محمد جبارة الفنان السوري الحلبي صاحب الحنجرة القويّة الشجيّة، وكأنّ حنجرته عراقية بشجنها وحلبية بأدائها، توفي بعد صراع مع المرض والفقد والحصار والتشريد، حيث كان قد فقد ابنه دون أي خبر عنه وبقي يعيش على أمل اللقاء لعله يحصل ولم يحصل.
أحيا الكثير من الحفلات في سورية وخارجها وأضاف عليها اللون العراقي لاسيما للإنشاد الديني والغزليات، وبقي محمد جبارة وغيره من الفنانين يثبتون أنفسهم في الساحة الفنية بلا دعم ودفع لقدراتهم، بل بجدارة وعصامية، حيث الدفع الرسمي بات للطرب الشوارعي بمستوى يشمئز منه صاحب الذوق المعتدل فصعدت طبقة شوارعية تناسب ذوق السلطة ومستواها الحضاري.
دَرَسَ جبارة أصول الإنشاد والمقامات في الموسيقى الشرقية، بالتلقي من المدرسة الغنائية الموجودة في حلب ثم انطلق بلونه الخاص بعصامية وسعي دؤوب وهو اللون الذي تحبه شريحة واسعة في مجتمعنا.
أسّس فرقته الخاصة من منشدين وعازفي آلات موسيقيَّة وإيقاعية، وكان الإيقاع هو الغالب في الإنشاد الدّيني، وراح يُحيي الأمسيات الطربية في حلب ثم انتشر في أماكن أخرى غيرها، عرفتُه في أعراس حلب وفي مضافة العائلة بحضوره الظريف وصوته الشجي.
ومع رحيل كل رمز وعالم وكل فنان تتكرر المأساة دون أن نستيقظ من غفلتنا فعند الفقد نستشعر قيمة الإنسان الذي كان بيننا، وإهمال تلك الطاقات والتي ماتزال بيننا مشتتة بين النزوح والتهجير.
لو نظرنا إلى حياة هؤلاء تجدهم يعاركون قسوة الحياة المادية وضنكها وإهمال نتاجهم، وهذا يجعل ذوي المواهب تزهد بهذا الطريق، رغم أنّ الفن رسالة سامية تهذب النفس وتسمو بالروح وتزرع قيم الشجاعة والبطولة مع الصفاء والطرب.
ذهب جبارة وقبله الحفار وغيره الكثير كمبدعين ومازال بيننا الكثير من المبدعين والفنانين ممن يحتاج لالتفاتة ودعم هذا اللون الفني العربي الشرقي التراثي الذي تربّت عليه الأجيال وكان نتاج ذروة حضارة اندثرت وبقي إرثها.
عندما يتشوه تذوق الإنسان السمعي والبصري والروحي يتشوه الإنسان ذاته، والفن رسالة عظيمة تصعد بالإنسان أو تهبط به.
رحل محمد جبارة كما رحل غيره ومازالت بيننا نماذج تحتاج منا لاهتمام ودعم ودفع، فالدول والشعوب الناهضة تدعم كل الصور التي تميزها وتلفت لها الانتباه وتعبّر عن هويتها. لأن الفن هو الجزء الأصيل للتعبير عن الإنسان ورقيه ومن ثم حضارته.
الله يرحمه ويغفر له