قراءة في كتاب: الرقة والثورة – ٢من ٣ -شهادة شخصية –

أحمد العربي

  • النظام يخترق الثورة والجيش الحر.

كان مسؤول الأمن العسكري في الرقة المساعد الأول محمد معلا ابو جاسم الذي يعتبر المرجع الامني الاول في الرقة، فهو يعلم كل صغيرة وكبيرة فيها. وكان رأيه هو السائد في كيفية التعامل مع الثوار الذين توسعوا وبدؤوا بتحرير تل أبيض والرقة والبلدات المجاورة لها. كانت خطة ابو جاسم الملقب ابو جاسم الأمن العسكري قائمة على دفع كل المخبرين والمرتبطين أمنيا معهم الى الالتحاق في كتائب الجيش الحر الناشئة حديثا، بكل ما فيها من اعتباطية وعشوائية وعدم خبرة، وطلب منهم أن يكونوا موجودين لتنفيذ المهام الموكلة لهم. والتي ركزت على عمليات اغتيال وقتل أهم الناشطين والقادة الميدانيين. وكان الناشطين المدنيين ومنهم معبد الحسون والمحيطين بهم قد شكلوا كتيبة جيش حر تحت تسمية ثوار الرقة، وتم تسليم قيادتها لابو عيسى صديق معبد الحسون، كذلك تشكيل كتيبة الناصر صلاح الدين من شباب الرقة الذين كانوا من ناشطيها الاوائل أيام التظاهرات السلمية، وكانوا حذرين جدا في التوسع وقبول المنضوين بهم، ويتبادلون قضاياهم بسرية مطلقة، بحيث كانوا أقل عرضة للاختراقات من مجموعات ابو جاسم الأمن العسكري، كما كان تمويل الكتيبة من جيوب الثوار الخاصة كل حسب امكانياته، واشتروا اسلحتهم من السوق السوداء ثم من ما استطاعوا الحصول عليه من المنشقين المنضوين معهم أو مما حصلوا عليه من المواقع العسكرية او الامنية التي سقطت بيدهم من النظام بعد تحرير تل ابيض وبعدها الرقة. كما تشكلت كتيبة حذيفة بن اليمان كنموذج عن كتائب ذات ابعاد عقائدية سلفية على يد احدهم من ابناء الرقة حيث جاء الدعم المالي والتسليح من حزب الامة الكويتي السلفي التوجه، والتحقت هذه الكتيبة اخيرا بداعش بعد ظهورها وهيمنتها. كما تشكلت كتائب ذات أهداف ذاتية مصلحية اقرب لعصابات السرقة والسطو، من أشخاص موتورين ومرضى نفسيين وأصحاب سوابق، اعتمدوا على السرقة والنهب والخطف وطلب الفدية، اضافة لمجموعات الامن العسكري التي توالدت ضمن المجموعات الثورية في الرقة وقامت بنفس الأدوار؛ قتل وسطو وتعذيب واختطاف. كان ذلك ذو تأثير سلبي جدا على الثورة حيث تم ربط فعل هؤلاء بالجيش الحر بقصد تشويهه وإسقاط مصداقيته. ولا يغيب عن بالنا التأكيد على اختراق هذه الكتائب من مجموعات ابو جاسم الأمن العسكري لتقوم بهذا الدور عن تخطيط مسبق.  وكمثال على تشكيل الكتائب المصلحية الأقرب للنهب والتشبيح والسطو فقد تشكلت كتيبة أحرار منبج ضمن قصد الاستيلاء على الرقة وليس تحريرها. ونهبها والتعامل مع اهلها كرهائن وما فيها كغنيمة، وهذا حدثنا عنه معبد الحسون كشهادة شخصية مع مسؤول في تلك الكتيبة.

كما اعتمد النظام على خلق ميليشيات الدفاع الوطني المنوط بها محاربة الثورة والثوار وحاضنتهم الشعبية القتل والتشبيح والنهب والترهيب وكان على رأسها أحمد منصور وهو علوي آخر مستقر في الرقة منذ زمن بعيد ومتزوج منها، خلق هذه المجموعات التي تتحرك وفق اجندة القوى الامنية ومتابعتها و التي لم تغادر الرقة بعد تحريرها. بل انتقلت الى العمل السري وبطرق مختلفة لاختراق الثورة لإسقاطها وإسقاط مشروعها ومشروعيتها.

  • النصرة و داعش و آخرين. اسلاميين تحت الطلب لخدمة أجندة النظام .

لم يكتف النظام بمحاربة الثورة السورية والجيش الحر واختراق القوى الثورية، وتدمير تجارب ادارة المناطق المحررة، بل عمل على اختراق هذه المناطق واعادة احتلالها والسيطرة عليها بطريقة مختلفة. لقد كان النظام السوري قد اختبر واستخدم واخترق التنظيمات المتطرفة في السنوات السابقة منذ ايام الاحتلال الامريكي للعراق وما قبله حيث اندفع كثير من الشباب السوري والعربي لنصرة العراق في حصاره والحرب عليه وبعد ذلك احتلاله في عام ٢٠٠٣م من قبل الامريكان. لقد دعم النظام السوري المتطوعين للجهاد في العراق لأهدافه في المساومة السياسية مع الامريكان قبل احتلال العراق ومنذ ضرب القاعدة لأمريكا عام ٢٠٠١م. حيث كان يسمح للإسلاميين للذهاب للجهاد في العراق، ومن ثم يعتقلهم، وكانت سجون النظام خاصة صيدنايا سجنا لقب اكاديمية الاسلاميين في سورية، حيث يعتقل فيها الاسلامي الذاهب أو العائد من العراق وحتى من فكر بذلك. ليسجن فيها سنوات و يصبح فيها كادرا منتميا فكريا وممتلئا بالاندفاع للفكر الجهادي السلفي، في عملية غسيل مخ عقائدي ونفسي وروحي، ويصبح مستعدا أن يكون منتميا للجهاد العالمي. كل ذلك تحت علم النظام و مراقبته ومتابعته، وعبر اختراق هذه البنى بكثير من الشخصيات التي عُرفت بعد ذلك والاغلب لا يعرف ولائه للنظام الا في اوقات لاحقه والعض يبقى مجهولا. ونموذج ذلك محمود قول اغاسي الداعية الديني الذي كان يدفع الشباب للذهاب الى العراق للجهاد والذي تبين بعد ذلك أنه أحد أدوات النظام السوري وينفذ أجندتها.

عندما تحولت الثورة السورية الى المرحلة العسكرية، وبدأ النظام يخسر الأرض والشرعية، اعتمد على آلية أخرى يعيد بها سيطرته على الأرض في المناطق المحررة. إضافة للآليات السابقة. فقد قام النظام منذ بدايات الثورة بالإفراج عن معتقلي سجن صيدنايا المنتمين للفكر الاصولي الجهادي السلفي، وخرج هؤلاء الكوادر ليكونوا قادة اساسيين في تشكيلات النصرة وأحرار الشام وداعش بعد ذلك. وكان هؤلاء مخترقين من قبل كثيرين من الكوادر التابعة الى أجهزة النظام الامنية . لقد تبين بعد ذلك أن هذه التنظيمات المخترقة من الأجهزة الأمنية وانها تسير بوعي أو بدون وعي وفق اجندة النظام، وان اغلب قياداتها تابعة للاجهزة الامنية للنظام السوري.

لقد تابع معبد الحسون بدأب ودقة كيفية تغلغل الأجهزة الأمنية وخلاياها النائمة داخل النصرة و داعش وأحرار الشام وكيف كان لها دور أساسي في عملية إسقاط الرقة بيد داعش بعد تحريرها. وان داعش المسيطرة اسميا على الرقة هي عمليا بيد الاجهزة الامنية التي غيرت لباسها العسكري السوري ولبست ملابس داعش وحملت رايتها وارخت لحيتها. كان نموذجهم هو اللواء أديب سلامة رئيس فرع الجوية في الرقة هو القائد الفعلي لداعش وتحت يده ابو سعد الحضرمي والي الرقة و أبو لقمان المسؤول الامني لداعش في الرقة وهو أحد ضباط مخابرات النظام.

  • سقوط الرقة بيد داعش.

تعمق معبد الحسون في دراسة فكر داعش التكفيري الاستئصالي السلفي الجهادي، بالعودة الى كتاب ابو بكر ناجي في كتابه إدارة التوحش، لكن الاهم هو استخدام هذا الفكر وهذا الاعتقاد لضرب قوى الثورة السورية ممثلة بالجيش الحر كتيبة ثوار الرقة والناصر صلاح الدين. لقد كانت أجندة ضباط  المخابرات المهيمنين على مفاصل داعش القضاء على الناشطين الثوريين والقادة الميدانيين وإنهاء وجودهم واحتلال داعش للرقة والذي يعني ضمنا عودتها تحت سيطرة النظام.

لقد وجد الثوار أنفسهم أمام واقع جديد بعد تحرير الرقة، لقد شكلوا مجلسا محليا يمثل نخب الثورة في الرقة، لكنه تمت مواجهته بالرفض من النصرة وأحرار الشام تحت دعوى أنهم غير ملتزمين دينيا او علمانيين او لا يعملون لتطبيق الشريعة الإسلامية. كما يجب التنويه ان الاختراق الأمني موجود في قادة النصرة وأحرار الشام الذين قتل اغلب قادتهم في عملية امنية لم تعرف خفاياها بعد. كما طرحت النصرة ضرورة وجود هيئات شرعية تدير المناطق المحررة. هيئة لكل فصيل ثم هيئة مشتركة، هي حكم ديني سياسي اجتماعي قضائي وفق رؤيتم الخاصة وتفسيرهم المتطرف للاسلام، سيطرت هذه الهيئات على مفاصل المجتمع المحرر. يلتحق بهذه الهيئات الشرعية امنيين مطلقي الصلاحية، هم السلطة الحقيقية التي تتحكم في كل شيء. واغلب هؤلاء مخترقين من النظام بل ادواته المزروعة في هذه التنظيمات، كما اخترقوا من القوى الدولية والاقليمية المتدخلة بشكل مباشر وغير مباشر في الثورة السورية. هم المسؤولين عن استباحة دماء الكثير من الثوار وحتى المدنيين تحت دعاوى واهية. لقد كان امتداظ الثوار بداية داخل الرقة موزعة بين شهداء الرقة والناصر صلاح الدين وهم الغالبية، وقليل من عناصر النصرة والقليل من أحرار الشام. وكانت امكانية داعش لأن تحتل الرقة من ثوارها شبه مستحيل. لكن واقع الحال اكد ان هناك تواطؤ حقيقي بين النصرة واحرار الشام للانسحاب أمام داعش وترك لواء ثوار الرقة والناصر صلاح الدين في مواجهة داعش، تركوا وليس لديهم الإمداد من السلاح والعتاد الكافي. وزاد الامر سوء ان الكثير من مقاتليهم انسحب من المعركة الفاصلة دون إيضاح السبب الا الخيانة، وانهم مخترقين اصلا لصالح ابو جاسم الامن العسكري التابع للنظام او للنصرة واحرار الشام، فمن أصل ١٥٠٠ مقاتل قبل المعركة مع داعش بقي حين حصولها فقط ٤٠٠ مقاتل. وبعد عدة أيام من المواجهات واستنزاف السلاح. كان أمام لواء الناصر صلاح الدين ولواء الرقة وضمنه كتيبة شهداء الغوطة الذي يقوده أبو عيسى ومجلس القيادة فيه معبد الحسون وصديقه م د وآخرين.

لقد كان المسؤولين عن التحكم بمسار الواقع على الأرض في الرقة يتصرف وفق خلفية سماها معبد الحسون وقوع الرقة والثورة بين أنياب الغنيمة والقبيلة والتبرير. البعض تصرف مع الثورة وما حصل مع الشعب السوري بمنطق الغنيمة والمكسب وإن كانت سورية وشعبها ضحية ذلك. والبعض انطوى تحت دعاوى عقائدية دينية ظلامية مغلقة متخلفة واستباح الشعب والبلاد قتلا وتدميرا ونهبا. وهم دائما جاهزون لتبرير الهزائم والاختراقات وتقليل اهميتها ليسوء الحال اول بأول.

والبعض أخذ موقع المنتمي إلى القبيلة ومصالحها مستترا بمصالح قبيلته أو عشيرته ليحصل على مغانم خاصة، وهؤلاء دائما مع المنتصر. فهم مع النظام اصلا. ومع الثورة عندما حررت الرقة ومع داعش عندما أعادت احتلال البلاد. وبكل الأحوال هم رموز جوفاء لم تعد تعبر عن واقع مجتمعي حقيقي كما يقول معبد الحسون. فالبنية المجتمعية تجاوزت العشيرة لتصنع أنماطا اجتماعية ترتبط بمتغيرات لها علاقة بالمكان والزمان والمهنة والمستوى المعيشي والوعي الاجتماعي والغيرية والمصلحية… الخ. وان اغلب الناس ينظرون  لما حصل  مفسرين  كل شيء من موقع المتفرج العاجز، دون عمل جدي حقيقي لتجاوز ما أصاب السوريين من مآسي.

كان لأسلوب داعش الوحشي الذي يقتل الاسرى ولا يلتزم بعهد ولا اتفاق وبدعم مباشر من النصرة وأحرار الشام، الذين انسحبوا من الرقة وتركوها لداعش دون أي مقاومة. قدم ذلك مبررا لانسحاب ثوار الرقة من الرقة قبل أن يقعوا ضحية اطباق داعش عليهم حيث لم يعد لديهم سلاح يقاوموا به داعش. وضمن عملية معقدة ومدروسة أمنيا استطاعوا الخروج من الرقة الى مناطق جرابلس حيث دخلت داعش الرقة في أوائل عام ٢٠١٤م.

يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى