لا يزال الجمود سيّد الموقف في جنوبي سورية، حيث لم يطرأ أي جديد على سير المشاورات التي يجريها الجانب الروسي لنزع فتيل صدام بين قوات النظام السوري والمليشيات الإيرانية من جهة، ومن ناحية ثانية مقاتلين محليين يدافعون عن أحياء درعا البلد، شرقي مدينة درعا، والتي باتت على حافة كارثة إنسانية بسبب الحصار المفروض على آلاف المدنيين منذ نحو 50 يوماً. وقال الناشط الإعلامي أحمد المسالمة، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن الهدوء يسود أحياء درعا البلد نهاراً، بينما تصعّد مليشيات النظام ليلاً من خلال استهداف الأحياء بالقصف بالمضادات الأرضية والأسلحة الرشّاشة ومحاولات التسلل. وأكد المسالمة سقوط قتلى وجرحى من قوات النظام، ليل الإثنين – الثلاثاء، خلال تصدي المقاتلين المحليين لمحاولة تقدم لمجموعات من هذه القوات على محور حيّ المنشية. وعلى صعيد التفاوض بين اللجنة المركزية التي تمثل الأهالي والنظام، أوضح المسالمة أنه “لا يوجد أي جولات مفاوضات معلن عنها حالياً”، مشيراً إلى أن آخر جولة من التفاوض حصلت يوم الجمعة الماضي. ورأى أن التأجيل “يأتي لزيادة الضغط النفسي على الأهالي وكسر إرادتهم في الحصار وكسب الوقت لاستقدام التعزيزات العسكرية”.
إلى ذلك، صدرت تحذيرات من تبعات الحصار المفروض منذ نحو 50 يوماً على أحياء درعا البلد، وعلى آلاف المدنيين الذين تقطعت بهم السبل، ولم يستطيعوا الخروج من هذه الأحياء. وتؤكد مصادر محلية أن الوضع الإنساني يكاد يكون كارثياً، حيث تسجل الندرة في الطحين والأدوية وحليب الأطفال في ظل انعدام الأمل بانفراج قريب. وذكر “تجمع أحرار حوران”، أمس الثلاثاء، أن مادة الطحين نفدت في أحياء درعا البلد، ما أدى إلى توقف الأفران، مشيراً إلى انقطاع المياه والكهرباء عن معظم الأحياء. وأطلق نشطاء سوريون حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، تحت هاشتاغ #درعا_تحت_الحصار، تحذّر من كارثة إنسانية في درعا، داعين إلى إضراب عام اليوم الأربعاء، وغداً الخميس.
ويشي الجمود في ملف المفاوضات بأن النظام لا يزال يصرّ على شروطه لإنهاء الحصار، من قبيل تسليم الأسلحة ودخول قواته، وخصوصاً “الفرقة الرابعة” التابعة لإيران، إلى أحياء درعا البلد، وتهجير كل من لا يوافق على الاتفاق إلى الشمال السوري.
من جهته، أوضح عضو هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، إبراهيم جباوي (وهو من أبناء محافظة درعا)، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “جرى مساء الإثنين (أول من أمس) اجتماع إلكتروني بين المعنيين الثوريين في درعا مع المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون”، موضحاً أن الأخير “وعد بالسعي لفكّ الحصار وإدخال المساعدات إلى سكان أحياء درعا البلد”. وتساءل جباوي: “هل يجد (بيدرسون) من يسمعه من الدول الفاعلة؟”. وحذّر عضو هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية من أنه “إذا اقتحمت الفرقة الرابعة وحزب الله والفصائل الإيرانية الطائفية أحياء درعا البلد، فإن ذلك يعني حدوث كارثة إنسانية تتمثل بالقتل والتنكيل والتشريد”. وبيّن أن اقتحام هذه الأحياء من قبل الميلشيات الإيرانية “يعني احتلال كامل الحدود مع الأردن، ما يحقق المخطط الإيراني بقرب الوصول إلى حدود بلاد الحرمين الشريفين (في إشارة إلى السعودية)، وهنا تكمن الكارثة الحقيقية”، على حدّ قوله. ورأى أنه “ينبغي على الأشقاء العرب التحرك بسرعة لدرء هذا الخطر الذي بات محدقاً، والذي سيؤدي الى احتلال عواصم عربية أخرى من قبل الإيرانيين، وتكريس المخطط الايراني في المنطقة”.
في موازاة ذلك، تحاول مجموعات مقاتلة معارضة للنظام في محافظة درعا، التخفيف من ضغط النظام على أحياء درعا البلد، من خلال استهداف قواته وحواجزه المنتشرة في المحافظة، حيث استهدفت مجموعة أمس، بالرصاص، أحد الحواجز الأمنية المتمركزة في مدينة الشيخ مسكين، وفق ناشطين أكدوا أن قوات النظام انتشرت بعد ذلك في المدينة في ظلّ أنباء عن وجود إصابات في صفوفها.
على صعيد آخر، زاد النظام السوري من وتيرة التصعيد على الشمال الغربي من سورية. وقالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد” إن قوات النظام كثفت من قصفها المدفعي والصاروخي أمس، على منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، ما أدّى إلى مقتل مدني وإصابة آخرين في قرية معرزاف. وجاء ذلك تزامناً مع تصعيد القصف على ريف حلب الغربي، ما أسفر كذلك عن مقتل طفلة وإصابة آخرين، بينهم طفلة، في قرية تديل.
من جهتها، قالت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، إن الطائرات الروسية وجهت أول من أمس “رسائل من نار” في محافظة إدلب ومحيطها “في دلالة على حنق روسيا من النظام التركي الذي يماطل في وضع جدول زمني لتطبيق اتفاق موسكو المبرم عام 2020″، وفق الصحيفة. وقالت “الوطن” إن الضربات الجوية الروسية “ستتوالى خلال الفترة المقبلة بفواصل زمنية أقل من سابقاتها”، مشيرة إلى أن الجانب الروسي يصر “على وضع جدول زمني لتنفيذه على الأرض، لا أن يترك إلى أجل غير مسمى”.
ويسعى الجانب الروسي في سورية إلى فتح الطريق الدولي “أم 4” الذي يربط الساحل السوري ومدينة حلب في شمال البلاد ويقطع محافظة إدلب، واستعادة الحركة التجارية عليه، لكن تعقيدات على الأرض تحول دون ذلك، مع وجود رفض شعبي لأي وجود روسي في الشمال الغربي من سورية. وأبرم الجانبان التركي والروسي اتفاقات عدة حول الشمال الغربي من سورية، إلا أنها لم تنفذ، ما خلا وقفاً هشّاً لإطلاق للنار، اذ لطالما خرقه النظام والروس ما يؤدي بشكل دائم إلى مقتل وتهجير مدنيين. ونشر الجيش التركي في الربع الأول من العام الماضي آلاف الجنود الأتراك في شمال غربي سورية، وأنشأ قواعد عسكرية كبيرة فيها، إضافة إلى عشرات نقاط المراقبة والارتكاز. وعلى الرغم من عدم تنفيذ اتفاق موسكو (الموقع بين تركيا وروسيا في مارس/ آذار 2020)، إلا أن الجانبين التركي والروسي لم يعلنا انهياره خشية الانزلاق إلى صدام ربما تصعب السيطرة عليه، في ظلّ وجود نحو أربعة ملايين مدني في محافظة إدلب ومحيطها. من جهته، رأى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” أن “النظام وروسيا يسعيان لتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض في خرق لاتفاق خفض التصعيد، بهدف الاستيلاء على الأرض وتهجير السكاّن، حيث تقدر أعداد المهجرين من أبناء المناطق خلال الشهرين الماضيين بالآلاف”، وفق بيان لـ”الائتلاف” صدر عنه أول من أمس.
المصدر: العربي الجديد