بدأ وعي محمد خليفة السياسي بالتشكل والتبلور بعد نكسة 1967، ومثله مثل أبناء جيله، بالعموم، ارتبط وجدانيًا بالقضية الفلسطينية، وقضايا التحرر والنهوض العربيين، مادفعه للانخراط في حركة فتح مع بدايات عام 1968، كما صرح وأعلن ذلك في أكثر من مناسبة، وخضع في حزيران 1970 لدورة عسكرية وتثقيفية في غوطة دمشق، شارك فيها شباب من أقطار عربية مختلفة، مما دعى قيادة حركة فتح لإبلاغه، والطلب منه، مع بداية أيلول الأسود ليكون جاهزًا وقريبًا من الحدود الأردنية، مع آخرين، فيما لو استدعت الحاجة لمزيد من التدخل للمشاركة في القتال.
في عام 1972 خضع أيضًا لدورة شبيهة في مدينة مصياف، وكان قبل ذلك، في العام 1971، قد كُلف من القيادة المركزية للحركة بتشكيل فرع للمنظمة في مدينة حلب، من السوريين فقط، وضم العشرات من الشباب الذين تم تجنيدهم من قبله، إلى أن توقف نشاطهم بشكل كامل بعد التدخل السوري في لبنان ومجازر تل الزعتر، والصراع الفلسطيني مع نظام الأسد.
تزامن انتسابه لمنظمة فتح مع دخوله حزب الاتحاد الاشتراكي العربي، في نفس العام، 1968، في ظل المد القومي الجارف، وحسم قناعاته بهذا الاتجاه.
ومع الخلافات التي برزت داخل الاتحاد الاشتراكي العربي، إثر نشر التقرير الفكري للمؤتمر الرابع، كان من ضمن ماعرف بالجهاز السياسي داخل الاتحاد الاشتراكي العربي، كما أنه كان فيما بعد عضوًا في تنظيم الطليعة العربية، فرع سورية، الذي عرف بعد عام 1978، شعبيًا وسياسيًا، من خلال التنظيم/ الغطاء (التنظيم الشعبي الناصري).
في المرحلة الجامعية التي بدأت عام 1971_ 1972 كان ناشطًا في الحركة الطلابية في مدينة حلب بقوة، رغم أن دراسته الجامعية كانت في دمشق، كلية الحقوق، و كان في شعبة الطلاب لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي، وكانت تلك المرحلة تموج بتيارات الفكر السياسي، ذات الطابع القومي واليساري، ولم يكن قد صدر الدستور الذي يحرم ويجرم العمل السياسي في إطاري الجيش والتعليم.
من خلال عمله الصحفي، وقناعاته العروبية بوحدة النضال العربي، ارتبط بعلاقة وثيقة مع ظهيرة أول يوم من أيام شهر كانون الثاني/ يناير عام 1984 مع الرئيس الراحل أحمد بن بلة، وماعرف باسم (الحركة من أجل الديمقراطية) التي كان يتزعمها، ماجعله مناضلًا جزائريًا بامتياز، سخر كل إمكاناته لعدة سنوات في هذا الاتجاه، وأصبح على معرفة دقيقة بتفاصيل ساحة العمل الوطني الجزائري.
مع بروز اسم الدكتور خالد جمال عبد الناصر في قضية ماعرف باسم (تنظيم ثورة مصر) 1987 كان محمد خليفة قريبًا منه وعمل معه، في منفاه الاختياري، في يوغسلافيا، وائتمنه على أسرار التنظيم وملفاته، التي نشر أجزاء منها وتفاصيل حولها، في حينها، وبقي كل ما أحاط بها من غموض وديعة لديه، حتى كشف عنها في الذكرى المئوية لميلاد جمال عبدالناصر 15 كانون ثاني/ يناير 2018، فكان مناضلًا مصريًا، مثل ماكان سوريًا وجزائريًا وفلسطينيًا.
خلال هذه السنوات زار العديد من البلدان العربية وتعرف على مناضليها ونخبها، وارتبط بعلاقات معها وتبنى قضاياها، من موريتانيا إلى لأحواز، مرورًا بتونس والسودان والمغرب.
بعد سقوط المعسكر الشيوعي عام 1990 ومتابعته لقضايا البلقان وتغطيتها لوسائل الإعلام العربية، زار تركيا وألبانيا وبلغاريا ويوغسلافيا السابقة، وارتبط بعلاقات مع قادة أحزابها الجديدة المتطلعة للحرية، فآمن بمطالبها العادلة ودافع عنها في العديد من المحافل السياسية العربية والاقليمية.
في إطار الهم القومي وفي العام 1989 فكر بالتوجه لعمل قومي ثقافي وفكري يكون مدخلاً ونواة لعمل سياسي، من خلال علاقة ربطته بالأخ والصديق الأستاذ حمدين صباحي، إلا أن المشروع لم يكتب له النجاح، لأسباب عديدة.
بعد وصوله للسويد، بداية عام 1992، عمل مع (المجلس الإسلامي الأعلى) في السويد بما يحقق مصالح الجاليات المهاجرة ويحفظ حقوقها، وارتباطها بأوطانها الأم، ثقافة ولغة ودينًا.
سورياً، ارتبط بعلاقات قوية مع معظم شخصيات المعارضة السورية في الخارج، من البعث واليسار الشيوعي إلى الاخوان المسلمين، كما كان في سورية نفسها قريبًا من العديد من رموزها وشخصياتها، وحضر وشارك في المؤتمر الدولي لنصرة الشعب السوري واللبناني والفلسطيني من بطش النظام السوري، عام 1989 في سويسرا/ جنيف، وعلى إثر ذلك طرحت عدة مشاريع لعمل سياسي مشترك بين ممثلي القوى المشاركة، كان بينهم المرحوم جاسم علوان الذي زار بغداد معه، عام 1990، وهناك التقى بالعديد من القيادات السياسية العراقية البارزة، خصوصًا المتابعة للشأن السوري، إلا أن تسارع الأحداث في المنطقة أفشلت المشروع بكامله.
ساهم بقوة في معظم الحملات الدولية للدفاع عن معتقلي الرأي في سورية، وتبنى قضاياهم في مختلف المؤسسات الإعلامية التي كان يعمل معها، ولعلي لا أذيع سرًا حين أقول أنه بعد الضربة الاستئصالية للتنظيم الشعبي الناصري في بداية أيلول/ سبتمبر عام 1986 استطاع الحصول على مبلغ من المال كمساعدة لأسر المعتقلين من الزعيم الراحل ياسر عرفات/ أبو عمار، شخصيًا، رحمه الله.
نضاله الوطني وتبنيه لقضايا حقوق الانسان، ومنها قضايا الحريات العامة والرأي والتعبير، دفعته ليكون أحد مؤسسي المنظمة العربية لحقوق الانسان، في قبرص/ ليماسول 1983، والذي شارك في تأسيسها من سورية إضافة له الدكتور برهان غليون، فقط.
شكلت انطلاقة الثورة السورية، في منتصف آذار/ مارس 2011، تحولاً كبيرًا في شخصية محمد خليفة فاستعاد روحه المكسورة والمأزومة، واسترجع طاقته الايجابية الكبيرة في التفاعل والانغماس في الهم الوطني بلا حدود، فشارك في أول مؤتمر للمعارضة السورية في أيام 1و 2 حزيران/ يونيو 2011 في مدينة أنطاليا التركية، الذي عرف باسم (المؤتمر السوري للتغيير) ومن ثم شارك في مؤتمر هيئة التنسيق في المهجر في برلين 23_ سبتمبر/ أيلول من نفس العام، 2011، التي سرعان ما انسحب منها.
في12_13_14 نيسان/ أبريل 2012 ساهم في تأسيس (التيار الشعبي الحر) الذي أصبح بعد ذلك أمينه العام، بالوكالة، نتيجة الخلافات التي عصفت به، والمشاكل التي اعترت مسيرته.
بناءً على عضويته في التيار الشعبي الحر اكتسب عضوية المجلس الوطني السوري، في التوسعة التي سبقت تشكيل الائتلاف الوطني، والذي لم تمكنه ظروفه من المشاركة في اجتماعاته التي عقدت بتاريخ 17_ 11_ 2012 في دولة قطر/ الدوحة نتيجة لوضع اسمه على قائمة الممنوعين من دخولها، رغم وصوله لمطار الدوحة وفشل محاولات رفع المنع بحقه.
أيضًا، كان عضوًا في المكتب السياسي للهيئة العامة للثورة السورية، التي تشكلت فور بدء الحراك الشعبي، وكانت تجربة واعدة تمثل جيل الشباب، وكان محمد خليفة آخر رئيس للمكتب السياسي لها قبل أن ينفرط عقدها، ومثلها خلال عمله معها في عدد من النشاطات والفعاليات على سبيل المثال: مشاركته في مؤتمر اتحاد التنسيقيات في المهجر الذي عقد في العاصمة الرومانية/ بوخارست في 11_12_ 13 مايو/ آيار 2012، ومحاولة مقابلة رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في آذار/ مارس 2012 لتقديم مذكرة احتجاج على ما يتعرض له السوريون في لبنان من مضايقات.
بعد الاحتلال الروسي لسورية، وسقوط حلب، في ديسمبر/ كانون الأول 2016 بفعل عوامل مختلفة، طرح فكرة (المقاومة الثورية لتحرير سورية) وجذب اليه آخرون، فعملوا على تشكيل خلايا داخل سورية وخارجها، تتبنى المشروع، وبشروا بالفكرة، فسافر إلى تركيا وألقى محاضرة بهذا الخصوص، وعقد أكثر من ندوة مغلقة، والتقى بسوريين في أكثر من مكان، لأجل ذلك، واستطاعوا توفير بعض الدعم المادي، من خلال تبرع أحد الأثرياء السوريين، إلا أن المشروع واجه عقبات لم تكن منتظرة ومعوقات لم يكن ممكنًا تخطيها، لكنه يسجل له في النتيجة أنه أول من طرح فكرة تحرير سورية بعد التدخل الروسي بوصفه احتلالًا.
في السنة الأخيرة من حياته شكل مع آخرين ( التجمع السوري للإنقاذ) وعمل على توحيد المجموعات السورية المتشابهة، وصرف جهدًا كبيرًا بهذا الخصوص، وكان دائمًا يردد: (وحدة سورية تقتضي وحدة السوريين بمكوناتهم المختلفة واتجاهاتهم المتعددة) كما أنه كان فاعلاً بقوة في النشاط الذي ما يزال دائرًا في التحضير لمؤتمر وطني سوري عام، بعد كل التعاسة والفشل التي أصيبت بها مؤسسات وأطر المعارضة السورية، والخيبة من أدائها.
خلال سنوات الثورة ساهم في تأسيس التجمع الفلسطيني_ السوري (مصير) 2016 وشكل له فرعًا في السويد، في 13_ مايو/ أيار 2017، مع آخرين، إيمانًا منه بضرورة تمثيل هذا الصوت الذي غيبته أطر المعارضة السورية وتجاهلته كمكون أساس ورئيس من مكونات الشعب السوري.
كما انغمس بحماس وفعالية وغيرة بنشاطات معظم المنظمات الأحوازية، كالجبهة العربية لتحرير الأحواز وجبهة النضال الشعبي، والجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية فحضر بعض مؤتمراتها وندواتها، ضمن فهمه لضرورة مواجهة الخطر والتحدي الإيراني الكببرين، إضافة لالتزامه المطلق بقضايا العرب والعروبة، وقضايا الحرية، حيث اعتبر قضية الأحواز (قضية منسية) يجب إعادة الاعتبار لها والعمل لأجلها.
في السياق ذاته كان مساهمًا في تأسيس (مؤتمر الشعب العربي) في تونس من 08 الى 11 كانون الأول/ ديسمبر 2017، وانتخب عضوًا في أمانته العامة، وذلك ردًا على انحراف (المؤتمر القومي العربي)/ لبنان واحتضانه من قبل معسكر مايدعى (الممناعة)، كذبًا وزورًا.
إحساسه بالأخطار المحدقة التي تتهدد هوية سورية العربية، مع بروز الهويات دون الوطنية، دفعته لطرح فكرة تشكيل (ملتقى العروبيين السوريين)، بعيدًا عن الأيديولوجيا، وبعد نقاشات معمقة مع عدد من الأخوة، تأسس وأشهر وعقد مؤتمره الأول في مدينة كولن الألمانية في 28_ 29 أكتوبر/ تشرين أول 2017، وبعد مؤتمره الثاني في 2018، أيضًا في كولن، اختير رئيسًا للهيئة الإدارية للعام 2018_ 2019، ومثل الملتقى في عدد من المؤتمرات والمحافل منها (المؤتمر الأول للمسيحيين العرب) الذي عقد في باريس/ فرنسا في نهاية 23 نوفمبر/ تشرين ثاني 2019.
أخيراً لا ينسى نشاطه مع مجموعة من شباب وأحرار السويد خلال سنوات الثورة، وخصوصًا في السنوات الأولى، ومساعدة اللاجئين إليها من خلال (تنسيقية استوكهولم لدعم الثورة السورية).
برحيل محمد خليفة يوم 22_ أبريل/ نيسان الماضي،2021، عن عمر قارب السبعين عامًا، تكون سورية قد خسرت رجلاً من أصدق الرجال وأنبلهم وأخلصهم لقضية الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، في وقت كانت أحوج ما تكون لأمثاله، كما تكون ميادين النضال العربي افتقدت فارسًا شهمًا قضى من عمره أكثر من نصف قرن في ميادينها وساحاتها لأجل عزتها ومجدها.
1 776 6 دقائق
اللة يرحمو ويجعل مثواه الجنة