مناضل وطني ورجل سياسة سوري، شارك في الحياة السياسية منذ صغره، عارض النظام بجرأة وحنكة، ولم يثنه كِبر سنه وصحته المتواضعة عن المشاركة في العمل السياسي والمدني الثوري، فكان من روّاد الصف الأول للمظاهرات السلمية التي انطلقت في مدينة دوما في الغوطة الشرقية.
ولد محمد نعمان الأجوة المُكنّى بـ “أبو صبحي” في مدينة دوما عام 1949، لعائلة عُرفت بانتمائها للوطن، والتزامها الأصيل بقضاياه، وحصل على شهادة في العلوم السياسية والاقتصادية من جامعة حلب.
انخرط في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي مُبكِرًا، وباشر حياته المهنية بالأعمال الحرة، ثم أسّس لأعمال تجارية بسيطة، توسّع فيها، رويدًا رويدًا؛ ليصبح واحدًا من أهم المقاولين في العاصمة دمشق.
لم يشغله العمل وأعباء الحياة عن ممارسة نشاطه السياسي والمجتمعي، فكان مناضلًا من أجل الحرية والكرامة، ولم يتخلَّ يومًا عن مواقفه الوطنية والقومية المناوئة للنظام.
ابتعد في منتصف التسعينيات عن النشاط السياسي في صفوف الحزب؛ ليبقى معارضًا مستقلًا يحمل فكره الخاص، ويتمتّع بشخصية قوية، وفكر حرّ، وعقل متنوّر، ورؤية وضّاءة للمستقبل.
كانت الثورة فرصته ليعبّر عن الحرية التي يتوق إليها، فكان في طليعة المتظاهرين في الأيام الأولى للثورة، ولم تخرج مظاهرة في مدينة دوما إلا وكان مشاركًا فيها؛ حتى المظاهرات الطلابية منها.
سعى النظام -بداية الثورة- للتحاور مع وجهاء مدينة دوما الثوريين، فحاول إشراكه في هذه الاجتماعات، مرة بالترغيب، وأخريات كثيرات بالترهيب، لكنه رفض الالتقاء بممثلين عن النظام رفضًا مُطلقًا، ضاربًا بكل تهديداتهم عرض الحائط، غير مبالٍ بها.
كان المخطّط والمَرْجع للشباب، يقصدونه للاستشارة، فجعل مكتبه مقرًا للاجتماعات اليومية لعقلاء المدينة ورموزها الثورية، ومنهم عدنان وهبي، ومحمد فليطاني، وعدد من قيادات الحراك الثوري الشبابية، ممّن لا يزالون على قيد الحياة، حيث كانت تُفتح النقاشات ويُخطَّط لما يتوجب فعله في الأيام المقبلة.
مع دخول الثورة حيّز العمل المسلح كان يعي خطورة هذا التحوّل؛ فلم يبتعد وينأى بنفسه، بل أصرّ على النُصح والإرشاد، وعلى أهمية ضبط السلاح، وجعله يخضع لقيادة وطنية ورؤية صحيحة؛ ما جعله مستهدفًا استهدافًا مُركّزًا من النظام، الذي كان يسعى لتكريس حالة الفوضى والتذرّع بها.
دوهم منزله عام 2012 أكثر من 50 مرة، وكان دائمًا يتمكن من الإفلات، على الرغم من كبِر سنه، وحالته الصحية الصعبة، وكان يتلقى -يوميًا- تهديدات من ضباط النظام وعملائه من أبناء المدينة بالاعتقال أو التصفية، لكنه لم يكترث لها، واستمر في نضاله، مُدركًا أن هذا النظام لا يمكن أن يستمر في حكم البلد وسرقة مواردها وقوت شعبها، مهما كانت المدّة والتكلفة.
بعد خروج دوما والغوطة الشرقية عن سيطرة النظام، عام 2012، ازدادت وتيرة القصف على الأحياء المدنيّة، ونزح عدد كبير من الأهالي، إلا أنه كان يرفض مغادرة منزله وحيّه، مؤمنًا بأهمية المكوث، مهما كانت النتائج، لكن وحشية النظام في القصف، وشدة المعارك القريبة من منزله أجبرته وعائلته على مغادرة المدينة؛ لتأمين النساء والأطفال في مزارع الغوطة الشرقية، واستُشهد في أثناء تأديته هذه المهمة، حيث قصفت طائرة (ميغ) المزرعة التي كان موجودًا فيها مرتين متتاليتين، فأصيب في الثانية، واستُشهد فورًا في الثلاثيين من تشرين الأول/ أكتوبر، عن عمر يناهز 63 عامًا.
كان لأولاده أبًا وصديقًا وأخًا، وعُرف بحبه للخير والعطاء، وحكمته في مساعدة الناس، فكان منزله قبلة للمتخاصمين، يدخلون بيته متنازعين، ويخرجون راضين ومسرورين.
المصدر: جيرون