جاء رحيل الشاعر العراقي سعدي يوسف، الذي توفي أمس الأول في منزله بقرية (هريفيلد) قرب العاصمة البريطانية (لندن) عن عمر ناهز الـ 87 عاما، إثر مرض عضال.. ليفجر سجالا حادا حول مواقف الشاعر السياسية التي نالت من رصيده الأدبي، وصنفته كواحد من أبواق الطغاة وأنصار المستبدين، وخصوصا بسبب موقفه المؤيد لمجازر بشار الأسد بحق الشعب السوري.
مثقفون سوريون يرثونه ويهجونه!
وقد كتب العديد من السوريين يذكرون بمواقف سعدي يوسف، فكتب الشاعر والناقد السوري خضر الآغا يقول:
” جنايتان أساسيتان لسعدي يوسف: الجناية الأكبر فيها فقدان للأخلاق ولأية قيمة إنسانية وهي انحيازه لنظام البراميل وللبراميل التي تفجرت في رؤوس السوريين. الجناية الأخرى هي أنه أحد الذين خرّبوا الشعر العربي عبر جعله الحكي يحل محل الشعر، والكلام محل القصيدة. حيث ثمة فرق حاسم بين الشعر وبين الكلام حتى لو كان هذا الكلام جميلاً، سعدي يوسف أحد هؤلاء الذين أحلوا الكلام (حتى دون أن يكون جميلاً) محل الشعر وجعلوا القصدة مجرد كلام وحكي لا يمكن تفريقه عن الكلام الذي تُكتب فيه المقالة والبوست والثرثرة. وهذه جناية فيها فقدان لأية قيمة ثقافية…”
أما الشاعر ياسر الأطرش فقد كتب على صفحته على (توتير) قائلا:
“الموت ينقذ الشعراء. لقد نجّى الموت المبكر بدر شاكر السياب من ورطة المعمّر سعدي يوسف.. ندرس السياب شاعرا فقط، بينما ندرس سعدي شاعرا وداعية لقتل الشعوب!. كان الراحل من المتحمسين لتجربة بشار الأسد في ذبح الشعب السوري”.
فيما أورد الإعلامي السوري محمد علاء الدين نعيه على النحو التالي:
“تطاول حتى بلغ نعلاً. تلك هي قامة سعدي يوسف شعرياً.. وبلا محاسن موتاكم وبلا بطيخ مبسمر”
سيرة الفقر والشعر
ولد سعدي يوسف في قرية أبي الخصيب التابعة لمحافظة (البصرة) جنوب العراق عام 1934، وعن مسقط رأسه يقول في حوار صحفي:
“أنا من جنوب البصرة، من منطقة “أبو الخصيب”، وهي منطقة ملاكين صغار ومعروفة منذ القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، بأنها مركز للاجتهاد الديني السنّي. وهي من الأماكن القليلة التي زارها جمال الدين الأفغاني. وذلك الاجتهاد الديني كان مصحوباً بعلمانية ما. والمنطقة واحدة من مراكز النشاط السياسي لكافة الأحزاب اليسارية. والسيّاب تربى في المنطقة نفسها. وهي من أغنى المناطق العراقية بغابات النخل وكروم العنب. بالإضافة إلى كونها منطقة تجمّع للناس والأسواق والدكاكين الهندية والإيرانية، واللغات والبحّارة. وكان يسيطر عليها مناخ حب المغامرة”.
أكمل سعدي يوسف دراسته الثانوية في البصرة قبل أن يتوجه إلى بغداد المنارة المشتعلة في خمسينيات القرن العشرين ليدرس في كلية المعلمين هناك، وليتخرج عام 1954 بدرجة البكالوريوس مع مرتبة الشرف في الأدب العربي. وفي ذلك يقول في لقاء أجراه معه يوسف بزي ويحيى جابر في تسعينيات القرن العشرين:
“دخلتُ إلى دار المعلمين لأنها كانت كلية لأبناء الفقراء، وكنت في القسم الداخلي. وفي تلك الدار كنا على علاقة بمن سبقونا، وشكلوا ملامح جديدة في الشعر العراقي، كالسياب وحسين مردان وبلند الحيدري، حيث كنا نلتقي بهم ونعرض عليهم قصائدنا، ونستمع إلى آرائهم. وكان مقهى البرازيلية في بغداد هو المقهى الوحيد الذي يقدم القهوة. ومن خلف زجاجه كنا نشاهد البياتي والسياب والحيدري، لكننا كنا نتردد في الدخول إليهم. ومع ذلك كانوا جميعهم دقيقي الاستماع، وذوي اتجاهات يسارية، على درجات مختلفة بالطبع، وكان بعضهم منتسباً إلى الحزب الوطني الديموقراطي، أو الشيوعي أو كان مستقلاً كبلندر الحيدري”.
قبل أن يبدأ حياته المهنية كمدرس، كان سعدي يوسف قد بدأ ينشر قصائده الأولى في الصحف العراقية، وفي مجلات لبنان الأدبية البارزة في مطلع الخمسينيات كـ (الأديب) و(الآداب) ومجلة (شعر) التي اعتبرت حاضنة الشعر الحديث والمتمرد على التراث… ثم انتقل إلى الصحافة الأدبية، بعد أن كرس حياته للكتابة.
نشر سعدي يوسف أكثر من 40 مجموعة شعرية، كان أولها (القرصان) التي صدرت في بغداد عام 1952 وآخرها “في البراري حيث البرق” عام 2010 كما نشر عشرات الأعمال النثرية والدراسات النقدية وأدب المذكرات.
وإلى جانب نشاطه الشعري والنقدي كان لسعدي يوسف حضور هام كمترجم من الإنجليزية إلى العربية حيث تشمل قائمة ترجماته شعر والت ويتمان، فيدريكو غارسيا-لوركا، يانيس ريتسوس، وقسطنطين كفافي، وقصص أوسكار وايلد وروايات جورج أورويل وكتابات هنري ميلر وغيرهم.
سجل الإساءات والجوائز المسحوبة!
انضم يوسف إلى الحزب الشيوعي العراقي في شبابه وتعرض للسجن بعد استيلاء البعثيين على السلطة في العراق بانقلاب عسكري في شباط عام 1963 لكن سعدي يوسف أو “الشيوعي الأخير” كما كان يلقب نفسه، قبلَ – رغم شيوعيته، الحصول على جائزة سلطان العويس الثقافية عام 1990 في عز اشتعال حرب الخليج الثانية.. لكن لجنة أمناء الجائزة المذكورة أصدرت بيانا عام 2004 أعلنت سحب الجائزة منه، وشطب اسمه من سجل الفائزين بالجائزة بسبب أنه: «قد بدرت منه مؤخراً إساءة بليغة وبلغة منحطة لرمز من رموزنا الوطنية والقومية ولشخصية أجمعت عليها الأمم والشعوب بوصفها من رواد الوحدة العربية ومن دعاة التضامن العربي والعاملين من أجله بلا كلل، ومن الذين عملوا من أجل السلام العالمي وهو المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله». كما جاء في نص البيان.
مسلسل الإساءات وسحب الجوائز منه، تعدى جائزة العويس إلى جوائز أخرى، وخصوصا بعد أن اتُهم بالإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، بقصيدته (عيشة بنت الباشا) التي نشرها عام 2013 واعتبرت مسيئة أيضاً للسيدة عائشة أم المؤمنين، وقد نشرها الشاعر على واجهة مدونته.. ولهذا فقد أثار منح الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب جائزة “نجيب محفوظ” ليوسف عام 2013 جدلا وغضبا وتنديدا بين هيئات ومؤسسات وأدباء، حيث انتقدت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” قرار الاتحاد منح جائزته لسعدي يوسف واصفة أسلوبه بالتطاول على النبي بـ”الدنيء”، وخصوصا إزاء ما تحفل به القصيدة من انحلال وافتراء.. ودعت المنظمة الأزهر الشريف إلى التدخل والمطالبة بإلغاء القرار. وقالت المنظمة في بيان لها إن سعدي يوسف “نظم قصيدة يتطاول فيها على النبي محمد وعلى أم المؤمنين عائشة بأسلوب دنيء وعبارات مسيئة”، معتبرة القرار: “مشجع على مثل هذه المواقف الهابطة والمسيئة التي لا تمت إلى عالم الأدب والإبداع بأي صلة”.
من جهتها كانت منظمة “شعراء بلا حدود” قد أزالت اسم الشاعر من قائمتها لأفضل مئة شاعر عربي بعد هذه القصيدة.
سعدي نصير الطغاة
وفي ثورات الربيع العربي، وقف سعدي يوسف في صف الطغاة، ومن دمروا بلادهم بالقصف الجوي والبراميل، ومن استخدموا الكيماوي لقتل من يفترض أنهم أبناء وطنهم. وكان موقفه من الثورة السورية هو الأشنع والأكثر صفاقة وضحالة إنسانية، حيث غير مرة يعلن تأييده لإجرام الأسد، وفي يناير من عام 2019 اتهم سعدي يوسف في لحظة عته، الدكتور برهان غليون أستاذ السوربون المعارض لنظام الأسد بإرسال ما أسماه ” إرهابيين سوريين إلى الجزائر” وحيا إجرام جيش الأسد في منشوره قائلا:
” بعد صمود سوريّا العروبة، وجيشِها، الجيشِ العربيّ السوريّ، وهزيمةِ المرتزقة، ومن بينهم مرتزقة فرنسا، يرسلُ الجنرال بُرهان غليون فلولَه من حلب إلى الجزائر عبرَ المحميّات الفرنسية جنوبيّ الصحراء”.
المصدر: اورينت نت