بدايةً، قبل أن نتحدث نظريًا عن مفهوم الهوية والمواطنة، سأسوق لكم هنا مثالين: الأول: كتَب علي الأسد (والد حافظ الأسد) رسالة إلى المندوب السامي الفرنسي في دمشق سنة 1936، مطالبًا بإنشاء دولة علوية جاء فيها: “هؤلاء السنّة لا يخافون الله، ولا يحترمون حقَّ الآخرين في الوجود والاختلاف….”[1]. والمثال الثاني: في 27 كانون الثاني/ يناير 2016، قدّمت وزيرة العدل الفرنسية كريستيان توييرا استقالتها من الحكومة الفرنسية، احتجاجًا على تقديم الحكومة الفرنسية قانونًا إلى الجمعية الوطنية، ينص على إسقاط الجنسية الفرنسية عن الفرنسيين الذين يثبت تورطهم في أعمال إرهابية[2].
المثال الأول: فيه شكوى من الأكثرية واستعانة بالأجنبي، لأنه يدعي إقصاء الأغلبية السنية للأقلية العلوية. والمثال الثاني هو التتويج الأعلى لعلاقة فكرة المواطنة بالهوية، لأنه يفصل تمامًا بين سلوك الإنسان وهويته الوطنية. في حين أننا نجد في البلاد العربية أن من السهل جدًا سحب الجنسية/الهوية من المواطنين؟
لا بد في البدء تعريف بعض المصطلحات
أولًا: تعريف الهوية والمواطنة
يعرف د. جعفر شيخ إدريس المواطنة بأنها “انتساب جغرافي، والهوية انتساب ثقافي.. المواطنة انتساب إلى أرض معينة، والهوية انتساب إلى معتقدات وقيم ومعايير معينة”[3].
قد يبدو للبعض أن مفهوم المواطنة حديث، لكن جذوره في الحقيقة تعود إلى التاريخ القديم، فقد ظهرت أولًا في اليونان، وكان مفهوم المواطنة في دويلات المدن الإغريقية يعني كتلة الحقوق المتساوية لأبناء المدن المعترف بهم، الذكور الأحرار مالكي الأراضي وأبناء الطبقات العليا، بينما جرى استثناء النساء والأطفال والعبيد من حق المواطنة، مقابل حظرها تمامًا عن الذين هم خارج هذه المدن، الذين كان يتم ازدراؤهم ونعتهم بـ “البرابرة”.
وفي عصر الإمبراطورية الرومانية، تحولت المواطنة إلى عُرف وقانون وحق لكل سكان الإمبراطورية الرومانية. ومع الثورة الفرنسية أصبحت المواطنة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنزعة القومية؛ أي أنها كانت على حساب المنتمين إلى العرقية واللغوية والمناطقية والثقافية التي لا تنتمي إلى القوميات المركزية، دون حرمان هؤلاء من الحق الممنوح للأغلبية القومية، أي أن “نزعة المواطنية” الحداثوية لم تكن حيادية في ولائها الذي يتبع لأغلبية سكانية ما[4].
ومع تطور مفهوم الهوية والمواطنة، أصبحت الهويّة إيمانًا ذاتيًا، والمواطنة انتماءً لأرض ومجتمع، له حقوق وواجبات يحميها القانون، ويرسخها سلوك الجماعة، فالهويّة لازمة للمواطنة والعكس صحيح[5].
من خلال عرضنا السابق؛ نرى أن المواطنة ليست مظاهر اجتماعية إجبارية، تنتزع من الناس خصوصياتهم وعاداتهم في ممارسة حقوقهم التي تقوم عليها ثقافتهم، بل هي توحدهم في كليات جامعة مع الإفادة من إيجابيات التعددية والاختلاف التي تسمح بقدر من الحريات الدينية والاجتماعية للجميع. لدينا مثال “دستور المدينة”، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تعايش المسلمون والمشركون واليهود ضمن دولة المدينة، وهذا دستور تم إقراره بالتشاور، ولم يفرضه النبي، بالرغم من أن المسلمين يمثلون الأغلبية.
ثانيًا: أزمة الهوية الوطنية السورية 1918-1958
حتى نفهم أزمة الهوية التي تعانيها سورية حاليًا؛ لا بدّ من الرجوع إلى جذورها، منذ تأسيس الدولة السورية.
من المعروف أن سورية، ضمن حيزها الجغرافي الحالي والمعترف به دوليًا، قد تشكلت نتيجة التقسيمات الاستعمارية، بموجب اتفاقية سايكس/بيكو 1916، وملحقاتها، تحقيقًا لمصالحها في توزيع تركة الدولة العثمانية بين القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، دون أي اعتبار للمكونات المجتمعية وخصوصياتها واختلاف هوياتها العرقية والدينية وولاءاتها الوطنية الخاصة بها، وكانت سورية بحدودها الحالية من نصيب المستعمر الفرنسي، لذلك حاولت فرنسا منذ البداية التأسيس لهوية سورية جديدة، على أنقاض الهوية العثمانية الجامعة التي كانت تعتمد في تحديدها على العامل الديني، أيّ الهوية الإسلامية الجامعة، دون إلغاء للهويات الفرعية، سواء أكانت قومية أم دينية أم مذهبية، بالرغم مما تخلل تاريخَها الطويل من اضطرابات محلية هنا وهناك وممارسات قسرية أحيانًا أخرى، لكنها في معظمها بقيت محافظة على هويتها الفرعية بشكل مقبول إلى حد ما، فلم يكن العربي يخجل من انتمائه العربي في الدولة العثمانية، ولا الكردي ولا المسيحي ولا الشيعي والعلوي، وكانت هناك مساحة معينة من التسامح والولاء المشترك للدولة تمارس بين هذه المكونات بطريقة مقبولة حتى بدايات القرن العشرين، عندما جاء إلى الحكم حزب الاتحاد والترقي الذي نادى بالقومية التركية ضد المكونات القومية الأخرى في الدولة العثمانية، كالأرمن والعرب والكرد، وقد خلق ذلك ردة فعل موازية من جانب هذه المكونات، وحصول اضطرابات كبيرة فقدت بموجبها الهوية الوطنية الإسلامية الجامعة أسسها المعتمدة طوال الفترة السابقة، ومهّد الأرضية للبحث عن الهويات الخاصة بها، وهذا ما مهد الأرضية لمشاركة هذه المكونات في الاصطفاف إلى جانب دول الحلفاء ضد الدولة العثمانية في الحرب، أملًا بالخلاص وتحقيق الهوية الوطنية الخاصة بهم، واستغل الحلفاء هذا الموقف، ومنحوا الوعود لكن معظم الوعود والتفاهمات تبخرت، ووجد الجميع أنفسهم أمام أوطان مقسمة وفق خرائط أُعِدّت وفق مصالح الدول الاستعمارية ضاربين عرض الحائط رغبات الشعوب في بناء كياناتهم الخاصة بهم.
حاول الفرنسيون بداية مراعاة المكونات المجتمعية السورية ككل والتأسيس لدولة سورية الاتحادية، وذلك بتقسيمها إلى مناطق عدة مراعاة لتللك الخصوصية[6]. فتشكلت في سورية ثلاث دويلات، هي دمشق وحلب ولبنان الكبير، إلى جانب إقليمين يتمتّعان بالحكم الذاتي هما جبل العلويين، وجبل الدروز، وأيضًا سنجقين “لواءين” تابعين لدولة حلب، يتمتّعان بقدر من الاستقلال الإداري والمالي وهما: إسكندرونة ودير الزور. وقد اعتمدت فرنسا في تلك التجزئة على التقسيمات الإدارية التي ورثتها المنطقة عن التنظيمات العثمانية. فأصدرت قرار تشكيل الاتحاد السوري، في نهاية حزيران/ يونيو 1922، الذي يضمّ الدويلات الثلاث نفسها[7].
في بداية الاقتراح، لم يكن ممثلو دولة حلب راغبين في الانضمام إلى الاتحاد، لاعتقادهم بأنّه سوف يخدم مصالح دمشق على حسابهم، لكن لاحقًا استطاعت فرنسا إقناعهم بالانضمام، بعد تقديم وعود لهم بتولّي القيادة، وهو ما حصل فعلًا في السنة الأولى عندما أصبحت مدينة حلب العاصمة برئاسة صبحي بركات، إلّا أنّ المندوب السامي قام بعد عام بنقل العاصمة إلى دمشق، وأثار ذلك حفيظة دولة حلب، ودفعها إلى محاولة الخروج من الاتحاد في عام 1925. ودفع ذلك فرنسا إلى التخلي عن فكرة الدول المستقلة “الاتحاد السوري”، ولجأت إلى تطبيق نموذج الدولة المركزية بقيادة السنّة، ووضع دستور مستنسخ تقريبًا من الدستور الفرنسي والدفع باتجاه تطبيق نظرية (البوتقة الصاهرة) بالنسبة إلى المكونات القومية والمذهبية، كالكرد والعلويين والدروز، مع مراعاة الخصوصية الثقافية والدينية للمسيحيين والسريان في حدودها الدنيا. كانت تلك المرحلة تعكس بوضوح صراع الانتماء في سورية، حيث يوجد التباس حول الهوية ويتمثل ذلك الصراع بين هويتين هما:
الهوية المناطقية: التي تعتمد على الرابطة العشائرية والطائفية والطبقية للتنظيمات الإدارية المعهودة، والتي تشكّلت بموجبها دولة حلب ودمشق ولبنان الكبير، بالإضافة إلى مناطق الحكم الذاتي في جبلي الدروز والعلويين.
الهوية الوطنية: التي تقوم على استقلال البلاد وإنهاء الانتداب، والتي يمكن فهمها من خلال النظر إلى لائحة تمّ تقديمها إلى فرنسا في منتصف كانون الثاني/ يناير 1925، تضمّ ثلاثة عشر بندًا.
في الواقع، إنّ الهوية الوطنية في تلك المرحلة هي امتداد لأفكار وجهود المؤتمر السوري العام، الذي عُقد عام 1920، وقد أصدر المؤتمر أول وثيقة دستورية تنصّ على استقلالية الدولة، وتغيير اللغة الرسمية إلى العربية، ورفض الوصاية الفرنسية وكان المؤتمر يعكس هوية وطنية تغلب عليها النزعة القومية العربية.[8]
استقلت سورية 1946، وتبوأت المشهد السياسي السوري قوى برجوازية مدنية ممثلة بالكتلة الوطنية وحزب الشعب، وحاول الطرفان التأسيس لدولة وطنية ديمقراطية تعددية، لكن الوقت لم يسعفهم حتى بدأت سلسلة الانقلابات العسكرية (1949-1954)، وبرزت حينئذ على السطح في أواسط الخمسينيات ثلاث قوى سياسية سورية متناقضة أيديولوجيًا فيما بينها، وكلّها لا تملك مشروعًا وطنيًا سورية، بالمعنى الحقيقي للكلمة، بقدر ما كانت تلك القوى ترى هذه البقعة الجغرافية المسماة “سورية” جسرًا لعبور مشاريعها خارج الحدود، وهذه القوى هي:
التيار الإسلامي: متمثلًا بجماعة الإخوان المسلمين فرع سورية الذي تأسس في عام 1936 مستفيدة من تجربة الجماعة في مصر التي بدأتها عام 1928. كانت الجماعة تحمل هوية ملتبسة؛ حيث ترتكز أولوياتها على كل الأنشطة التي تساعد وتخدم المشروع الإسلامي الواسع، مقارنة مع المشروع الوطني.
التيار اليساري: متمثلًا بالحزب الشيوعي السوري. الذي تأسس في عام 1924، مستفيدًا من انتصار الثورة البلشفية في روسيا، وتأسيس الاتحاد السوفيتي عام 1917. وكان هذا الحزب لا يهتم بالهوية السورية وبالمشروع الوطني السوري، بقدر اهتمامه بالقضايا الطبقية والعالمية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، محتذيًا بسياسة الاتحاد السوفيتي.
التيار القومي العربي: الذي تأسس في سورية عام 1928، مع ظهور الكتلة الوطنية في سورية، وكان أغلب قادتها من الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي وطالبوا باستقلال سورية عنه، وفي عام 1947 تأسّس حزب البعث العربي الاشتراكي في دمشق، الذي يعكس هوية قومية عربية تجعل من القطر السوري مركزًا لها.
إنّ صراع الانتماء كان يعبّر عن هوية فئات المجتمع صاحبة الثروة والقوة والنفوذ؛ أي مجتمع المشايخ الذي أنتج التيار الإسلامي، ومنه جاءت جماعة الإخوان المسلمين، ومجتمع الإقطاع والبرجوازية والقبيلة الذي أنتج التيار القومي، ومنه الكتلة الوطنية وحزب البعث العربي الاشتراكي، ومجتمع العمال الذي استفاد منه التيار اليساري في تشكيل الحزب الشيوعي السوري.
لم يكن الجيش السوري بعيدًا أيضًا عن صراع الانتماء، فمنذ نشأته عام 1901 حتى تأسيسه رسميًا عام 1946، كانت بنيته مؤلفة من وحدات عسكرية اثنية وطائفية وقومية وكتل عسكرية جهوية متنافسة.[9]
ثالثًا: الهوية الوطنية السورية كممارسة واقعية
في الفترة الممتدة ما بين 1918 – 1958، لم يكن أحد يسأل أو يعير انتباهه واهتمامه للعنصر الذي ينتمي إليه هذا الرئيس أو ذاك النائب أو الوزير، فلم يكن إشغالهم لمنصب “تمثيلًا” لعنصر أو مذهب أو طائفة، وإذا استعرضنا بعض الأسماء الوطنية في تلك المرحلة؛ وجدنا أن العربي والكردي والتركماني والمسلم السنّي والعلوي والدرزي والإسماعيلي والمسيحي الأرثوذكسي والكاثوليكي، كلهم سواء في الحقوق والواجبات، وأن الانتماء إلى الدولة السورية كان هو الأساس.
أسوق لكم بعض الأمثلة:
روى الضابط ياسين الجابي (مرافق العظمة) الذي حضر آخر مقابلة بين فيصل والعظمة، الحوار التالي:
العظمة: أتيت أتلقى أوامر جلالتكم.
فيصل: بارك الله فيك، إذن أنت مسافر لميسلون.
العظمة: نعم يا مولاي، إذا كنتم لا تودون قبول الإنذار الأخير.
فيصل: هل يسلم الشرف الرفيع من الأذى.. حتى يراق على جوانبه الدم؟
العظمة: إذن؛ فهل يأذن لي جلالة الملك أن أموت؟
فيصل: بعد أن انتهت الأمور إلى هذا الحد، يجب علينا أن نموت جميعًا، وننقذ البلاد من حرب أهلية أيضًا.
العظمة: إذن؛ فأنا أترك ابنتي الوحيدة أمانة لدى جلالتكم[10].
وفكرة ذهاب يوسف العظمة إلى ميسلون للاستشهاد دفاعًا عن الوطن، بوعي كامل، ومعرفة تامة بعدم تكافؤ المعركة مع القوات الفرنسية، ثبتت في أكثر من وثيقة، من حديث ساطع الحصري عن “ميسلون” إلى ما أورده الدكتور بشير العظمة في مذكراته من أن “الشقيق الأكبر للشهيد حاول مع بعض الأقارب نصح (الضابط المتهور) عساه يعود لنفسه وأهله، ذهبوا إليه في دار المشيرية -مكان قصر العدل في شارع النصر حاليًا- وكان ينام فيها لمتابعة حال التعبئة. خرج إليهم وحياهم تحية عسكرية، وأعلن لهم واقفًا أنه يأسف لعدم الاستماع إليهم، وأن لا بد له من الدفاع عن شرفه، ولن يدخل الغزاة إلا على جثته، ثم كرر التحية وانصرف”.[11]
في أواسط تموز/ يوليو 1919، طلب الفرنسيون عقد الصلح مع الشيخ صالح العلي، بوساطة من الجنرال لينبي، فوافق عليه بشروط منها: ضم الساحل السوري إلى الدولة السورية. وتنفيذًا للاتفاق أمر الشيخ صالح العلي بإخلاء قرية الشيخ بدر، للسماح للفرنسيين بالعبور منها إلى طرطوس، فتقدّمت القوات الفرنسية إلى منطقة الشيخ بدر، وشرعت فورًا بإنشاء المتاريس ومرابض المدفعية للسيطرة على المنطقة، فأمر الشيخ صالح بالانقضاض على الفرنسيين لخرقهم الهدنة، وحصلت معركة دامية انتهت بهزيمة الفرنسيين؛ ونتج عن هذه المعركة تدفق عدد كبير من الرجال للتطوع في ثورة الشيخ صالح، وعلى إثر هذه المعركة رحل وفدٌ من حكومة دمشق يحمل المساعدات والإمدادات مع عدد من الضباط للانضمام إلى هيئة أركان الثورة. بعد ذلك نجحت فرنسا في تصفية ثورة الشيخ صالح العلي واحتلال قاعدتها قرية الشيخ بدر في 7 تموز/ يوليو 1921، واختفى صالح العلي عامًا كاملًا، بعد أن حكم عليه الفرنسيون بالإعدام، ثم عفوا عنه، فاستسلم وقال للقائد الفرنسي: “والله، لو بقي معي عشرة رجال مجهزون بالعتاد والسلاح؛ ما تركت القتال”. وقد عرض عليه الفرنسيون المشاركة في الحكم الانتدابي إلا أنه رفض.[12]
وفي سنة ،1939 التقى الجنرال ديغول في بانياس بالشيخ صالح العلي، وعرض على الشيخ صالح قيادة سورية من قِبله، فأجاب الشيخ: “إنّ أية أقلية دينية أو عنصرية أو حزبية لن تتمكن من قيادة سورية، باعتبارها لا تمثل غالبيةً من مجموع السوريّين. وبالتالي لن تستطيع النهوض بسورية، وفي حال تمّ ذلك (حكم الأقلية) فإنّ استمراره رهنٌ بدعم القوى الخارجية لهذه الأقليّة، ممّا يضعفها ويضعف بقيّة السوريين، ويضعها في مواجهة الأغلبيّة، ويجعل سورية مرهونة للخارج، وفي حالة ضعف وتداع”. ومع بداية الثورة السورية؛ ارتأى عدد من النشطاء تخصيص أحد أيام الجمعة باسم الشيخ المجاهد صالح العلي.[13] كما رفض زميله في الثورة إبراهيم هنانو عرض فرنسا لتشكيل حكومة محلية في الشمال [14].
عين فارس الخوري في عام 1944 وزيرًا للأوقاف، وعندما اعترض البعض، خرج نائب الكتلة الإسلامية في المجلس آنذاك عبد الحميد طباع، ليتصدى للمعترضين قائلًا: “إننا نؤمّن فارس بك الخوري على أوقافنا أكثر مما نؤمن أنفسنا”.
في موقف آخر، أبلغ الجنرال فورد، فارس الخوري أن فرنسا جاءت إلى سورية لحماية مسيحيي الشرق؛ فما كان من فارس الخوري إلا أن قصد الجامع الأموى في يوم الجمعة عقب الصلاة، وصعد منبره وقال: “إذا كانت فرنسا تدّعي أنها احتلت سورية لحمايتنا، نحن المسيحيين، من المسلمين؛ فأنا كمسيحى من هذا المنبر أشهد أن لا إله إلا الله، فنحن نعبد ربًا واحدًا”. فأقبل عليه مصلّو الجامع الأموي، وحملوه على الأكتاف، وخرجوا به إلى أحياء دمشق القديمة، في مشهد وطني اجتمع فيه أهالي دمشق المسيحيون والمسلمون فى تظاهرات حاشدة، ملأت الشوارع بهتاف (لا إله إلا الله.. وطن واحد رب واحد). وهذا الشعار هو نفسه الذي ردده السوريون في التظاهرات التي انطلقت في بداية الثورة عام 2011.[15]
محمد علي العابد أول رئيس لسورية، لم يكن يأخذ الراتب المخصص له من الموازنة العامة، وكان يصرف من ماله الخاص على القصر الجمهوري[16].
في الخمسينيات من القرن الماضي، فاز هاني السالم (مسيحي) برئاسة الميتم الإسلامي في درعا، وكان منافسه أحد زعماء حركة الأخوان المسلمين، وهو الشيخ أحمد الجنادي.[17]
حسن الأمين الذي حارب الطائفية واقترح على شكري القوتلي إزالة خانة المذهب والطائفة من البطاقة الشخصية.
يذكر عبد الوهاب حومد (الذي كان يشغل منصب وزير في فترة الوحدة مع مصر) أنه بعد رحلة طويلة من التعاون السياسي والحزبي مع الرئيس ناظم القدسي، جاءه الرئيس يومًا يشكو من ضيق ذات اليد، ويرجوه أن يتوسط له في عمل إداري مناسب، كمدير لأحد فروع المصارف، أو ما شاكل ذلك.”
في سنة 1954، كان ناظم القدسي رئيسًا لمجلس النواب، ففوجئ النواب بجلوسه على مقاعد النواب، وليس على سدة الرئاسة، وقبل أن يسألوه فتح محفظته وأخرج منها صحيفة (الرأي العام)، وتوجه نحو المجلس بقوله: “أيها الزملاء، وجهت لي هذه الصحيفة تهمة.. وهي أنني أمرت بفتح شارع يمرّ قرب قطعة أرض لي، بهدف رفع سعرها، وأنا منذ هذه اللحظة أضع نفسي أمامكم موضع المتهم.. وأطلب تشكيل لجنة برلمانية لتعاين على الطبيعة صحة الاتهام، فإن ثبتت التهمة، فإني أطلب رفع الحصانة عني وتقديمي إلى المحاكمة). وبالفعل، تم تشكيل اللجنة، وعادت بعد مدة بخلاصة تحقيقها الذي يقطع ببطلان التهمة. عندئذ وقف القدسي أمام البرلمان وأعلن: “إنني أُسقط حقي في إقامة دعوى على الصحفي الأستاذ (أحمد عسة)، احترامًا مني، وتشجيعًا لحرية الصحافة أولًا.. وتقديرًا مني لاهتمامه بالمصلحة العامة ثانيًا” .[18]
بعد سلسلة من المعارك، قرر الفرنسيون اتباع الحل السياسي مع قائد ثورة جبل العرب سلطان باشا الأطرش، فاجتمع بعض الضباط الفرنسيين، واتجهوا بصحبة المترجم عبد الله النجار إلي منطقة عين البارد، حيث يقيم المجاهد سلطان باشا الأطرش ورفاقه الثوار؛ فوجدوهم قد بنوا بيوتًا من الشعر، وبعد أن أكرمهم سلطان باشا وقدم لهم الطعام؛ بدأ عبد الله النجار قراءة نص المعاهدة التي تتضمن شروطًا مغرية، لعله يكف عن محاربتهم، ومن جملة الشروط:
بناء دار بطابقين عوضًا عن داره التي هُدمت.
حرس دولي من عشرة آلاف فارس.
جبل العرب دولة مستقلة برئاسة سلطان باشا الأطرش مرتبطة مباشرة مع باريس.
تقديم منحة مالية 60 ألف ليرة ذهبية لجبل العرب.
ثم طلب المترجم عبد الله النجار، من سلطان باشا الأطرش، الإمضاء على هذه المعاهدة؛ فما كان منه إلا أن ردّ عليه: “أنا لا أمضي على معاهدة، ولا أضع يدي بيد أجنبي على أرض الوطن العربي، والدار التي لا تحمي دخيلَها هدمُها أرجح”، فما كان من الضباط الفرنسيين إلا أن أخذوا أموالهم وجروا أذيالهم خائبين .[19]
توجهت المدرعات الفرنسية، في 29 أيار/ مايو 1945، إلى المجلس النيابي في دمشق، وحاصرته، وطلب قائد الحملة الفرنسية من درك حامية المجلس النيابي تحية العلم الفرنسي؛ فرفض رجال الدرك السوريون تنفيذ ذلك، فقام الفرنسيون بارتكاب مجزرة ضد الدرك[20].
عقب العدوان الفرنسي على المجلس النيابي السوري، استدعى الرئيس شكري القوتلي وزير بريطانيا المفوّض، وأبلغه احتجاجه على العدوان الفرنسي، وطلب تدخّل بريطانيا لوقف العدوان الفرنسي؛ فاقترح عليه الوزير شون نقله -بحماية الدبابات البريطانية- إلى عمان، فرد عليه القوتلي: “إذا كنت سأخرج من داري، فبسيارة الصحة إلى سرايا الحكومة، وليأتِ الفرنسيون ليقبضوا عليّ هناك، إذا تمكنوا من أخذي حيًا” [21].
هذه الأمثلة تعطي صورة واضحة عن الانتماء إلى سورية الوطن، وليس الانتماء إلى اثنية أو طائفة أو حزب…
لم يكن الجيش السوري بعيدًا أيضًا عن صراع الانتماء، فمنذ نشأته عام 1901 حتى تأسيسه رسميًا عام 1946، كانت بنيته مؤلفة من وحدات عسكرية اثنية وطائفية وقومية.
رابعًا: قوننة مفاهيم الهوية والمواطنة في الدستور السوري
إن المشكلة في هذه الفترة لم تكن في غياب مفهوم المواطنة في مؤسسات الدولة السورية، بل بالضبط في حيز استخدامها من قِبل النِظام الحاكم، وفي تفصيل أدق، كانت سورية منذ هيمنة التيارات القومية، في نهاية عقد الخمسينيات، تعاني “مشكلة الأقليات”، من قلة حضورها وحظوتها ومساهمتها في الهوية العامة للبِلاد، بمؤسساته وفضائه العام. أي أن المشكلة لم تكن في حصول أبناء الجماعات الأهلية السورية (الأصغر حجمًا) على حقوق امتيازٍ تفوق نظيرتها التي هي “للأكثرية الأهلية العربية المسلمة السنية”، أو وجود امتيازات لأي جماعة سورية أهلية وأخرى. بل كانت بالضبط أن ذوي “الجماعات الأهلية الأصغر” لم يكونوا يحصلون على حقهم الكامل في هوياتهم ومجالهم الخاص، بذريعة أن ثمة خطرًا داهمًا على البِلاد، يتمثل بالاعتراف بحقوق وهويات هؤلاء المنتمين إلى “جماعات أهلية” سورية أصغر عددًا. المسألة -مثلًا- هي في غياب حقوق الكرد السوريين في تدريس أبنائهم بلغتهم في المدارس العامة، وفي عدم اعتبار لغتهم لغةً رسميةً في المناطق التي يشكلون فيها أغلبية سكانية واضحة، وفي عدم الاعتراف الرسمي بهويتهم وحقهم في ممارسة ما يرونه مناسبًا في فضائهم الخاص، وفي عدم حضورهم في الحيز العام، وأن ذلك غير متناقض مع هويتهم وهوية البِلاد المواطنية. في حين الدولة السورية لم تمنع الأرمن من الدراسة بلغتهم مثلًا.
الأمر نفسه ينطبق على كثيرين من ذوي الهويات التفصيلية في البِلاد، مثلًا لماذا لا يجرم زواج المسيحية من المسلم؟ وما الخطر في ذلك؟ طالما أن القانون العام، وكذلك العرف في البِلاد، يجرم زواج المسلمة من المسيحي. ولماذا لا يحمي ولا يشرعن القانون العام التحوّل عن ديانة الإسلام إلى غيرها، مثلما يفعل العكس تمامًا؟ ولماذا تحصر المناهج التربوية واللغة الرسمية والفضاء العام وعيها للإسلام بالمذاهب السنية؟ لماذا لا تعترف بالطوائف الدينية الأخرى، الإسماعيلية والعلوية والدرزية والمرشدية؟ [22].
وهنا نستعرض أبرز النقاط التي تخص حقوق المواطنة في الدساتير السورية:
دستور 1920:
صدر الدستور رسميًا، في 13 تموز/ يوليو 1920، تحت اسم “دستور المملكة السورية العربية” أو “دستور الملك فيصل”، وطبق لمدة خمسة عشر يومًا فقط، ومن المواد التي تم إيرادها يلاحظ أن شكل الدولة اتحادي، ونظام الحكم ملكي نيابي، وهناك ضمان واضح للحريات المدنية والدينية والشخصية.[23]
دستور 1930:
قامت لجنة دستورية برئاسة إبراهيم هنانو بصياغة دستور 1930، ومن أهم النقاط التي تضمنها الدستور:
1ـ يقيم الدستور دولة ذات نظام حكم جمهوري نيابي، ويستلهم مواده من الدستور الفرنسي لعام 1875.
2 ـ يكفل الدســتور حقوق الطوائف الدينية المختلفة، بما فيها إنشـاء المدارس لتعليم الأحداث بلغتهم الخاصة وتمثيل الأقليات الطائفية، بالإضافة إلى الحقوق التقليدية للإنسان والمواطن [24].
كان دستور 1930 دستورًا تقدميًا، تبنت إرادة النخبة التي وضعته والتي تبنت مفهومًا ديمقراطيًا فيه، واستجابت للمزاج العام، وخاصة في تحديد دين رئيس الدولة بالإسلام، فلم يكن بالإمكان تغيير هذه المادة، بالرغم من اعتراض المسيحيين على تعين الدين في الدستور[25].
دستور 1949:
وقع أول انقلاب عسكري في 30 آذار/ مارس 1949، بقيادة حسني الزعيم، الذي قام بتعطيل الدستور، وإجراء استفتاء شعبي لتنصيب رئيس الجمهورية، وتخويله وضع دستور جديد.
كلّف الزعيم لجنة مؤلفة من سبعة أعضاء، وضعت مشروع دستور يأخذ بالنظام البرلماني، مع طغيان السلطة التنفيذية، ممثلة برئيس الجمهورية، على السلطة التشريعية، ويتكرر فيه تعبير “الأمة السورية”، رغم ما نصت عليه المادة الأولى بأن سورية “جمهورية عربية” [26].
دستور 1950:
عدّه كثيرون دستورًا مثاليًا، ولكن تؤخذ عليه المأخذ التالية:
المادة الأولى تنصّ على عربية سورية، وهذا يؤسس لحالة قومية عربية.
المادة الثالثة تنص على أن دين رئيس الدولة وهو الإسلام، وهذا مخلّ بمبدأ المواطنة. كما أن المادة الرابعة التي تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، والمادة الثانية والعشرين التي تنص على أن التعليم يجب أن يهدف إلى إنشاء جيل قوي بجسمه وتفكيره، مؤمن بالله، متحل بالأخلاق الفاضلة، معتز بالتراث العربي، كل هذه المواد السابقة يتضح منها مركزية ثقافية ولغوية، كانت مصدرًا أوّل لاندلاع مشكلة الجماعات السورية غير العربية، وتحديدًا الكردية[27].
في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 1946، أصدرت وزارة الداخلية المرسوم 50، الذي أعطي وزير الداخلية بموجبه سلطات استثنائية ، تناقض مبادئ الدستور، فقامت تظاهرات طلابية ضد هذا المرسوم، حاول رئيس الوزراء سعد الله الجابري ووزير الداخلية صبري العسلي، الدفاع عن المرسوم، لكن الأحداث تفاقمت ضد المرسوم، وفي 21 تشرين الأول/ أكتوبر 1946 درست لجنة الدستور في مجلس الشعب مواد المرسوم 50؛ فقررت أن التشريع لا يستهدف حماية الحريات العامة، كما ينص الدستور، بل يستهدف العبث بها بصورة كيفية، لأن وزير الداخلية يستطيع أن يقضي على جميع الحريات ويتصرف بحرية الناس كافة، بحسب أهوائه وتقديراته الشخصية[28].
خامسًا: الهوية والمواطنة في أدبيات الأحزاب السورية
ظهرت مفاهيم الهوية والمواطنة في دساتير معظم الأحزاب السورية، في هذه الفترة، وسنقصر الحديث على حزبين فقط، هما الحزب القومي السوري الاجتماعي، وحزب البعث العربي الاشتراكي.
أسس أنطوان سعادة الحزب القومي السوري الاجتماعي سنة 1932، وجاء في المبادئ الإصلاحية للحزب:
فصل الدين عن الدولة.
منع رجال الدين من التدخل في الشؤون السياسية والقضاء.
إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب [29].
تعدّ هذه المبادئ من صميم المواطنة في الوقت الحالي، وهي الهدف المنشود لكل دعاة دولة المواطنة.
عقد حزب البعث مؤتمره الأول 1947 في دمشق، ورسم لنفسه خطًا سياسيًا تجاوز في طرحه كلّ التيارات العربية الموجودة آنذاك، والتي كانت تدعو إلى الوحدة العربية في قسمه الآسيوي على أبعد تقدير، ورفضت الاعتراف بالحدود السياسية المرسومة دوليًا، واعتبرت اتفاقية سايكس – بيكو كارثةً حلّت بالعالم العربي، ولا بدّ من رفضها، والعمل على توحيد العالم العربي، ورسم الحزب لنفسه حدودًا عربية افتراضية، حدود الوطن العربي، واعتبر سورية الحالية قطرًا عربيًا يجب الانطلاق منه نحو توحيد بقية الأقطار العربية في دولة واحدة. وعمل حزب البعث على نشر وتكريس القومية العربية، بِدءًا من تغيير الاسم الرسمي للبلاد إلى “الجمهورية العربية السورية”، إلى تغيير تعريف “الشعب” في البنية الدستورية، واعتباره جزءًا من ذوي الاثنية العربية فحسب، إلى تحديد هويات المؤسسات العامة التابعة للدولة “التلفزيون العربي السوري، الجيش العربي السوري.. إلخ”، وليس انتهاء بتعريب كامل المجال العام الثقافي والإعلامي والبيروقراطي والسياسي، وعدم السماح للثقافات والهويات السورية الأخرى بالاستفادة من مقدرات الدولة ومؤسساتها[30].
وقد وضع حزب البعث لنفسه دستورًا متكاملًا، في معنى الوطن والهوية الوطنية والمواطن العربي، متجاوزًا كل ما هو وطني سوري، حيث يعرّف الحزبَ -في المادة الأولى من المبادئ العامة للحزب- بما يلي:
المادة (1): حزب البعث العربي الاشتراكي حزب عربي شامل، تؤسس له فروع في سائر الأقطار العربية، وهو لا يعالج السياسة القطرية إلا من وجهة نظر المصلحـة العربية العليا.
ثم يأتي بعد ذلك على تعريف المواطنة، حيث ورد في المادة 10 من المبادئ العامة ما يلي:
المادة (10): العربي هو من كانت لغته العربية، وعاش في الأرض العربية، أو تطلّع إلى الحياة فيها، وآمن بانتسابه إلى الأمة العربية.
إن هذا الحزب لا يعمل على التأسيس لحالة وطنية سورية، كما أن النظر إلى تعريف المواطن يؤكد عمق الفكر الإلغائي لكل المكونات التي تعيش في هذه الجغرافية المترامية الأطراف، حيث عرّف المواطن العربي بثلاث عناصر (اللغة، السكن في هذه الجغرافية والرغبة في العيش فيها، الإيمان بالانتماء إلى الأمة العربية). ومن يعارض هذا الفلسفة القومية، من خلال التعبير عن ذاته والمطالبة بخصوصيته القومية، يعدّ عمله تكتلًا عنصريًا، ويحق للدولة العربية المنشودة إبعاده وتهجيره قسرًا إلى خارج الوطن العربي، كما هو وارد في المادة 11 من المبادئ العامة:
المادة (11): يُجلى عن الوطن العربي كلّ من دعا أو انضمّ إلى تكتل عنصري ضد العرب، وكل من هاجر إلى الوطن العربي لغاية استعمارية.[31]
إن دستور حزب البعث يبتعد تمامًا عن مفهوم الوطنية السورية، خاصة إذا علمنا أن هذا الفكر سيطر على الحياة السياسية بالكامل، وطبعها بطابعه طوال نصف قرن، حتى أصبح من البديهيات -إذا فكرت مجموعة ما في تأسيس حزب سياسي في سورية- أن تقترن التسمية بالهوية العربية وخارطة الوطن العربي المرسومة من قبل البعث، وأن يطالب بالوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، وأن يستخدم في تعبيره السياسي (القطر السوري)، وقد تجاهل الحزب البحث في الهوية الوطنية السورية كليًا.
إن نظام البعث يمجد صلاح الدين الأيوبي، ويوسف العظمة، وميشيل عفلق، والجندي، وسلطان باشا الأطرش، ومحمد علي العابد…. ويعتز بتاريخ الأشوريين والكلدانيين، وذلك يشكل حالة من التناقض مع ممارساته الشوفينية في حق أحفاد الأكراد والأشوريين والكلدان والسريان …
الخاتمة:
بعد قيام الثورة السورية، عادت مسألة الانتماء تظهر بقوة عند السوريين، وظهرت على السطح من جديد صراعات اثنية وطائفية ومناطقية، وبرزت مصطلحات جديدة في دائرة الصراع، مثل “المعارضة والموالاة”، “الثوري والشبّيح”، “ثوري 2011 وثوري 2017″….
في النهاية، الوطن -كما يقول أحمد البرقاوي- “هو المكان الذي تعيش فيه، وتشعر فيه بالانتماء والأمان والحب، وتجد فيه حضورك الذي لا تجده في أي مكان آخر، مع ما يترتب على ذلك من حق وواجب”. وتأسيسًا على هذا المعنى للوطن؛ اشتق مفهوم المواطنة الذي حمل مضمونًا مرتبطًا بالقيم، التي لا وجود للمواطن دونها، وإن وُلد وعاش في مكان وحصل على جنسية دولة المكان .
لكن الوطن -بهذا المعنى- يتعرض لأنواع من التزييف الأيديولوجي تبعده عن مضمونه الحقيقي، وإننا نلاحظ أن مؤدلجي الدولة المستبدة، حين يتحدثون عن الوطن، يوحدون بين الوطن والسلطة، فتغدو السلطة هي الوطن، والانتماء إلى السلطة هو المواطنة.
ولهذا، فالكفاح الحقيقي الآن هو في:
استعادة هوية المواطنة السورية التي دمّرتها السلطة، وخلق الشروط التي تجعل من الجميع مواطنين شرفاء في دولة القانون.
العمل على بناء الهوية السورية الجامعة لكل الاثنيات والطوائف التي تعيش في هذا الحيز الجغرافي “سورية”، باعتبار أن الجغرافيا هي الحاضنة للتاريخ، ونبذ كل الطروحات التي تستمد مشروعيتها من التاريخ، وتتجاهل حقائق الجغرافيا.
[1]– أحمد الشامي (02.04.2012) سورية في الطريق إلى دولة العصابة، موقع إيلاف http://www.elaphblog.com/shamblog
[2] – https://s.alarab.qa/768025
[3] – مجلة البيان في عددها 211 في شهر ربيع الأول 1426هـ.
[4] – رستم محمود: 9 أيار/ مايو 2016 في تشريح مواطنة سورية ما ونقدها https://www.aljumhuriya.net/ar
[5] – أحمد الغامدي: الهوية والمواطنة وتحدياتهما، صحيفة اليوم، السبت 21.01.2017 https://www.alyaum.com/
[6] – فؤاد عليكو: 02.12.2016https://madardaily.com/
[7] – ستيفن هامسلي لونغريغ: تاريخ سورية تحت الانتداب الفرنسي، ترجمة بيار عقل، دار الحقيقة بيروت، ص 122.
[8] – عبد الوهاب أحمد: (21 آذار/ مارس 2019) أزمة الهوية، جذور صراع الانتماء والولاء في سورية، بروكار برس
https://brocarpress.com/
[9] – عبد الوهاب أحمد: (21 آذار/ مارس 2019) أزمة الهوية، جذور صراع الانتماء والولاء في سورية، بروكار برس
https://brocarpress.com/
[10] – د. أحمد قدري: مذكراتي عن الثورة العربية الكبرى، مطابع ابن زيدون، دمشق 1956، ص 261.
[11] – نصر الدين البحرة: (1 آب/ سبتمبر 2015) هل كان العظمة ضابطًا متهورًا؟ …1884- 1920http://alwatan.sy/
[12] – https://janoubia.com/2011/06/17
[13] – https://janoubia.com/2011/06/17
[14] – سمير الجباعي: مذكرات المجاهد متعب الجباعي، ص 31.
[15] – حنان مفيد فوزي: مسيحي وزيرًا للأوقاف https://www.almasryalyoum.com/news/details/1234939#
[16] – عدنان مامو: محمد علي العابد أول رئيس للجمهورية السورية، جريدة إشراق، العدد 7 سنة 2016.
[17] – ميرنا داوود: أي دور وطني لمسيحي سورية في مرحلة ما بعد الحرب. اليوم الثالث 3 أيار/ مايو 2019
[18] – معبد الحسون: اعرف السوريين تعرفْ سوريا، 7 آذار/ مارس 2016
[19] – سمير الجباعي، المرجع السابق، ص 35-36.
[20] – محمد فاروق إمام: المرجع السابق، ص 34.
[21] – محمد فاروق إمام: المرجع السابق، ص 35.
[22] – رستم محمود: 9 أيار/ مايو 2016 في تشريح مواطنة سورية ما ونقدها
https://www.aljumhuriya.net/ar
[23] – رغداء زيدان: المؤتمر السوري الأول ووضع أول دستور لسورية: 25 كانون الأول/ ديسمبر 2015 الرابط: https://goo.gl/evsz3P
[24] – كمال غالي: مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية، دار العروبة، دمشق 1978، ص 535.
[25] – فيليب حتي: سورية والانتداب الفرنسي، ترجمة مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت 1997، ص 385.
[26] – جان حبش: قراءة في الدستور السوري، مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، الرابط: https://goo.gl/ELEVrK
[27] – رستم محمود: دستور الخمسينات السوري وأوهام الخلاص، صحيفة الحياة اللندنية، 20 نيسان/ أبريل 2016 الرابط: https://goo.gl/qQf8Xs
[28]– غالب عياشي: الإيضاحات السياسية وأسرار الانتداب الفرنسي، دار أشقر، بيروت 1954، ص 560.
[29] – محمد فاروق إمام: الحياة السياسية في سورية عهد الاستقلال، دار الإعلام، عمان 2012، ص 89.
[30] – فؤاد عليكو: الهوية الوطنية السورية في مرحلة ما قبل الثورة منذ الاستقلال (1946- 2010) 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 /https://ara.yekiti-media.org
[31] – فؤاد عليكو: 02.12.2016https://madardaily.com/
المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة