هل يمكن أن يندلع نزاع عسكري حول سد النهضة الإثيوبي؟

صبحي ناظم توفيق

رغم مباشرة إثيوبيا تشييد سد النهضة منذ عقد من الزمان في أرضها وعلى مسار نهر النيل الأزرق النابع من ربوعها، فإن أزمته ظهرت متأخرة نسبيا، وباتت اليوم من بين أكثر أزمات العالم إلحاحاً وخطورة، وقد يكون للفشل في معالجتها، عواقب وخيمة على الأمن الإقليمي في إفريقيا، وجوارها، لا سيما بعد التلويح المصري والسوداني بالخيار العسكري كبديل محتمل وممكن لحل الأزمة، في حال وصول الجهود الدبلوماسية الحالية إلى طريق مسدود.

المقاربات المصرية مع سد النهضة

لم يصدر عن مصر تلويح صريح باللجوء إلى الخيار العسكري لحل أزمة سد النهضة الإثيوبي، سوى مرات محدودة جداً، كان من أبرزها تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي أواخر مارس/آذار الماضي، حينما قال إن “استقرار المنطقة بأسرها سيتهدد بطريقة لا يتخيلها أحد، ولا يتصور أحد أنه بعيد عن قدرتنا.. المساس بمياه مصر خط أحمر، وسيؤثر على استقرار المنطقة بشكل كامل”(1).

ورغم أن هذا التصريح بدا يتيماً مقابل المواقف الرسمية المصرية المتكررة منذ سنوات وتركز على الخيارات الدبلوماسية في التعامل مع الأزمة، فإن ما يبدو من فشل جهود الوساطة، وإصرار إثيوبيا على المضي في مشروعها على أساس رؤيتها للعلاقة مع دولتي المصب: السودان ومصر، دون اعتبار مناسب لمطالبهما.. هذا الوضع جعل الخيار العسكري أمرا ممكنا في مخيال المتابعين، لا سيما المتعاملين مباشرة مع تداعيات الأزمة في كل من مصر والسودان.

وقد تعززت توقعات الخيار العسكري، بعدما تلت تصريحاتِ الرئيس السيسي خطواتٌ مصرية وسودانية واسعة كانت واضحة المعالم في التلويح بهذا الخيار، منها مناورات عسكرية برية وجوية وبحرية مشتركة بين البلدين تحت مسمى “حماة النيل”، فضلا عن زيارات قام بها الرئيس السيسي إلى جيبوتي، ورئيس أركان الجيش المصري الفريق محمد فريد إلى كينيا ورواندا، بعد زيارة منفصلة إلى السودان، وهي دول تجاور إثيوبيا، وجميعها -باستثناء جيبوتي- جزء من حوض النيل.

ورغم أن التقديم الرسمي لتلك الزيارات اندرج تحت لافتات تقليدية تتعلق بتعزيز العلاقات والتعاون العسكري، فإن سياقها وتوقيتها بعد تصريحات الرئيس السيسي، أثار انطباعات تتعلق بالحل العسكري بمشاركة دول إفريقية أخرى. وقد كان هذا السعي المصري جزءا من جهد أكبر للضغط على إثيوبيا، سعى لاستخدام التلويح بالخيار العسكري، دون بلوغ حد التهديد الصريح باستخدامه.

مصر والنيل

تُعدّ مصر دولة استثنائية بين دول حوض النيل من حيث اعتمادها على نهر النيل الذي يأتيها من خارج أرضها، بعرض 700-1600م، وعمق لا يقل عن 9 أمتار، وحصّة سنوية تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، حسب آخر اتفاقية ثنائية أبرمتها مع السودان عام 1959.

ويُعتبَر السد العالي المُقام منذ العام 1968، المُنشأة الرئيسية لتخزين مياه النيل في مصر وتوزيعها ودرء فيضاناتها، بينما تُشكِّل بحيرة ناصر بمساحة تقارب 5250 كلم2 وعمق 180م، أوسع بحيرة اصطناعية في العالم من حيث الخزن وصيد الأسماك(2).

المصدر الأساسي لنهر النيل هو بحيرة فيكتوريا المشتركة بين كينيا وأوغندا وتنزانيا، وتُعَظِّمه روافد عديدة، ويخترق بقاعا شاسعة من شرقيّ القارة الإفريقية تشمل 11 دولة، هي: تنزانيا، بوروندي، رواندا، الكونغو الديمقراطية، كينيا، أوغندا، جنوب السودان، إثيوبيا، إريتريا، السودان، ومصر، قاطعاً مسافة 6600 كلم حتى المَصَب، ليُعَدّ من أطول أنهار العالم(3).

أهم روافد النيل الكبير نهرَا النيل الأزرق النابع من بحيرة “تانا” الإثيوبية، وكذلك النيل الأبيض النابع من رواندا والعابر إلى بحيرة فيكتوريا-أوغندا-جنوب السودان والسودان، حتى يلتقيا في الخرطوم ويُشكِّلا نهر النيل حتى القاهرة، فينقسم إلى فَرعَي دمياط والرشيد قبل أن يَصُبّا في البحر المتوسط(4).

جذور الأزمة

بدأت إثيوبيا بناء سد النهضة عام 2011 على مجرى نهر النيل الأزرق، في شمال أراضيها على بعد 40 كلم إلى الشرق من السودان. ومن المخطط له عند اكتماله أن يشغّل أكبر محطة لإنتاج الطاقة الكهربائية في إفريقيا، ومن بين الأكبر على مستوى العالم، مع خزان يسع 74 مليار متر مكعب من المياه، ليصبح أعظم خزان مائي في القارة.

تمتدّ جذور الأزمة إلى سلسلة اتفاقيات بين دول كانت تستعمر المنطقة، وحدّدت حصص أقطار النيل في أعوام 1891، 1902، 1906، 1925، ونصّت على عدم إقامة أية مشاريع تُحدِث خللاً في مياهه المتدفِّقة نحو مصر، حتى أُبرِمت اتفاقية 1929 كي لا يُقام أي مشروع في عموم النيل وفروعه وبحيراته في البلاد ذات العلاقة، بينما حددت اتفاقية 1959 المصرية-السودانية كمية المياه السنوية لكل منهما(5).

لكن العام 2009 شهد تمرَّد عدد من دول الحوض على الإطار القانوني لمياهه المتشاطئة، فرفضت مصر التوقيع على أي اتفاقية من دون نصّ صريح يحافظ على حقوقها المؤَطَّرة، ودعت في العام نفسه إلى اجتماع طارئ، ووقف السودان معها، وتواصلت خلافاتهما مع إثيوبيا حول مشروع سد النهضة المطروح من دون تسوية(6).

تصاعد الخلافات

وفي 2011 وبينما كانت مصر منشغلة بتدَبُّر أمورها بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، وضعت أديس أبابا الحجر الأساس للسد، فأصرّت القاهرة والخرطوم على عدم الإضرار بحصصهما، وصرّح الرئيس الراحل محمد مرسي عام 2012 بأن “دماء المصريين هي البديل لماء النيل، ولن نسمح أن يُهدَّد شريان حياتهم، وكل الخيارات مفتوحة أمامنا”(7).

وتعاظمت المواقف لدى تشغيل إثيوبيا التجريبي لمنشآت السد وملء خزانه، وتمسّكت القاهرة بحصتها، وطالبت أديس أبابا بأن تعترف بالاتفاقيات القديمة، لكن الأخيرة رفضت بدعوى أن هذه الاتفاقيات عقدت بينما كانت البلاد خاضعة للاستعمار الأجنبي، وبالتالي فهي غير ملزمة بها، فواصلت العمل في بناء السد دون إخطار مصر والسودان(8).

وكانت بعض دول حوض النيل وهي بوروندي، وأوغندا، ورواندا، وتنزانيا، فضلا عن إثيوبيا، قد أضافت إلى التحديات التي تواجه مصر والسودان، باتفاقها عام 2011 على إلغاء حق مصر في الاعتراض الأحادي واستحواذها على 90% من موارد النهر، مما جَرَّدَ القاهرة من حق رفض إقامة أي مشروع على النيل خارج أراضيها(9)، علما بأن غالبية دول الحوض تعتمد مائيا على الكثير من البحيرات والروافد والأمطار الاستوائية، في حين يعتمد السودان بنسبة 77%، ومصر بنسبة 97% على مياه النيل في توفير احتياجاتهما المائية(10).

وثيقة إعلان المبادئ

وبينما كانت مصر تصرّ في بياناتها على التزام الجميع بالاتفاقيات القديمة، وقّع الرئيس عبد الفتاح السيسي في مارس/آذار 2015 على وثيقة إعلان المبادئ بشأن سد النهضة، إلى جانب كل من الرئيس السوداني السابق عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد. وقد فسرت تلك الخطوة على أنها اعتراف مصري-سوداني بحق  إثيوبيا في بناء السد وعدم إلزامها بإحقاق حصة مصر، وتشجيع للآخرين على مشاريع مُضافة دون تَوافُق مُسبَق(11).

وقد تصاعدت اعتراضات مصر والسودان وبانت الأخطار بعدما أصرّت إثيوبيا على ملء خزان السد بمرحلته الأولى في يوليو/تموز 2020، ومواصلة إعلاء هيكله ونصب مضخاته استعداداً لملئه بمرحلته الثانية في يوليو/تموز 2021(12).

وأمام ما يوصف بعدم جدية إثيوبيا، تقارَبَ السودان ومصر لكونهما يواجهان مسألة حياة أو موت، واقترحا تشكيل لجنة رباعية دولية يقودها الاتحاد الإفريقي بمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لإيجاد حلٍّ توافقي(13)، ولكن إثيوبيا رفضت وقبلت حضور مفاوضات تحت مظلّة الاتحاد الإفريقي في كينشاسا أوائل أبريل/نيسان 2021، لم تتوصّل إلى نتائج أو تخفف حالة التفاقم(14).

استمالة محيط إثيوبيا

منذ العام 2018، حاولت مصر كسب عدد من زعماء الجوار الإثيوبي، في محاولة لتشكيل قوة ضغط في موضوع أزمة السد، وذلك بعد انغلاقها إثر الانقلاب العسكري عام 2013، وتعليق عضويتها بالاتحاد الإفريقي، قبل أن تعود إليه، ثم ترأسه عام 2019، وتمارس نشاطا واسعا على مختلف المستويات تجاه دول القارة، لا سيما دول شرق إفريقيا التي تشكل حوض النيل، أو تجاور إثيوبيا(15).

وكانت الاتفاقيات العسكرية جزءا مهما من أوجه التعاون بين مصر ودول إفريقية، ومن أبرزها ما جرى توقيعه مع السودان في مارس/آذار 2021، وقد أعقبتها مباشرة مناوراتٌ عسكرية مشتركة في السودان، بمشاركة قوات الصاعقة للجيشين(16). كما شملت اتفاقيات التعاون العسكري كلا من كينيا ورواندا(17).

وحاولت مصر مع الصومال الذي أيّد قراراً لجامعة الدول العربية عام 2020 عن حقوق القاهرة في نهر النيل، ولكنه تراجع وفَضَّلَ ألا ينحاز إلى أي طرف(18)، فأدارت وجهها نحو إقليم أرض الصومال شبه المستقل وعززت علاقاتها معه، في مقابل تحالف إريتري-إثيوبي(19).

واتفقت مصر مع أوغندا، وعقدت بروتوكول تعاون عسكري مع بوروندي، وتفاهمت مع الكونغو، والصومال وموزمبيق، وأوغندا، لتبادل المعلومات الأمنية. ورغم ذلك بقيت غالبية دول شرقيّ إفريقيا على تأييدها لإقامة السد الإثيوبي بحثا عن منافع سريعة(20).

وبالضِدِّ من مصر، وفّرت إثيوبيا علاقات فاعلة مع روسيا الاتحادية، وأخرى ممتازة مع الصين، ودعماً سياسياً لإنشاء السدود وتمويلها، ولم تَأْلُ جهداً في إدامة وشائجها مع الجوار والدول المتنفِّذة في القرارات الأممية(21).

ورغم هذا الجهد المصري، فإن كثيرا من هذه الدول الإفريقية لها علاقات متينة مع أديس أبابا، ولها مواقف مؤيدة لإنشاء سد النهضة منذ طرح مشروعه قبل نحو عقدين، فضلا عن أن إثيوبيا تعتبر دولة مؤثرة في القارة، حيث تستضيف مقر الاتحاد الإفريقي، وتحظى بتأييد دول مؤثرة مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا، وبالتالي ليس متوقعا في حال أي انزلاق جدي نحو الخيار العسكري، أن تحظى مصر بدعم عسكري أو حتى لوجستي من هذه الدول.

لذا يُستبعَد أن تقدِم أي دولة إفريقية غير عربية على تغيير جذري في القرار الإثيوبي، بل ربما تحثّها على بعض التعديلات خلال المفاوضات ليس إلاّ. أما تفاهمات التعاون المخابراتي والعسكري فستبقى حبراً على ورق، لأنه ليس لدى أي دولة إفريقية استعداد لتهديد مصالح قرينتها لصالح دولة/دول عربية مسلمة ولو كانت إفريقية بالاسم.

والنتيجة اليتيمة التي نتلمّسها لحد الساعة، أن لا تحوّلات تبدو في الأفق، ولا موقف قويا يجعل إثيوبيا ترضخ أمام التحالف المصري-السوداني، ولو اتفقت الدولتان مع أكثر من دولة ضمن حوض النيل أو بمنأى عنه، لا سيّما أن أديس أبابا تصرّ على أن مشروع السد إنمائي لا يلحق الضرر(22).

ميزان القوى العسكري

بغض النظر عن جدية المخاوف من الانزلاق إلى الخيار العسكري، فإن وصف التوازن العسكري بين أطراف الأزمة، قد يطرح تصوراً للتداعيات المحتملة وواقع الاحتمالات، وعلى شكل نقاط:

بمقارنة سريعة بين قدرات القوات المسلحة المصرية والإثيوبية حسب إحصائية 2021، نتلمّس تفوّقاً مشهوداً لصالح مصر ذات المرتبة الـ13 بين جيوش العالم، على نظيرتها الإثيوبية صاحبة المرتبة الـ60.

من ناحية القوة البشرية المتاحة للخدمة العسكرية، لدى مصر 480 ألف مقاتل تحت السلاح و450 ألفا في الاحتياط، يقابلهم 162 ألف جندي إثيوبي فقط من دون احتياط جاهز.

وبينما تمتلك القوة الجوية المصرية 1053 طائرة حربية متنوعة، تشمل 250 مقاتلة، و88 طائرة هجوم أرضي، و59 طائرة نقل وشحن، و341 طائرة تدريب، و11 طائرة مهمّات خاصة، و304 مروحيات، منها 91 هجومية، بما يشير إلى تفوّق هائل على نظيرتها الإثيوبية التي لا تضمّ سوى 92 طائرة حربية فقط، منها 24 مقاتلة، و9 للشحن، و26 للتدريب، و33 مروحية، 8 منها فقط هجومية.

التفوق المصري الواضح سيتعزز لو أضفنا طُرُز الطائرات وحداثتها ومَدَياتها التي تُضاعَف بالإرضاع الجوي، وحملها مقذوفات دقيقة لضرب الأهداف الأرضية عن بُعد، وبضمنها مقذوفات “سكالب” بمدى 300 كلم التي تخترق الأرض بعمق 10-45 مترًا(23)، ناهيك عن 83 قاعدة جوية ومطاراً مصرياً، مقابل 57 لدى إثيوبيا.

وفي سلاح المدرعات، لدى مصر 3735 دبابة، و11 ألف مدرعة، و1165 مدفعا ذاتي الحركة، و2200 مدفع مسحوب، و1235 راجمة صواريخ، وهو ما يشكِّل بَوناً شاسعاً بينه وبين نظيره الإثيوبي الذي لا تزيد ممتلكاته عن 365 دبابة، و130 مدرعة، و65 مدفعا ذاتي الحركة، و480 مدفعا مسحوبا، و180 راجمة صواريخ.

وتمتلك مصر صواريخ بالستية أرض-أرض بالمئات، و يمكن أن تلعب دوراً في هذا الصراع لبلوغ مديات بعضها 1300 كلم في أقصاها.

أما السلاح الأحدث الذي أثبت جدارته في النزاعات الأخيرة ويُتوقع انتشاره كثيراً، فهو الطائرات المسيّرة التي لدى مصر المئات منها من ذوات الأغراض المختلفة والمديات المناسبة، ولو أن بإمكان إثيوبيا وغيرها الحصول عليها بسرعة.

البحرية المصرية أضحت بالمرتبة العاشرة في العالم، بعد امتلاكها ما يقارب 200 قطعة بحرية، في مقدمتها حاملتا مروحيات “ميسترال”، وعشرات القطع الضخمة والغواصات والزوارق المحمّلة بصواريخ سطح-سطح لقصف الأهداف الأرضية بمديات عشرات الكيلومترات، إضافة إلى قدرتها على بلوغ بحار تبعد آلاف الكيلومترات عن الوطن.

أما ميزانية الدفاع المصرية البالغة 10 مليارات دولار فإنها تعلو على مثيلتها الإثيوبية 20 مرة.

وبطبيعة الحال، سيكون الضغط أقوى على إثيوبيا، في حال مشاركة السودان ذي المرتبة الـ77 عالمياً من حيث القوة العسكرية؛ في أي تطور ميداني إلى جانب مصر. فلدى السودان قوة جوية تحتضن 190 طائرة حربية، بينها 45 مقاتلة وبضمنها 38 طائرة هجوم أرضي، و22 للنقل والشحن، و12 للتدريب، و73 مروحية، منها 43 هجومية، و74 قاعدة جوية ومطارا، ناهيك عن 830 دبابة، و7500 مدرعة، و480 مدفعا مسحوبا، و180 راجمة صواريخ، تدعمها موازنة مقدارها 4 مليارات دولار(24).

الخيارات العسكرية للسودان ومصر

لا يشكل التفوّق العسكري وحده سبباً لتحقيق مكاسب سياسية، إذ يدرك الطرف الأضعف عسكريًّا -كما يبدو- أن هناك الكثير من القيود والاعتبارات السياسية والقانونية التي تحدّ من عوامل القدرات العسكرية، وأن الذهاب إلى ما يتجاوز عنصر الردع لهذه القدرات، قد لا يحقق نجاحاً، أو يكون متاحاً في كثير من المواقف.

وحسب وقائع التوازن العسكري بين الدول الثلاث، نرى السودان لوحده يمتلك قدرات عسكرية معينة تفوق ما لدى جاره الإثيوبي، بل إن سد النهضة يقع على بعد 40 كلم من حدوده، أي ضمن مدى أدنى أنواع طائراته، وبالتالي فإنه يجعل من التعاون العسكري المصري-السوداني أمرًا ينبغي أن يكون مصدر قلق لإثيوبيا، حيث يُحتمَل لدى أي تصعيد عسكري، أن يسمح السودان لمصر بعمل تعرّضي انطلاقاً من أرضه أو عبر سمائه، شريطة أن يتمّ خلال هذه الأسابيع القليلة التي تفصلها عن الموعد الإثيوبي للشروع في المرحلة الثانية لملء خزان السد.

مصاعب الخيار العسكري

غير أنه يتوجب على مصر ذات القدرات المتفوّقة، تمحيص مصاعب عديدة قبل اتخاذ قرار تعرّضي، نستطيع تلخيصها فيما يأتي:

المفاضلة بين توجيه ضربة عسكرية على هدف أو عدة أهداف في العمق الإثيوبي، أو على أهداف مِفصلية تُحيط بسد النهضة، أو قصف نقاط مشخصة ومؤثرة في جسد السد، أو المجازفة بإنزال قوات خاصة لاحتلال منطقة السد برمّتها، وذلك ابتغاء إيضاح موقف يُرغِم أديس أبابا على إبرام اتفاق مُلزِم ومضمون يراعي مصالح مصر والسودان.

توقيت العملية ما بين ضربة مُبكِّرة تستطيع إثيوبيا من بعدها إعادة بناء السد، أو إرجاءَها لِما بعد مرحلة الملء الثانية، فيكون الوقت متأخراً وخزان السد مليئاً ولو جزئياً، وحينها سيُسبب انهمار المياه من الخزان فيضانات كبيرة قد تجرف مدناً كاملة في السودان، ومنها العاصمة الخرطوم، ومن المؤكّد أن تصل آثارها إلى المدن المصرية الواقعة على دلتا النيل.

في حال عدم استخدام الطائرات المصرية للقواعد الجوية السودانية، يجب عليها أن تنطلق من قاعدة أسوان بأقصى جنوبيّ البلاد، لتقطع ما يقارب 1500 كلم لتبلغ موقع السد. وبينما يمكن لمقاتلات “رافال” المصرية قطع هذه المسافة، لكن هذا المدى يستلزم تحميلها بمقذوفات جو-جو فقط، وهي ليست ذات تأثير يُذكَر على الأهداف الأرضية. أما مقاتلات “أف-16″ الأميركية، و”ميغ-29″ و”سوخوي-35” الروسية الأحدث، فمدياتها لا تكفي(25).

امتلاك مصر مؤخراً إمكانية مضاعفة المدى عبر الإرضاع الجوي بالوقود فيما بين المقاتلتين “ميغ-29” و”رافال”، يأتي بمثابة عامل معزز لقرار الضربة العسكرية(26).

ولو افترضنا صحة ما يطرحه البعض في الإعلام المصري أن المدى الأقصى لأفضل صواريخ أرض-أرض البالستية أضحى 1300 كلم، فليس باقتدارها استهداف السد، ناهيك عن كونها غير دقيقة، إذْ تبلغ احتمالية الخطأ في إصابة الهدف مئات الأمتار، ولو أُجريت أدقّ الحسابات(27).

أما الإنزال المظلّي في محيط السد باستثمار طائرات النقل بعيدة المدى، أو بقوات خاصة محمولة بالمروحيات ابتغاء تخريب أجزاء مفصلية من السد، فإنه يوقف عمل السد فحسب من دون انهياره. لكنّ احتمال نجاح هذه المهمة يبقى معقداً للغاية من نواحٍ عدّة، وفي مقدمتها الدفاع الإثيوبي المتوقع أن يكون مستميتاً.

تسلّل مجاميع من قوات الصاعقة خلسة وكأنهم أفراد فصائل مناوئة للنظام الإثيوبي لتفجير بعض أجزاء السدّ، لن يؤدي إلا إلى تعويق مؤقت للمشروع، ولكنه يدرَأ مسؤولية السودان عن ذاته.

لا يتوقّع زجّ الأسطول البحري المصري في أي عملية عسكرية، حيث لا تطل إثيوبيا على أي بحر.

سيكون سماح السودان باستخدام أراضيه في أي هجوم مسلح على سد النهضة، حتى من دون مشاركة ميدانية بقواته، سبباً مباشراً لردة فعل انتقامية إثيوبية حياله، بسبب عدم امتلاك أديس أبابا قدرات عسكرية يمكن أن تصيب أرضاً مصرية.

أما إذا قرر السودان المشاركة العسكرية الفعلية، فعليه أن يتوقّع كذلك أن كلاًّ من إريتريا وجنوب السودان قد تفتحان جبهتَي حرب من الشرق والجنوب دعماً لإثيوبيا، فيغدو في موقف صعب للغاية.

ولإبعاد السودان وتفادي توريطه، هناك خيار يمكن تنفيذه ميدانياً، يتمثل في انطلاق مقاتلات “رافال” من قاعدة “برنيس” المصرية، محمّلة بقنابل ثقيلة مصممة ذات رؤوس شديدة الانفجار لضرب الأهداف المحصنة، والتحليق المنخفض فوق البحر الأحمر، شريطة التزوّد بالوقود جوًّا قُبيلَ اختراق أجواء إريتريا-إثيوبيا نحو السد مباشرة، حيث المسافة لا تزيد على 800 كلم، وضمن إمكانات طائرات “رافال” ذهاباً وإياباً.

وينطبق الحال إذا تعاونت السعودية الصديقة مع مصر، فالفاصلة بين قاعدة الملك خالد الجوية وسد النهضة لا تزيد على 1000 كلم.

التهيّؤ الإثيوبي للمواجهة العسكرية

في مقابل تفوّق القدرات المصرية والسودانية، لا تبدو إثيوبيا قادرة إلا على خوض حرب دفاعية محدودة وقصيرة الأمد. ولذلك من البديهي أن القوات الإثيوبية اتخذت منذ سنوات تدابير جدّية لحماية سد النهضة، وقد تكون من بينها:

حَظر الطيران العسكري والمدني في أجواء سد النهضة ومحيطه.

مضاعفة عدد المخافر الحدودية، وبالأخص مع السودان القريب من السد.

تحديد منطقة محرّمة بعمق بضعة كيلومترات عن المحيط الأقصى لمنشآت السد، وحظر التجوّل فيها، وإحاطتها بخطوط من المعوِّقات ونقاط المراقبة البصرية والإلكترونية، والدوريات الراجلة والراكبة.

نشر منظومة الدفاع الجوي “بانتسير” (سام-22) الروسية الحديثة، وإضافة منظومة “سبايدر” الإسرائيلية الأحدث والأفضل، وهما ذاتِيّتا الحركة تعالجان مختلف الأهداف الطائرة من مديات قصيرة وارتفاعات منخفضة، مع شكوك حول امتلاكها منظومة “أس-300” الروسية ذات المدى الأبعد(28).

وفي كل الأحوال، سيكون اعتماد إثيوبيا على 18 مقاتلة “سوخوي-27” الروسية(29) بمثابة رأس الحربة للتقاطع والاشتباك مع أي طائرات معادية تخترق سماءها.

هناك احتمالات بانتقام إثيوبي تدور حول تلويث مياه النيل الأزرق أو حتى تغيير مسارها، مما يشكل أخطاراً على مصر والسودان أكثر من أضرار سد النهضة ذاته.

أهم الاستنتاجات

بعدما غدونا ببعض الصورة عن سدّ النهضة الإثيوبي وأزمته، يمكن للباحث تلخيص احتمالات الخيار العسكري فيما يأتي:

مصر بمفردها تمتلك قدرات عسكرية وأذرعاً تعرّضية تفوق ما لدى إثيوبيا أضعافاً، ويكون البَون شاسعاً إذا اصطف السودان معها، ولن يكون أمام إثيوبيا سوى اتخاذ موقف الدفاع المستكن.

الخيار العسكري ممكن نظرياً، ووضع تفاصيله على الخرائط وطرحه بشكل مَهول أمام وسائل الإعلام ليس صعباً، ولكنه ليس واقعياً من الناحية الميدانية، بل تجابهه مصاعب ومعوِّقات متعددة يصعب تفاديها وحلّها.

فما عدا الدول الإفريقية (غير العربية) المتاخمة لإثيوبيا وسواها من الأفارقة المؤيّدين لموضوعة سدّ النهضة، ومواقف الدول العظمى الداعية إلى التخفيف والتفاهم، يبدو السودان بحدوده الطويلة مع الخصم، ليس راغباً في الخيار العسكري وتحمّل نتائجه.

لن تظل إثيوبيا مكتوفة الأيدي، ولن تتركها الدول الإفريقية (غير العربية) لتلاقي مصيرها، ولا الدول العظمى ستسمح بذلك.

رغم التهديدات المصرية بالخيار العسكري، فإن مديات أذرعها الضاربة إذا انطلقت من قواعدها الأصلية لا تكفي لبلوغ إثيوبيا، إلاّ إذا فتح السودان أجواءَه وأرضه للقوات المصرية، مع تحمّل نتائج ردود الأفعال الإثيوبية وتصرفات دول الجوار المصطفة معها.

أما إذا استُبعِد السودان، فإن التعاون السعودي مع مصر سيكون أحد الحلول لتفادي معضلة مديات الطائرات المصرية.

في كلّ الأحوال، ليست أمام مصر سوى خيارات عسكرية محدودة، وينبغي أن تتمّ عبر الأجواء والأراضي السودانية، وتنحسر في استهداف مفاصل مهمة من السدّ بضربات جوية أو صاروخية، و/أو إنزال مظليين بطائرات النقل، أو قوات صاعقة بالمروحيات في منطقة السد، مع تحمّل مصاعبهما الميدانية وإرهاصاتهما السياسية، و/أو استغلال الفصائل المسلّحة المناوئة للنظام الإثيوبي في شنّ عمليات تشغله وتؤذيه.

في الختام، نرى أن لا حرب تبدو في الأفق إلا في حالة اتخاذ قرار مجنون، بل إن غاية مصر والسودان من تلويحهما باستخدام القوة المسلّحة، ليست سوى إرغام الجانب الإثيوبي على العودة إلى مائدة المفاوضات، والتفاهم حسب شروطهما حول نقاط محددة، وفي مقدمتها عدم تنفيذ المرحلة الثانية لملء خزان السد اعتباراً من 11 يوليو/تموز 2021، حسب دعوات اجتماع وزراء خارجية دول النزاع والوزير الأميركي في واشنطن مطلع العام 2020، ريثما تتحقق أفضل الضمانات لتدفّق كميات كافية من مياه النيل نحوهما، وسلامة السد من نواحيه الفنية بمراقبة دولية(30).

د. صبحي ناظم توفيق، عميد متقاعد، مؤرخ وباحث في الشؤون العسكرية .

مراجع

1- السيسي: استقرار المنطقة سيتأثر برد فعل مصر على أي مساس بإمداداتها من المياه، رويترز، 30 مارس/آذار 2021، (تاريخ الدخول: 18 يونيو/حزيران 2021): https://www.reuters.com/article/egypt-ethiopia-dam-as4-idARAKBN2BM1OI

2- نهر النيل في مصر، مجموعة باحثين، موقع فاناك للمياه، (تاريخ الدخول: 3 يونيو/حزيران 2021): https://water.fanack.com/ar/specials/nile-river-in-egypt/

 3- من أين ينبع نهر النيل وأين يصب؟، موقع ماودو، 25 مارس/آذار 2019، (تاريخ الدخول: 3 يونيو/حزيران 2021): https://rb.gy/zkc2dg

4- مسار النيل الأبيض من رواندا حتى الخرطوم، موقع الوطن نيوز، 8/12/2020، (تاريخ الدخول: 3 يونيو/حزيران 2021): https://www.elwatannews.com/news/details/5108023

5- اتفاقيات حوض النيل.. تاريخ المعاهدات المائية بين دول المنبع والمصب منذ العام 1891، موقع الجزيرة نت، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2021): https://bit.ly/3vJa1Vd

6- بين الاتفاقيات التاريخية ووثيقة المبادئ.. كيف حوّلت إثيوبيا سد النهضة من حلم إلى حقيقة؟، موقع الجزيرة نت، 9/7/2020، (تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2021): https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/7/10/%D8%A7%D8%A7-36

7- من عمر سليمان إلى السيسي.. القصة الكاملة لسد النهضة، موقع الجزيرة نت،  8/4/2020، (تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2021): https://www.aljazeera.net/midan/reality/politics/2021/4/8/

8- مفاوضات سد النهضة: ما أبرز نقاط الخلاف بين مصر والسودان وإثيوبيا؟، موقع فرانس 24، 3/1/2021، (تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2021):  https://bit.ly/2SdXCe7

9- من السودان إلى أوغندا وبوروندي.. هل تسعى مصر لتطويق إثيوبيا في حوض النيل؟، موقع الجزيرة نت، 12/4/2021، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2021): https://bit.ly/3gStmOc 

10- نهر النيل والخلافات المائية حوله، موقع الجزيرة نت، 9/7/2009، (تاريخ الدخول: 10 يونيو/حزيران 2021): https://bit.ly/3gIQJv1

11- وزير الري المصري إبان حكم مبارك: آثار وخيمة تنتظر مصر والسودان بعد ملء السد الإثيوبي، موقع الجزيرة نت، 11/4/2021، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2021): https://bit.ly/2STbs5U

12- خبير يكشف عن مخاطر كبيرة تنتظر مصر من إثيوبيا، موقع RT العربي 16/2/2021، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2021):  https://bit.ly/3gKlfV8

13- السيسي اعتبر النيل خطاً أحمر، موقع الجزيرة نت، 21/3/2021، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2021):  https://bit.ly/3gK3a8u

14- فشل مفاوضات “الفرصة الأخيرة” في كينشاسا، موقع بي.بي.سي العربي، 6/4/2021، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2021): https://bit.ly/3cXKu3W

15- دور مصر الإقليمي يسطع في سماء إفريقيا، موقع اليوم السابع، 15/11/2020، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2021): https://rb.gy/hxfypw

16- انطلاق مناورات “حماة النيل” العسكرية مع مصر، موقع RT العربي، 21/3/2021، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2021): https://bit.ly/3zKrWxM

17- بعد زيارة السيسي.. جيبوتي تؤكد قوة علاقتها بإثيوبيا، سبوتنيك نيوز العربية، 12/6/2021، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2021): https://bit.ly/3wOgm2X

18- مصر والصومال تبحثان تعزيز العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية، موقع “مباشر”، 22/3/2021، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2021): https://bit.ly/3qlZwWU

19- أرض الصومال.. إقليم منسي تحول إلى ساحة تنافس إقليمي ودولي، موقع قناة TRT العربية، 17/3/2021، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2021):  https://bit.ly/3jjcTpn

20- تطور غير مسبوق بعلاقات مصر وإفريقيا خلال الـ3 سنوات الأخيرة، اليوم السابع، 29/5/2021، (تاريخ الدخول: 11 يونيو/حزيران 2021):  https://bit.ly/3vQ1wYw

21- بعد زيارة السيسي، مصدر سابق.

22- لتفادي تكرار الإشارة إلى مصادر عديدة، فإن معظم المعلومات الرقمية الواردة تحت هذا العنوان، مستقاة من (د.ن)، مقارنة بين الجيش المصري ونظيره الإثيوبي وفق إحصائية 2021، موقع CNN العربي، 8/4/2021، (تاريخ الدخول: 12 يونيو/حزيران 2021): https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2021/04/08/weapons-explainer….

23-  لأول مرة.. الجيش المصري يكشف امتلاكه رسميا صواريخ سكالب الشبحية، موقع روسيا اليوم، 2/2/2021، (تاريخ الدخول: 22 يونيو/حزيران 2021): https://arabic.rt.com/middle_east/1198738-

24-   مقارنة بين الجيش السوداني ونظيره الإثيوبي وفق إحصائية 2021، موقع CNN العربي، 29/4/2021، (تاريخ الدخول: 22/حزيران/2021): https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2021/04/29/weapons-explainer…

25-    يُنظَر مواصفات هذه المقاتلات الهجومية الأربع: رافال، أف-16، ميغ-29، سوخوي-35 في:, MODERN MILITARY AIRCRAFT, CHARTWELL BOOKS, PP 112-113, 250-251, 308-309, 410-411, “Accessed; June 23, 2021″

26-     مصر.. ظهور مقاتلات خلال مناورات “حسم 2020” بتقنيات فريدة، موقع روسيا اليوم، 10/10/2020، (تاريخ الدخول: 22 يونيو/حزيران 2021): https://arabic.rt.com/middle_east/1133100-

27-  يُنظر التفاصيل في: صبحي ناظم توفيق، العميد الركن، الصواريخ أرض-أرض، تقديم الأستاذ نجدت قاسم الصالحي، ط1، مطبعة الانتصار، بغداد، 1988.

28-     تقرير حول أنظمة الدفاع الجوي التي تحمي سد النهضة، موقع الدفاع العربي، 6/4/2021، (تاريخ الدخول: 22 يونيو/حزيران 2021): https://www.defense-arabic.com /2021/04/06/

29-    “سوخوي 27” تغير الطيران الحربي، موقع سبوتنيك العربي، 29/6/2019، (تاريخ الدخول: 11/حزيران/2021): https://arabic.sputniknews.com/russia/201906291042027901-

30-     U.S. Department of the Treasury Office of Public Affairs, January 15, 2020, “Accessed; June 24, 2021″ ;https://eg.usembassy.gov/joint-statement-of-egypt-ethiopia-sudan-the-un…

المصدر:  مركز الجزيرة للدراسات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى