تبدو المخاوف الدولية والأممية من انتشار فيروس «كورونا» المستجد في سورية في محلّها، نظراً لغياب المسؤولية والشفافية والكفاءة على المكافحة أو الاحتواء من قبل أطراف الصراع كافة، لاسيما مع إصابة ووفاة المئات من السوريين بالوباء، وسط استحالة توثيق كل الحالات في بيئة لا تتوفر فيها أدنى مستويات الحرية الإعلامية، وفي ظل الضغط الأمني على الجهاز الصحي.
النظام السوري أعلن عن تسجيل أوّل إصابة بفيروس كورونا بعد تكتم طويل، في 22 آذار/ مارس وحتى 30 من الشهر نفسه، ارتفع عدد الإصابات المعلن عنها إلى 10، مع تسجيل حالتي وفاة، لكن مصادر طبية خاصة أكدت لـ»القدس العربي»، أن عدد الإصابات غير المعلن عنها قد بلغت المئات.
نتائج وخيمة
طبيب مختص في دمشق قال لـ»القدس العربي»، إن عشرات الإصابات بفيروس كورونا المستجد موجودون في مشافي العاصمة وموزعون على كل من «المواساة» و»الكندي» و»الأسد الجامعي» كما خصص النظام السوري مشفى في مدينة الزبداني لاستقبال الإصابات بالفيروس بغرض الحجر الصحي عليهم.
وحسب الطبيب المختص، فإن بعض الأقسام في مشافي دمشق تم تفريغها تماماً وتخصيصها لعلاج الحالات الحرجة من مرضى كورونا، لافتاً إلى أن وزارة الصحة لا تعلن عن كل الحالات والوفيات نتيجة هذا الفيروس، وقال الطبيب المختص لـ»القدس العربي» إن «ما يجري في المشافي حالياً هو الحجر على المرضى كما يتم الحجر أيضاً على الجثث إلى حين صدور نتائج المسحات التي يكون بعضها إيجابياً» قبل تسليمها لذويها، عازياً السبب إلى «وفاة العديد من المصابين بالفيروس قبل صدور نتائج المسحات، وقال أيضاً «أعداد المصابين بالمئات ويصل بعضهم إلى المشافي بحالات حرجة، فيما تعاني المشافي من ضعف القدرة إزاء مكافحة الوباء».
ويواصل النظام السوري سياسة التكتم عن الأعداد الحقيقية للمصابين بفيروس كورونا ضمن مناطق نفوذه، فيما وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان معلومات جديدة حول تفشي الوباء من مصادر طبية موثوقة، قالت إن أعداد المصابين السوريين في محافظة اللاذقية بلغ 26 حالة مؤكدة، وفي محافظة طرطوس نحو 16، في حين هناك 30 حالة مؤكدة في كل من حلب ودمشق وحماة وحمص ودرعا، وبذلك بلغ العدد الإجمالي للمصابين بفيروس «كوفيد-19» ضمن مناطق نفوذ النظام السوري نحو 72 إصابة مؤكدة.
كما ارتفع تعداد الأشخاص الذين جرى وضعهم بالحجر الصحي إلى نحو 500، نتائج 220 منهم كانت سلبية وجرى إخراجهم، بينما كانت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري أعلنت يوم أمس عن ارتفاع عدد الإصابات إلى 25 إصابة مؤكدة بفيروس «كوفيد-19″.
على الأرجح فإن الكارثة الإنسانية التي يعاني منها سكّان سوريا منذ سنوات ستزداد جراء انتشار الفيروس فيها خاصّةً في المناطق المكتظة بالسكان مثل محافظة إدلب، وفي هذا الإطار يقول الباحث فراس فحام إن مخاوف الأمم المتّحدة من انتشار الوباء في سوريا تبدو في محلها، إذ انه من المحتمل أن تؤثّر جائحةُ «كورونا» على مُختَلَف الأصعدة على الساحة السورية، كما أن مشروعيّة حكم بشار الأسد المشكوك بها والتي كان يعمل على دعمها، قد تتآكل أكثر نتيجةً للضغط الشعبي المحتمل.
وأضاف فحام لـ»القدس العربي»، أنه في حال زادت وتيرةُ العدوى بين عناصر الميليشيات الإيرانية في سوريا وإيران فستكون إيران في وضع صعب للتقدم في برنامج تمترسها في سوريّا، كما سيتباطأ تقدّم دمشق العسكريّ نظرًا للضرر المحتمل الذي يصيب مصادر دعم النظام الرئيسية، إيران وحزب الله إضافة إلى روسيا، وبالتالي فإنه يجب على إسرائيل – المنشغلة بمواجهة أزمة كورونا بطبيعة الحال، تجنّب الهجمات المتزايدة في سوريا وأن تسمح لمحور إضعاف إيران أن يأخذ مساره المستَقِلّ.
التعامل مع الجائحة
ونقل الخبير السياسي السوري ماهر علوش لـ»القدس العربي»، عن مصادر موثوقة، ان عدد الإصابات غير المعلن عنها في سوريا، قد يصل إلى المئات. ولكن تأكيد ذلك يمكن أن يكون مستحيلاً من وجهة نظره، لاسيما في ظل الضغط الأمني على الجهاز الصحي والإعلامي، بما يعني غياب إمكانية الفحص الواسع أو حتى المحدود. أما عن جملة الإجراءات التي أصدرها النظام السوري للحد من تفاقم انتشار الفيروس، فهي ما أعلن عنه في منتصف شهر آذار/مارس الفائت وأهمها حسب «علوش» تعليق الدوام في المدارس العامة والخاصة لجميع المراحل، وتأجيل انتخابات مجلس الشعب السوري إلى 20 أيار/ مايو 2020، إضافة إلى تعليق جلساته حتى إشعار آخر.
كما فرض إجراءات لتقليل الازدحام والتجمعات، وإغلاق المحلات التجارية غير الضرورية، وفرض حظر تجوال جزئي من الساعة 6:00 مساء وحتى 6:00 صباحاً، كما أغلق جميع المنافذ البرية مع تركيا ولبنان، وأوقف وسائط النقل الداخلي بين المحافظات وداخلها، وعلق الرحلات الجوية الخارجية وإخضاع الوافدين قبيل تطبيق القرار إلى حجر صحي مدّته 14 يوماً.
ويمكن وصف إجراءات النظام السوري لمكافحة فيروس كورونا حسب علوش بالراديكالية والعنيفة «هذا عدا عن غياب الشفافية، بشكل يعكس «طبيعة العلاقة بين المواطن والسلطة التي لا تكترث إلى المخاطر التي قد تلحق بالسكان ما لم تمسّ مصالحها مباشرة».
وأضاف علوش لـ»القدس العربي»، أن هذه الإجراءات المتأخّرة التي اتّخذها النظام السوري، ترتبط بجملة من التهديدات التي قد تطاله في ظل الأزمة الاقتصادية والعقوبات التي يعاني منها، وأهم هذه التحديات، ضعف القطّاع الصحي العام والخاص، وهو ضعف قديم يعود إلى ما قبل عام 2011، وازداد بشكل كبير بعد ذلك.
إضافة إلى استنزاف القطّاعين العسكري والأمني اللذين يُشكّلان الضامن الرئيسي لاستمرار سيطرة النظام السوري، سواء من ناحية خطر انتشار الفيروس بين صفوف القوّات المسلّحة التابعة له وكذلك الميليشيات الأجنبية المقاتلة، ومن ناحية عدم قدرة القطاع الطبي على خدمة واستيعاب احتياجات القطّاع العسكري أثناء العمليات القتالية وبعدها.
إضافة إلى مشارفة القطاع الاقتصادي على الانهيار، إذا ما فرضت الظروف تجميد الحركة التجارية الداخلية والخارجية، لا سيما مع قرب تنفيذ قانون قيصر من قبل الولايات المتّحدة الأمريكية، إضافة إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية إذا ما استمرّت الجائحة لمدّة تزيد عن سنة، ما قد يزيد من زعزعة الاستقرار السياسي الذي يسعى النظام السوري إلى إعادة تثبيته شيئاً فشيئاً من خلال الأنشطة العسكرية والدبلوماسية التي تقودها روسيا وإيران. فضلاً عن تجميد أو تقليل الدعم العسكري واللوجستي المقدّم للنظام السوري من قبل روسيا وإيران، مع احتمال استئناف العمليات القتالية من قبل المعارضة السورية وحلفائها.
خريطة الانتشار
مركز جسور للدراسات ذكر ان عدد الإصابات بفيروس كورونا في سورية؛ بلغ حتى السادس من ابريل /نيسان/ أكثر من 161 حالة، بينما بلغ عدد الوفيّات 5 أشخاص، فيما تم الإعلان رسميّاً من قبل النظام عن 25 إصابة ووفيتين فقط.
ويعود هذا التفاوت في بيانات النظام السوري، حسب وصف الباحث السوري، إلى غياب الشفافية والمسؤولية والقدرة لديه على مكافحة الوباء، الذي يمثّل التحدي الأكبر بالنسبة له ولبقية أطراف الصراع خصوصاً من ناحية قدرة قطاعاتها الصحية على المواجهة أو الاحتواء.
المصدر: «القدس العربي»