذا التوجه لأنه سيساهم في زعزعة صفوف جماعة “الإخوان المسلمين” في العالم ويعزز حالة الانقسام التي طغت عليها منذ الصراع بين إبراهيم منير ومحمود حسين.
ويعتقد بعض المراقبين المتخصصين في المشهد السوري أن الجولاني يريد من خلال مغازلة حركة “حماس” أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. فهو من جهة يدرك بحكم براغماتيته أنه قد يضطر في مراحل لاحقة إلى الاستفادة من تجربة “حماس” لبناء تحالفات مغايرة للتحالفات التي انخرط فيها عندما كان يتبنى خطاب الجهاد العالمي. ومن جهة ثانية، يريد الجولاني أن يوجه رسالة إلى خصومه في منطقة خفض التصعيد في إدلب التي يهيمن عليها أنه سيتبع نهج “حماس” في إدارة ملف هذه المنطقة خدماتياً واقتصادياً، وهو يدرك أن من بين خصومه حلفاء لحركة “حماس” مثل “أحرار الشام” ما قد يرفع من شعبية الجولاني بين هؤلاء.
ولكن قد يكون الهدف الأهم الذي يسعى إليه الجولاني هو محاولة العمل على تعزيز الشرخ داخل جماعة “الإخوان المسلمين” من أجل استغلال الخصومة المستشرية بين أجنحتها المختلفة لتعزيز فرصة “الهيئة” في احتكار أي تمثيل سياسي لمنطقة إدلب عندما تتحرك عجلة التفاوض لحل الأزمة السورية.
وقد لا يكون من قبيل المصادفة أن يتزامن ذلك مع ما كشفه موقع “النهار العربي” من قيام أنقرة بتعيين مسؤول عسكري جديد للملف السوري هو أبو داوود أحد أعضاء فريق المسؤول الأسبق أبو الفرقان الذي كان معروفاً بانحيازه لجماعتي “الإخوان” و”التركمان”.
ولعلّ الجولاني يحاول الاستعداد للتعامل مع سياسة تركية جديدة قد يكون أحد أهدافها تنفيذ التفاهمات الثنائية مع موسكو والتي يأتي في صدارتها التخلص من الجولاني وجماعته، ووجد نفسه جرّاء ذلك بين خيارين، إما أن يتظاهر أنه “إخواني” أكثر من “الإخوان” وإما أن يحاول تحصين نفسه عبر التقارب مع “حماس” للاحتماء واجتناب أي طعنة غدر تأتيه من الظهر.
المصدر: النهار العربي