خوف من انهيار التعليم في ريف حلب

عائشة صبري

تُعاني المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري (المدعوم من تركيا) بريف محافظة حلب شمالي سورية، من سوء إدارة في مجالسها المحلية وشبه استقلال في عمل كل منها عن الآخر. كما أن سوء إدارة الملف التعليمي بشكل عام أدى إلى تدهور القطاع على الرغم من أهميته لتعليم وتمكين الأجيال الجديدة.

كما أن تدمير عدد من مدارس المنطقة نتيجة قصف الطائرات والمدافع، واكتظاظ السكان في ظل موجات التهجير القسري والنزوح، دفع عدداً من المدرسين إلى افتتاح معاهد خاصة، لكن غير معترف بها رسمياً. ولكلّ منطقة مديرية تربية مستقلة عن الأخرى، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام في ما يتعلق بالإشراف التركي على عملها ودعمها. تتبع منطقتا الباب وجرابلس ولاية غازي عينتاب وأعزاز والراعي ومارع وصوران، واثنتان تتبعان ولاية كلّس. أما منطقة عفرين ونواحيها الست فتتبع ولاية هاتاي.

وتكمن الصعوبات في عدم توفر وسائل النقل. وفي حال توفرها، فإن الأهل يكونون عاجزين عن تأمين رسومها. كما أن بعض الأطفال لا يجيدون القراءة والكتابة لانقطاعهم عن التعليم من جراء النزوح، عدا عن قلة عدد الخريجين الجامعيين والخبراء، وعدم الاعتراف بالمعاهد الخاصة، كما يقول مدير معهد العبقري في مدينة مارع شمال حلب زاهر فرزات. ويوضح لـ “العربي الجديد” أنّ المعهد يؤمن الدروس من الصف الأول ابتدائي وحتى الثالث ثانوي، لكن لا يستطيع معظم الأهالي تسديد الأقساط. ويصل قسط قسم البكالوريا في العام إلى 200 دولار. وفي مارع، هناك نحو عشرة معاهد للتدريس. ويطالب “بالاهتمام بأبنائنا الطلاب أكثر من خلال توفير المناخ والبيئة المناسبة للتعليم وتوفير الوسائل التعليمية الحديثة، والاهتمام بالمناهج وخصوصاً أنَّه يتم حذف جزء كبير منها عشوائياً”.

وفي مدينة جرابلس شرقي حلب، وتُعرف بمنطقة درع الفرات، يفيد مؤسس مدرسة “مقاصد” وروضة “تمكين” عبد الرحيم الحمادي في حديثه لـ “العربي الجديد”، بأن مشكلة التعليم في مناطق حلب متشابهة، وتكمن الصعوبات في تأمين المناهج التعليمية واللباس الموحّد للتلاميذ كي لا يشعروا بالفروق المجتمعية في ما بينهم، بالإضافة إلى غلاء أسعار ما يحتاجه التلاميذ من أدوات للدراسة.

ويشير إلى أنّ عدد الكادر التدريسي في المركزين هو 45 معلماً، وعدد التلاميذ هو 410. يضيف: “نحن بصدد الحصول على ترخيص من قبل التربية في مديرية التربية والتعليم في جرابلس”. وهناك إقبال كبير على التعليم الخاص لأنَّه يُقدّم تعليماً نموذجياً ومميزاً، موضحاً أنَّ المدارس الخاصة في جرابلس هي “مدارس تشغيلية وليست ربحية، وهناك ست مدراس خاصة، علماً أن متوسط رسم التلميذ هو 600 ليرة تركية في الفصل لكل مراحل الدراسة، بدءاً من رياض الأطفال وحتى البكالوريا”.

ويطالب الحمادي المعنيين بالإسراع في ترخيص معاهد التعليم الخاص، وتأمين الكتاب المدرسي والألبسة المدرسية الموحدة، داعياً وزارة التربية في الحكومة المؤقتة إلى متابعة التعليم والتواصل بشكل رسمي مع المدارس الخاصة في كافة المناطق وتقديم ما يلزم.

يتحدث أحد الأستاذة في مدرسة في مدينة عفرين شمالي حلب، وتُعرف بمنطقة “غصن الزيتون” لـ “العربي الجديد” عن مشاكل التعليم في عفرين عموماً ومنطقة راجو خصوصاً، وأولها اكتظاظ الصفوف. ويتراوح عدد التلاميذ في الصف الواحد من 50 إلى 60، بسبب اكتفاء الوزارة بتأمين راتب أستاذ إضافي، واختيار المدرّسين بطريقة غير مهنية.

كما أنّ المناهج تعدّ “غير مناسبة” لأطفال ولدوا وتربّوا في ظروف القصف والنزوح، في وقت يوضع التلاميذ بشكل عشوائي من دون مراعاة العمر، لانقطاع البعض عن الدراسة. بعض الأطفال في الصف السادس لا يعرفون القراءة والكتابة، وهذه كارثة للتلميذ. لذلك، يجب أن يخضع لدورات تقوية قبل أن يتابع الدراسة.

من جهة أخرى، يجب فتح مدارس جديدة أو ترميم تلك المدمرة في المناطق النائية. ويطالب الأهالي مديرية التربية في عفرين بترميم المدرسة على حسابهم الشخصي لكن طلبهم رفض. ويشكو بعضهم العنصرية والتمييز في التعامل بين الأكراد والعرب. ويعامل الأستاذ الكردي بإيجابية والعربي كموظف درجة ثانية. وفصل بعض المدرّسين الذين يتمتعون بقدرٍ عالٍ من العلم والخبرة لـ “أسباب تافهة”.

كما لا يتجاوز راتب المعلم الشهري 750 ليرة تركية (نحو 45 دولاراً). ويوقّع الأستاذ على شروط منها ألا يعمل بمهنة أو مكان آخر، أو يقوم بدورات خاصة أو يطالب بزيادة الراتب. كما يوقع على تعهّد يُمنع بموجبه من التحدّث عن مديرية التربية والتعليم تحت طائلة المسؤولية. ويقال للأستاذ: “إن لم يعجبك قدّم استقالتك”.

ويؤكد المكلّف بتسيير أمور وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الله عبد السلام، في حديثه لـ “العربي الجديد”، أنَّه “لا دور للوزارة في المدارس الممتدة من عفرين شمالاً إلى جرابلس شرقاً كونها تتبع المجالس المحلية التي تمارس الحوكمة. بالتالي، فإن المستوى التعليمي في هذه المنطقة ينهار. ويرى أن أحد الأسباب هو “ضعف الذين تولوا تنظيم الإدارة التعليمية على الأرض. كما أنّ الحذف من المنهاج يحصل بعشوائية بحسب مديريات التربية والتعليم في المجالس المحلية”.

وتدير وزارة التربية والتعليم شؤون التلاميذ في منطقة ريف حلب الغربي وريف حماة واللاذقية وإدلب. ويمكن للتلاميذ تقديم امتحان الشهادة الإعدادية والثانوية بشكل حرّ من خلال الوزارة. وعن الخطط التعليمية في المنطقة التي تجري امتحاناتها الحكومة المؤقتة، يقول عبد السلام: “نتبع المنهاج التعليمي الصحيح، ورفعنا المستوى عبر التدريس وأسئلة الامتحانات، ولم تحصل سوى تلميذة واحدة على العلامة التامة في البكالوريا العام الماضي”.

وفي ما يتعلق بالمدارس المدمرة، يقول عبد السلام إنّ معظم المدارس المدمّرة قد رممت من قبل المجالس المحلية من خلال واردات المعابر الحدودية. وتقدر نسبة المدارس الخارجة عن العمل بنحو 3 في المائة. بالتالي تجاوزنا مرحلة التدمير وبات الكادر التدريسي موجوداً”.

أما في ما يتعلق بالاعتراف بالشهادات الصادرة عن المجالس المحلية بريف حلب، يوضح عبد السلام أنّ شهادة المجالس المحلية تصدر بإشراف وزارة التربية التركية، لكن لم يتم تصديقها من قبل وزارة التربية العام الماضي لأنّ التسجيل في الجامعة يكون شرطياً ولم يتم تسليمنا قاعدة بيانات نتائج الثانوية من أجل تصديقها لقبولهم في الجامعة”. كما يشير إلى أن نسبة قبول شهادة الطلاب من المجالس المحلية في جامعة الشام الخاصة يقدر بـ 20 في المائة، ونسبة المقبولين منهم في جامعة حلب الحرة 8 في المائة خلال العام الماضي في ظل “تدني المستوى التعليمي للطالب كونه حصل على الشهادة بسهولة”. وسجّل 300 طالب في كلية الهندسة عام 2019 لينسحب منهم 150 طالباً لعدم مقدرتهم على متابعة المنهاج الجامعي.

المصدر: العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى