أجبرت الحرب الكثير من النساء في إدلب على النزوح من بيوتهن، باحثات عن الأمان، فكانت الخيام مستقراً لهن، والعراء بمثابة وطن جديد، يعانين فيه من غياب الخصوصية ونقص العلاج والتعليم والغذاء، وتحمل فقر الحال والأوضاع المعيشية المزرية.
أم وائل (38 عاماً) من مدينة سراقب، اضطرت للخروج مع أولادها بعد مقتل زوجها، واشتعال المعارك فيها قاصدة مخيم في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي، حرم فيه أولادها من حقهم في التعليم والرعاية الصحية، وعن معاناتها تتحدث لإشراق قائلة: “خرجنا من بيوتنا إلى العراء مرغمين، لنسكن في خيمة بالية لا تحمينا من برد الشتاء أو حر الصيف، نستنبت في كل يوم الأمل بالعودة إلى ديارنا التي نحنّ إليها كثيراً .”
وتشير أم وائل إلى أنها فقدت زوجها في إحدى غارات الطيران الحربي على المدينة قبل النزوح، لتجد نفسها في هذا المخيم مع الكثير من العائلات المنكوبة، تقاسي الأمرين في سبيل الحصول على لقمة عيش أسرتها، حيث بحثت طويلاً عن عمل مناسب دون جدوى، مما دفعها لإرسال اثنين من أولادها إلى العمل رغم صغر سنهم، في الوقت الذي يتوجب عليهم أن يرتادوا المدارس للحصول على فرصهم في التعليم . مضيفة بحزن: ” لكن ظروف الحياة كانت أقسى من كل تصور وجعلتني أضحي بمستقبلهم لنظل أحياء .”
أما غالية الرزوق (21 عاماً) فقد نزحت مع طفلها الوحيد من بلدة التمانعة بريف حماة برفقة أهلها بعد اعتقال زوجها في سجون النظام منذ ثلاث سنوات، تتشح بالسواد رغم صغر سنها، منتظرة بلهفة أن يرسل لها القدر إشارة واحدة توقظ الأمل في داخلها وعن ذلك تتحدث لإشراق قائلة: “فرض غياب زوجي حملاً ثقيلاً على حياتي، فعلي أن أعتني بطفلي وآخذ دور الأم والأب في وقت واحد، وأتنقل بين أهل زوجي وأهلي الذين طلبوا إلي مراراً ترك ولدي في عهد جدته وأعمامه للزواج من رجل آخر بحجة أنني مازلت صغيرة السن، وخوفاً من نظرة المجتمع للمرأة التي تعيش لوحدها دون زوج، ومحاولة استغلالها وتهميش حقها .”
وتؤكد الرزوق بأن حياتها أصبحت كالكابوس، فالجميع يملون عليها أوامرهم ونصائحهم، وكل منهم يعتبر نفسه وصياً عليها وعلى صغيرها، لكنها رغم كل شيء ترفض الزواج، وستظل تكافح في سبيل ذلك أملاً بخروج زوجها يوماً، وحفاظاً على طفلها الذي فتح عينيه على الحياة ليجد أمامه مشاهد القتل والدمار وصوت الرصاص وغياب الوالد، وخوفاً عليه من الضياع.
عن السكن في الخيمة تقول: “تنعدم داخل الخيمة الخصوصية، فعلينا أن نجلس وننام ونعد الطعام داخل الخيمة، ونتحمل حرارة الصيف وبرد الشتاء، كما نضطر لاستخدام الحمامات المشتركة، وهو ما يسبب إحراجاً كبيراً لنا، إلى جانب صعوبة تأمين مستلزمات النظافة الكاملة، بسبب قلة المياه ومواد التنظيف والعناية الشخصية، كما نضطر لحمل المياه من مسافات بعيدة للحفاظ على النظافة .”
ليس التصعيد العسكري هو من دفع أم ابراهيم (45عاماً) من مدينة حماة للنزوح إلى المناطق المحررة، بل خوفها على ولدها من الاعتقال مجدداً من قبل قوات النظام بهدف ابتزاز الأسرة مادياً، توضح لإشراق قائلة: “قامت قوة أمنية باعتقال ولدي الأكبر البالغ من العمر 20 عاماً على أحد حواجز المدينة، وبعد حوالي شهرين من اعتقاله تم خلالهما تدخل الوسطاء، ودفع الكثير من المال تم إطلاق سراحه، فقررت النزوح مع عائلتي حفاظاً على سلامة ولدي .”
تؤكد أم ابراهيم بأن تجربة النزوح قاسية وموجعة، وقد كان على أسرتها أن تواجه صعوبات كبيرة في تأمين السكن والعمل وصعوبة التأقلم مع مناخ مجتمعي جديد، لكنها تعتبر أن مسألة النزوح من المستطاع نسيانها والتأقلم معها وإن كانت صعبة، ولكن ما لا يستطيع أحد نسيانه هو فقدان أولادها للأبد، لذلك وجدت بهذا النزوح السبيل الوحيد للحفاظ على أبنائها من الظلم والتعذيب الوحشي في سجون نظام الاستبداد “على حد وصفها”.
المرشدة الاجتماعية نور السعيد (41 عاماً) من مدينة إدلب تتحدث عن أوضاع النساء في النزوح بقولها: “أمام استمرار الحرب وجدت المرأة السورية نفسها في ظل أوضاع صعبة بعد أن فقدت زوجها الذي استشهد أو اعتقل أو عاد إليها مصاباً غير قادر على العمل، ناهيك عن تحمل ويلات النزوح وفقدان الأمان والراحة .”
وتبين السعيد أن النزوح فاقم معاناة المرأة، ولم تتمكن الكثيرات من التأقلم مع واقع الخيام المؤلم، والانتقال من حياة البيوت والاستقرار إلى الخيام والتشريد، وعيش محنة الجوع والمرض، فيما رحلت أخريات عن الحياة بسبب ولادة متعسرة جراء انعدام الخدمات الصحية أو انتشار الأمراض.
وتشير السعيد إلى ضرورة تأمين وصول المساعدات إلى مناطق النازحين، والخدمات التعليمية للفتيات النازحات، وإنشاء نقاط طبية داخل المخيمات لتقديم خدمات الصحة الإنجابية للأمهات النازحات، وكافة الخدمات الطبية لمن يحتاجها.
الحرب السورية الدامية تركت أثراً كبيراً في حياة المرأة السورية التي عانت ومازالت تعاني من ويلاتها وتكافح بما أوتيت من عزيمة وإيمان للحصول على أبسط حقوقها المعيشية، بعد أن دفعتها قسوة الظروف لتحمل شظف العيش في مخيمات عشوائية بنيت على عجل تفتقد أدنى مقومات الحياة الكريمة.
المصدر: اشراق