تتأسس عملية إعادة تحريك المسألة السورية تفاوضيًا وميدانيًا على عدة عوامل، يندرج في جوانيتها وأساساتها إعادة العلاقات البينية الخليجية التركية إلى سابق عهدها، والتشبيك السياسي والجيوسياسي بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج من جهة والدولة التركية الفاعلة جدًا في القضية السورية من جهة أخرى.
من هنا فقد تأتي الزيارة التركية الرئاسية والقمة المرتقبة في الأمارات العربية المتحدة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والقيادة العربية الأماراتية، لتكون مدخلاً مهمًا لابد منه باتجاه إعادة العلاقات الأهم وهي بين تركيا والسعودية، ليس من أجل تمتين العلاقات الاقتصادية وتثميرها بينهما فقط، بل في سياق إعادة المسألة السورية إلى سكة الانطلاق من جديد، وخاصة حول ما يتعلق بالدفع قدمًا نحو مزيد من الفاعلية الاقليمية والدولية لثورة الشعب السوري، وحل الإشكالات العالقة، وأولها مسألة توقف وتعثر هيئة التفاوض التي مقرها الرياض، وهي مازالت متوقفة عن أية فاعلية منذ اجتماع (المستقلين) وانتخاب ممثلين جدد لهم، وهو مالم يقبل به الفاعلين في الائتلاف وأيضًا الداعم التركي في حينها.
التوقعات تقول أن قمة أخرى مرتقبة بين العاهل السعودي والرئيس التركي قد تكون أصبحت قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ الواقعي القريب، ويترقب السوريون بمزيد من التفاؤل مثل هذه القمة إن حصلت، ويبدو أنها ستحصل قريبًا، وهو ماتم لحظه من حراك تركي واضح المعالم باتجاه دول الخليج ومصر أيضًا، وصولًا إلى توافقات وتفاهمات حول الكثير من المسائل الخلافية السابقة.
والذي يهم السوريين بمجملهم هو عودة أكيدة لفاعلية علاقات أفضل بين الدولتين الكبريين في المنطقة، والأكثر فاعلية ودعمًا للقضية السورية منذ انظلاق الثورة السورية أواسط آذار / مارس 2011، بما سينعكس بالضرورة إيجابًا على القضية السورية في مجملها.
ولقد كانت الكثير من الخطوات التي جرت مؤخرًا من خلال إجراءات ائتلافية تشير إلى توجه نحو حلحلة الإشكالات العالقة بين الإئتلاف والمملكة العربية السعودية، وكذلك بين الدولتين الإسلاميتين تركيا والسعودية. فكانت دعوة قيادة هيئة التنسيق إلى اسطنبول والاجتماعات الطويلة بين الائتلاف وبين هيئة التنسيق التي ساهمت في فك بعض العقد العالقة، وأهمها مسألة المستقلين ومسائل أخرى تهم الجانبين من أجل تفعيل هيئة المفاوضات إلى سابق عهدها، والبحث في ماهية الولوج من جديد إلى عمل نشيط لهيئة التفاوض، بدعم سعودي تركي مشترك.
علاوة على أن القرار الذي اتخذه الائتلاف بإنهاء عمل نصر الحريري من هيئة التفاوض كان المراد منه أن يكون بادرة حسن نية مع المملكة العربية السعودية، بعد تصريحاته السابقة والحادة تجاه الدور السعودي إبان اجتماع المستقلين بالرياض في حينها، بالإضافة إلى التصريحات الأخيرة والواضحة للمسلط رئيس الائتلاف بما يخص الانفتاح على العرب وخاصة السعودية والخليج بما يوحي أن الائتلاف ينتظر دعوة قريبة لقياداته إلى الرياض لكسر الجليد المتراكم سابقًا، كما أن انتخاب المسلط كوجه عربي عشائري ليكون رئيسًا للائتلاف جاء وفق هذا المنظور التقاربي مع السعودية، وهي التي كانت لها الكثير من العلاقات التاريخية مع العشائر العربية في سورية ومنها عشيرة سالم المسلط بالضرورة.
يبدو أن قادم الأيام ستشهد الكثير من الحراك في المسألة السورية، وسوف يكون مرتكزه الأساس هو إعادة بناء علاقات خليجية تركية متينة ذات مصالح مشتركة، وقوفًا بمواجهة التغول الإيراني على المنطقة برمتها، وكذلك بعد التصريحات الروسية التي لم تعد ترى في اللجنة الدستورية أي بوابة نحو التغيير الضروري في سورية، وهي التي لم تكن تراه بالأساس وفق ذلك.
كما أن استمرار التصعيد الروسي بالاشتراك مع النظلم السوري في إدلب، واستهداف المدنيين وتواصل المجازر تلو المجازر، مايدفع بالضرورة إلى مزيد من الحراك الإقليمي نحو لجم التطاول والاستفراد الروسي ضد الشعب السوري، أمام صمت العالم، وتخلي الأميركان عن الفعل الجدي في المسألة السورية.
أوضاع إدلب تقلق السوريين وكذلك الأتراك ومعهم السعودية التي لا ترى بنظام الأسد إلا قاتلًا لشعبه، وأنه لم يحرك ساكنًا باتجاه حل المسألة السورية سلميًا، حيث مايزال يرفض الولوج في الحل السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة. ولعل الموقف السعودي الواضح في الأمم المتحدة مؤخرًا ماسؤكد نية السعودية بعدم الموافقة على عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية في مؤتمرها القادم خلال شهر آذار/ مارس 2022. وعلى هذا الأساس فإن التوجه التركي نحو إعادة العلاقات القوية مع الخليج وخاصة السعودية سيعطي الأمل من جديد للسوريين إلى مزيد من التفاؤل، رغم حالة الانسداد التي تعيشها القضية السورية خلال السنوات الأخيرة.
صحيح أن اللجنة الدستورية تستمر في رحلة الشتاء والصيف بلا أمل يرتجى، ومسار جنيف متوقف منذ زمن طويل، بعد أن عملت على تجميده الدولة الروسية، واستعاضت عنه بمسار أستانا سيء الذكر، الذي أدى إلى قضم المزيد من الأرض السورية التي كانت تسيطر عليها المعارضة السورية، والفرجة المستمرة من قبل الأميركان والأوربيين، لكن ذلك لايعني بالضرورة عدم وجود ضرورة لتوافق السوريين على هيئة متجددة للتفاوض تكون مستعدة للعمل المفيد فيما لو تحركت مسارات الحل السياسي حول سورية، بمساعي سعودية تركية قطرية مشتركة، وهو مائؤكد أهميته أن مؤتمر (الرياض 3) قد يكون أصبح ليس بعيدًا نحو إعادة تفعيل هيئة التفاوض السورية بدعم تركي سعودي وموافقة وإشراف وتكليف دولي.
ولعل ماسيشهده عام 2022 من حراكات عملانية في هذا الميدان وضمن هذه المتغيرات، وما يحكى عن ندوة يقودها رياض حجاب في الدوحة/قطر خلال شباط/فبراير القادم، وكذلك حراك المجلس العسكري السوري، وجولات قادمة له، يبين أن مسارات كثيرى تتحرك واقعيًا وملموسيًا، وقد تؤثر جديًا في إعادة القطار إلى سكته، ولتكون صافرته قد أضحت على الأبواب.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا