تبدي أنقرة اهتماماً ملحوظاً برئيس الوزراء السوري السابق ورئيس هيئة التفاوض السورية السابق رياض حجاب، حيث التقى وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أمس الاثنين، حجاب، في العاصمة القطرية الدوحة، وذلك خلال زيارة وفد رفيع المستوى من الخارجية التركية إلى دولة قطر. ويزور جاووش أوغلو الدوحة في إطار الاجتماع التحضيري -على مستوى وزراء الخارجية – للاجتماع السابع للجنة الاستراتيجية العليا التركية – القطرية. وفي تغريدة حول اللقاء قال الوزير التركي إنه بحث مع حجاب التطورات الأخيرة في سوريا.
ونظراً لحالة الاستعصاء السياسي، وترهل المعارضة السياسية أداء ومؤسسات، كثرت التكهنات حول أهمية المشاورات السياسية واجتماع الوفد التركي الرفيع المستوى مع رياض حجاب، علماً أنها ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها حجاب مع مسؤولين أتراك وغربيين عقب انشقاقه عن النظام السوري عام 2012.
دور حجاب في مستقبل سوريا؟
ويترجم مراقبون وخبراء اهتمام الجانب التركي برياض حجاب، وبمكانته السياسية، بأنه يعود لدور مهم ومرتقب سيلعبه حجاب في مستقبل «سوريا الجديدة» معتبرين أن ذلك يخفي تحضيرات سرية لبناء كيان سياسي جديد للمعارضة السورية، وأن حالة الجمود في الملف السوري هي ما أكسبت هذا اللقاء الأخيرة أهمية وأثارت تأويلات متعددة بخصوص توقيت ومغزى وأهمية اللقاء بين حجاب ووزير الخارجية التركي.
الباحث السياسي لدى مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، أيمن دسوقي اعتبر أن اللقاء يندرج ضمن مساعي إعادة هيكلة المعارضة السورية ورفع مستوى أدائها، بما يستجيب للاستحقاقات القائمة. وما يعزز هذه القراءة وفق رؤية المتحدث لـ «القدس العربي» هو امتلاك حجاب طرحاً لإعادة هيكلة المعارضة السورية، إلى جانب مشاركته في ندوة علمية ستعقد في الدوحة نهاية كانون الثاني 2022، محورها تقييم مستجدات الملف السوري، والبحث عن الخيارات المتاحة لدفع الانتقال السياسي في سوريا وترتيب البيت الداخلي للمعارضة.
ويتقاطع ما سبق وفق دسوقي مع أحاديث متداولة عن توجه لدول داعمة للمعارضة للدفع في اتجاه إعادة هيكلية مؤسسات المعارضة، تنشيطاً لها وتحضيراً لها لخيارات سياسية ما تزال قيد التبلور. واعتبر الباحث السياسي أنه يمكن أيضاً قراءة اللقاء على أنه «رسالة تركية للتأكيد بأن حجاب شخصية سورية وطنية، وأن دوره يجب أن يلحظه أي ترتيب سياسي حالي أو مستقبلي» فضلاً عن أن هذا اللقاء يأتي في سياق مشاورات سياسية يجريها الجانب التركي بشكل دوري، مع شخصيات من المعارضة السورية بخصوص تطورات ومآلات الملف السوري.
كيان سياسي جديد؟
وكان جاووش أوغلو قد التقى وحجاب في الدوحة، في مارس/آذار الماضي، حيث ناقش الجانبان وفق تصريحات رسمية تطورات الوضع في سوريا. السياسي السوري درويش خليفة، اعتبر أن مجرد نشر وزير الخارجية التركي، تغريدة على حسابه في منصة تويتر، وتحدث فيها عن مناقشته لآخر التطورات على الساحة السورية مع رياض حجاب السوري، رئيس الوزراء المنشق عن نظام الأسد، فهو مؤشر على أهمية اللقاء وما جرى خلاله من نقاشات تهم الجانبين التركي والسوري المعارض. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تم تداول ورقة تشير إلى ندوة لرئيس الوزراء السابق رياض حجاب، دعا إليها العديد من الفاعلين في الفضاء السياسي العام بالمعارضة السورية إلى العاصمة القطرية الدوحة.
ويعني ما تقدم وفق ما يقول خليفة لـ«القدس العربي» أن «تأمين سفر وإقامة المدعوين، يتم بموجب موافقة مسبقة من قبل الدولة المضيفة» وأضاف «وبالتالي، قد نشهد قريباً كياناً سياسياً جديداً للمعارضة السورية، ولا سيما بعد حضور قطر وتركيا يوم الجمعة الفائت اجتماعاً للمجموعة الدولية المصغرة حول سوريا في العاصمة البلجيكية بروكسل».
وأكد الحاضرون عقب الاجتماع، على دعم وحدة سوريا وسلامة أراضيها، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله ومظاهره، وكذلك دعم تنفيذ كافة جوانب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بما في ذلك الوقف الفوري لإطلاق النار على صعيد البلاد، والإفراج عن المعتقلين بشكل تعسفي، وإيصال المساعدات بشكل آمن وبدون عوائق.
وفي مقال سابق للمحلل السياسي بكر صدقي في «القدس العربي» ناقش فيه ظهور بوادر آلية جديدة تلوح في الأفق، تنطلق من الدوحة، ومصممة لتكون بديلاً عن آلية أستانة ـ سوتشي.
حيث اعتبر صدقي أن عودة قطر للانخراط في الملف السوري توحي بنوع من التفاهم على ذلك مع السعودية، بعد إنجاز المصالحة الخليجية، مشيراً إلى أن هذه العودة «تجلت بأوضح صورها في عودة رئيس الوزراء السابق المنشق رياض حجاب إلى صدارة المشهد المعارض، بعد سنوات من تهميشه من قبل المحور السعودي ـ الإماراتي». وبرأي صدقي فإن «إنهاء الخلاف الخليجي قد انعكس إيجاباً على القضية السورية، على الأقل من حيث إنهاء الوضع المشلول لمؤسسات المعارضة الرسمية بسبب التجاذبات الإقليمية في داخلها. كذلك يمكن اعتبار استبدال «آلية الدوحة» بآلية آستانة، تطوراً إيجابياً بسبب استبعاد إيران منها».
ويعتبر الكثيرون أن رياض حجاب هو رجل دولة، كما يمثل شريحة كبيرة ويلتف حوله الكثير من السوريين المعارضين لنظام الحكم في دمشق. وعلى ضوء ذلك، قال المحلل العسكري والاستراتيجي العقيد محمد عيد الأحمد في اتصال مع «القدس العربي» إن «رياض حجاب هو رجل دولة… وهو أعلى منصب انشق عن النظام المجرم وكل خطاباته تدل على أنه رجل دولة» وترجم ذلك على أنه سبب اهتمام الجانب التركي، حيث قال «لذلك الأتراك وغيرهم يدركون ذلك، حتى في أمريكا استقبل استقبال كبار الضيوف وليس كرجل عادي سافر إلى أمريكا، كما أن رياض حجاب يمثل شريحة كبيرة ويلتف حوله الكثير من السوريين المنشقين وغيرهم ممن يرى فيه الرجل الذي ترك أعلى منصب من أجل شعبه».
وأضاف «لذلك تهتم تركيا وغيرها بمكانته السياسية» معتقدا أنه «سيلعب دور مهم في مستقبل سورية الجديدة». وقال الأحمد «حجاب مهم ليس للأتراك فحسب، بل حتى الأمريكان، وذلك لمكانته ولبنك المعلومات التي لديه عن النظام، فضلاً عن شعبيته… خاصة في ظل ما نراه من شخصيات المعارضة الضعيفة مقارنة مع شخصية حجاب المتزنة والوطنية بخطابها الذي شعرنا به أكثر من مرة كمراقبين وكسوريين يبحثون عن الخلاص».
«لا تطبيع مع النظام»
في غضون ذلك، علق وزيرا خارجية قطر وتركيا، على دعوة نظام الأسد للعودة إلى الجامعة العربية، مؤكّدين عدم إمكانية التطبيع مع «النظام». وبيّن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن خلال مؤتمر صحافي مشترك في العاصمة القطرية الدوحة، أنّ الأسباب ومباعث القلق التي دفعت لتعليق عضوية سوريا (نظام الأسد) في الجامعة العربية ما تزال موجودة. وأضاف «لا يمكن التطبيع مع نظام الأسد دون حل سياسي وإعادة النازحين واللاجئين» مردفاً: «لسنا في موقع يسمح للنظام بأن يحضر القمة العربية ونأمل أن تدرك الدول العربية ذلك أيضاً».
وقال وزير الخارجية التركي إنّ «دعوة النظام للجامعة العربية سوف تدفعه للاستمرار في بطشه وتعرقل الحل» مؤكّداً أنّ «الحل الوحيد في سوريا هو حل سياسي».
يأتي ذلك في ظل زيارة رسمية للرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى قطر، سيشارك خلالها باجتماع اللجنة الإستراتيجية العليا بين البلدين في نسخته السابعة.
وحسب وزير الخارجية القطري فإنّ القمة، التي تُعقد بين أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ستشهد توقيع مزيد من الاتفاقيات بين البلدين، كما سيبحث خلالها الرئيسان القضية الفلسطينية والتطورات في سوريا والعراق، إضافةً إلى الأوضاع في أفغانستان وقضية مطار كابل.
المصدر: «القدس العربي»