أثار المرسوم التشريعي 35 الصادر عن رئيس النظام السوري “بشار الأسد”، والمتضمن إلغاء منصب مفتي الجمهورية، موجة من ردود الأفعال، التي تراوحت بين قراءة الخطوة من زاوية تعزيز النفوذ الإيراني، أو إنهاء حالة الاعتراف بالإسلام السني كأكثرية في سوريا، أو تفسيره على أنه في إطار الصراع بين وزير الأوقاف “محمد عبد الستار السيد” والمفتي “أحمد حسون”.
المرسوم نص على تعزيز دور “المجلس العلمي الفقهي” التابع لوزارة الأوقاف، ويترأسه الوزير الحالي “محمد عبد الستار السيد”.
ويضم “المجلس العلمي الفقهي” ممثلين عن المشايخ المسلمين السنة الموالين للنظام السوري، إلى جانب رجال دين من الطوائف الشيعية، والدرزية، والعلوية، والإسماعيلية، ومنوط به إصدار الفتاوى والأحكام الشرعية المختلفة.
لا يمكن إغفال البعد السياسي للخطوة التي اتخذها النظام السوري، والتي تبدو أنها تتسق مع المسار الروسي عموماً، الساعي إلى احتواء كل الأطراف السورية ضمن جسم “أجهزة الدولة ومؤسساتها”، حيث تعمل موسكو على تقديم نفسها كضامن للأقليات العرقية والدينية، التي تحظى بدعم خارجي، وذلك لأن روسيا قلقة من أن تبقى هذه الأقليات بمثابة دولة داخل دولة، وبالتالي فهناك رغبة روسية بإرسال رسائل تطمين إلى الدول الداعمة لتلك الأقليات.
وأبدت موسكو مؤخراً خلال مفاوضاتها مع “مسد” موافقتها على إعطاء نوع من الخصوصية للمكون الكردي، على صعيد الاعتراف بالحقوق الثقافية، وتمكين العناصر المحلية في جانب الإدارة التي يمكن أن تأخذ شكلاً لا مركزياً.
أيضاً محافظة السويداء تشكل هاجساً لموسكو، التي تمتنع عن التلويح بالحل العسكري لفرض سيطرة النظام السوري فيها على غرار درعا، نتيجة حسابات سياسية دقيقة تتعلق بعدم الرغبة بإغضاب تل أبيب، لكن يبدو أن اللقاء الأخير بين “بوتين” ورئيس الوزراء الإسرائيلي “بينت” قد أثمر على صعيد إعطاء مساحة أكبر لموسكو في الجنوب السوري، ومحافظة السويداء تحديداً، فقد أوقف التحالف الدولي دعم “قوة مكافحة الإرهاب”، التي حظيت سابقاً بمشروع دعم استمر فترة ستة أشهر.
وبحسب ما أكدته مصادر خاصة لموقع “تلفزيون سوريا”، فإن العديد من التشكيلات المحلية أعلنت انفصالها عن “قوة مكافحة الإرهاب” نتيجة تعثرها، وعجزها عن دفع رواتب المقاتلين.
وفي السياق ذاته، فقد أجرى الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز داخل الأراضي الإسرائيلية “موفق طريف”، زيارة إلى جناح النظام السوري في معرض “إكسبو” في العاصمة الإماراتية “دبي”، في السابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، بعد أن لعب لسنوات دوراً في جمع التبرعات، وتقديمها للدروز في السويداء، بشكل مباشر ودون التنسيق مع مؤسسات النظام السوري.
وعززت موسكو اتصالاتها في الآونة الأخيرة مع المرجعيات الدينية الدرزية في السويداء، وعلى رأسهم الشيخ “يوسف الجربوع”، الذي وقف بوجه مشروع “حزب اللواء السوري”، وذراعه العسكرية “قوة مكافحة الإرهاب” المدعوم من التحالف الدولي.
بالنظر إلى الحراك الروسي إجمالاً في الملف السوري، يتضح أن تعزيز دور الطوائف من خلال “المجلس العلمي الفقهي”، خطوة تهدف إلى الاحتواء، وتوظيف دور تلك الوظائف على الصعيد السياسي، من خلال ضمان تأييدها للنظام السوري والدور الروسي، كمقابل للمجال الذي جرى إفساحه للأقليات لكي تلعب دوراً في التشريع الديني السوري، على حساب تراجع هيمنة الإسلام السني على الإفتاء والمرجعية الدينية الرسمية للبلاد.
وتعتبر عملية إشراك رجال دين شيعة في التشريع الديني السوري، بمثابة اعتراف رسمي بدور الطائفة الشيعية التي لا تشكل أكثر من 1% من سكان سوريا، وهذا يمكن فهمه على أنه امتياز لتلك الطائفة التي دعمت النظام السوري طوال سنوات الحرب، وكذلك لإيران التي تعتبر تنامي نفوذ الشيعة في سوريا ضمانة لنفوذها، وهذا بطبيعة الحال يتيح لروسيا الحفاظ على عملية ضبط النفوذ الإيراني، وجعله تحت رعايتها.
وتتسق هذه التغييرات مع سردية النظام السوري التي سعت إلى تثبيتها منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضده، والتي تتلخص بأن سوريا بلد طائفي متعدد، والنظام السوري يقوم بتنظيم العلاقة فيما بين تلك الطوائف، ويضمن حرياتها ويحميها من “التطرف”.
وبالمقابل قد تشهد الساحة السورية ارتدادات لهذا القرار، تحديداً على صعيد تأكيد وجهة نظر التنظيمات الجهادية، والراديكالية، التي كانت ترى أن ما يجري في سوريا هدفه إضعاف أهل السنة في البلاد، بالتالي قد نشهد انتعاشاً لنشاطها واستقطابها للعنصر البشري مجدداً، مما يمهد لموجة عنف جديدة طويلة الأمد.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا