“إيران في ذيل روسيا”.. علاقة لا تنفصم بل تنعدم فيها الثّقة!

يوسف بدر

لا يمكن وصف العلاقة بين روسيا وإيران بالوثيقة، إذ تنعدم فيها الثقة، كما تلعب موسكو دوراً في إدارة سياسة إيران الخارجية.

ففي نيسان (أبريل) 2021، كشف وزير خارجية إيران السابق محمد جواد ظريف، خلال مقابلة مسربة، عمّا يمكن أن يوضح لنا طبيعة العلاقة بين البلدين؛ فقد كشف أن روسيا هي من أدخلت إيران إلى سوريا من أجل دعم الحكومة السورية. وذلك بعدما تواصلت مع قائد فيلق القدس الإيراني الراحل قاسم سليماني. والأخطر قوله إن موسكو لم تكن ترغب في إتمام الاتفاق النووي خشية من انفتاح إيران على الغرب.

وفي آب (أغسطس) 2021، غضب ظريف من صورة نشرتها السفارة الروسية على “تويتر”، تجمع بين السفير لوان جاغريان ونظيره البريطاني سيمون شركليف يجلسان في البهو الخارجي للسفارة؛ حيث جلس كل من رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ورئيس الاتحاد السوفياتي جوزيف ستالين إبان الحرب العالمية الثانية، وقتما كانت إيران تخضع لاحتلال مشترك من بريطانيا والاتحاد السوفياتي.

ولم تكن هذه الصورة عفوية؛ بل تكشف عن طموحات روسية لصوغ علاقة مع الغرب، بحيث تكون لموسكو اليد العليا في توجيه سياسة إيران وإدارة المنطقة.

الإدارة في موسكو

إذا ما تأملنا موقف روسيا من الغضب الإيراني تجاه خطط تركيا وأذربيجان في منطقة القوقاز وبحر قزوين؛ نجد أن الموقف الروسي لم يكن بالمناسب، أمام صورة يبديها البلدان على أنهما حليفان. فقد استعرضت إيران قوتها من خلال مناوراتها العسكرية، بينما أرادت موسكو بالتزامها الهدوء أن تقول، إنها هي مَن تحدد كيفية إدارة المشكلة. فروسيا لديها مصالح في الحفاظ على علاقاتها بتركيا وأذربيجان، والانفعال العسكري الذي أبدته إيران، وظّفته بما يقرّبها من هذين البلدين؛ بأنها ما زالت سيدة اللعبة، ولا تريد أن تديرها على الطريقة الانفعالية للجمهورية الإسلامية؛ أي إنها لا تريد أن تتحول رأس حربة ضد أعداء إيران؛ بل هذا هو دور إيران بالنسبة اليها.

وبطريقة أخرى، تسعى روسيا إلى استمرار اعتماد إيران على إدارتها في حل الخلافات واللجوء إليها للاستفادة من نفوذها السياسي. ودليل ذلك، أن إيران لولا الدعم الروسي، ما كانت تحصل على عضوية منظمة “شنغهاي”؛  فقد أرادت موسكو من هذه العضوية، الاقتراب من حدود المصالح الغربية والأميركية في منطقة غرب آسيا. وأيضاً أن تستفيد من إيران في إدارة الأزمة الأفغانية التي تهدد أمن دول هذه المنظمة.

موسكو الباب العالي

عندما فكرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في تقييم سلوك إيران تجاه العودة الى عملية التفاوض في فيينا؛ لجأت إلى روسيا، فقد أوفدت مبعوثها الخاص إلى موسكو ليفهم مِن الروس ما هي نيات إيران تجاه الاتفاق النووي؟

والشاهد من ذلك، أن الولايات المتحدة تتعامل مع روسيا على أنها الباب العالي لإيران؛ فقد تواصلت مع روسيا بخصوص إيران، ليس لأنها حليفتها؛ بل لأنها تدرك أن موسكو، من خلال تجربة اتفاق 2015؛ استفادت من الاتفاق النووي في إدارة مصالحها مع الغرب، لا سيما مع الولايات المتحدة التي تفرض العقوبات عليها.

وقدم إيران في تخصيب اليورانيوم؛ يعني أنها قد استسلمت إلى اليأس من إمكان رفع العقوبات عنها، بخاصة أنها ترفض الإذعان لأي التزامات جديدة خارج شروط الاتفاق السابق. وأن روسيا عليها أن تلعب دوراً في دفع إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات.

روسيا تدرك عمق الأزمة التي تعيشها إدارة بايدن بعد الانسحاب من أفغانستان. وذلك بعدما لعبت موسكو دوراً واضحاً، عبر تحالفها، في إدارة سلوك إيران نحو مطاردة القوات الأميركية هناك وفي العراق. ومن ثم، فإدارة بايدن تحتاج إلى تحقيق انتصار في السياسة الخارجية بعدما انخفضت شعبيتها. وهذا لن يكون بالمجان بالنسبة الى إيران أو روسيا.

فضلاً، عن ثمار عودة إيران إلى التفاوض مع الولايات المتحدة التي لها مصلحة الآن في عودة النفط الإيراني؛ بعدما انخفض الإنتاج الأميركي وارتفعت أسعاره. وبعدما عجزت واشنطن عن سد الفراغ الإيراني في سوق النفط عبر قوى نفطية مثل السعودية. وهو ما يستدعي وضع روسيا في الحسبان؛ فهي لن تسمح بعودة النفط الإيراني إلى الغرب إن لم تحصل على مكسب في المقابل. وأيضاً، تدرك الولايات المتحدة أنها عجزت عن منع إيران من بيع نفطها، وأن العقوبات وجهت هذا النفط إلى الأسواق الآسيوية وعلى رأسها الصين.

كما يأتي إعلان إيران استعدادها لاستئناف المفاوضات النووية في فيينا، في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2021؛ نتاج فشل في توظيف علاقتها بروسيا والصين، في تخطي العقوبات الأميركية وتجاوز صعوبتها؛ حيث الاقتصاد الإيراني في حالة حرجة، واتفاقيتها الاستراتيجية مع الصين لم تجنِ منها الدعم المالي المباشر. وكذلك، مساعيها لإبرام اتفاقية استراتيجية مع روسيا ما زالت مرهونة بمصالح روسيا مع دول في الشرق الأوسط، منها إسرائيل.

روسيا مستمرة بالمشاركة في عملية التفاوض النووي مع إيران لضمان مصالحها من هذا التفاوض؛ فقد كانت تجربة اتفاق 2015 فرصة لها لاستكشاف سلوك إيران بعد ذلك، تجاهها وتجاه الغرب. إذ يتعامل الإيرانيون مع الروس بعدم ثقة، وكذلك الروس وجدوا أن الإيرانيين ليست لديهم مصداقية بعدما لم يمنحوا الشركات الروسية فرص الاستثمار المتوقعة؛ إذ كان رهان الإيرانيين على الغربيين. وهو دافع جعل روسيا تشارك في إفشال الاتفاق النووي.

ملكة الغاز

تحافظ روسيا تربعها على عرش الغاز من أجل الحفاظ على مكانتها الدولية؛ ولهذا سعت إلى منع وصول غاز إيران إلى أوروبا أو إلى جارتها باكستان.

وتدرك روسيا أهمية ورقة الغاز في إدارة مصالحها مع الأوروبيين؛ وبينما ذهب الإيرانيون لمد خطوط الغاز والنفط في سوريا نحو أوروبا؛ تعقبهم الروس لتدمير هذا الحلم. وهو ما حرم الأوروبيين من الاستفادة حتى من الغاز القطري، الذي كان سيأتيهم عبر العراق وسوريا.

وتكشف تصريحات لرئيس جمعية الغاز في إيران، ردشير دادرس، أن موسكو بموجب اتفاق مع طهران، قد حرمت الأخيرة حتى 2041 من استخراج الغاز من بحر قزوين، ما دام ميزانها الغازي إيجابياً ويغطي حاجاتها الاستهلاكية الداخلية. وهو ما يمنح روسيا التفوق على إيران في احتياطي الغاز. وإذا ما سعت إيران إلى ضخ غازها في بحر قزوين نحو أوروبا أو الصين؛ فإن هذا سيحتاج إلى التنسيق أولاً مع روسيا.

المحصّلة

إن عزلة إيران منحت لروسيا يداً عليا عليها، وأيضاً تستفيد من سياستها الانفعالية في إدارة مصالحها الإقليمية والدولية.

إن تقويم سلوك إيران يحتاج إلى الاقتراب أولاً من حلفاء لها مثل روسيا.

إن إيران ستعود إلى عملية التفاوض النووي لفشلها في الاعتماد على نفسها أو على حلفائها. لكنها في حاجة أيضاً إلى الغرب لتنويع علاقاتها الخارجية لتحقيق توازن فيها.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى