مصطفى الفيلالي مفكر تونسي تنويري متميز له مساهمات فكرية وسياسية عدة، ولا أعلم إن كان له غير هذا العمل الروائي، وهو مثل كثير من المفكرين الذين يصبون سيرتهم الذاتية في قالب روائي كعبد الله العروي وغيره.
الرواية تكاد تكون متأخرة عن مثيلاتها نصف قرن تقريبا، فهي رواية جيل النهضة الذي يتفتح وعيه على وجود مستعمر مهيمن، وله أدواته التابعة له من أبناء الوطن، وبداية تفتح الوعي السياسي والفكري وإرهاصات الثورة التي ادت الى التحرر الوطني في اغلب البلدان العربية.
تبدأ الرواية من ام حامد وزوجها الحاج عبد الله الذين ينتظرون عودة ابنهم حامد من مدرسة الصادقية في جامع الزيتونه في تونس لكي يبدأ رحلته العملية، وذلك في ثلاثينيات القرن العشرين.
الام التي فقدت أبنها في كل مراحل عمره، فمن كتّاب القرية إلى مدرسة المدينة، لا يكاد يعود لها حتى ينتقل لمدرسة اخرى وكان آخرها الصادقية. كان برعاية خاله القاضي حتى حصل على شهادة الدراسة الثانوية. ام حامد لها ولد آخر وبنت؛ الولد انخرط مبكرا في العمل الزراعي وتربية المواشي مع بقية إخوته من زوجات والده الكثر، اما ابنتها فقد كبرت وتزوجت من أحد أبناء عمومتها. كان أمل الأهل بحامد الابن البار الذي سيكون متميزا ويعمل مدرسا او في الدوائر الحكومية التابعة للمحتل الفرنسي.
الوالد يفكر بعقلية كبير العائلة المالك المنتمي لدائرة قربى أكبر، والذي ينتظر ابنه لكي يحقق له مجدا ينتظره كإول ابن يكمل تعليمه في الناحية كلها، يطمح لكي يكون موظفا عند الحكومة التابعة للفرنسيين، بما تقدّم من فائدة مادية كبيرة ومعنوية و سيطرة وسطوة.
حامد ابن مدرسة الصادقية المتعلم على ايدي اساتذة تنوريين يقدمون العلم معجونا بالانتماء الوطني وضرورة العمل لطرد الاستعمار، وضرورة العودة للإسلام بصفته خيرا وعدلا وعملا للحياة الافضل، قدوتهم خير الدين التونسي أول من كتب دستورا حديثا وديمقراطيا بين العرب وقبله بقرون ابن خلدون، حامد يأمل أن يكون من شباب التنوير والتحرير وقدوته في ذلك الحزب الدستوري الذي يعمل جاهدا لذلك، ويقدم الشهداء والمعتقلين والمنفيين من قادته. تصطدم إرادة الوالد مع إرادة حامد، حامد يريد السفر لفرنسا ليكمل علمه والوالد يريده يده القوية في القرية، يهرب حامد من البيت ليذهب لفرنسا، الاب يعود خائبا وقد فقد امله بولده. حامد يعجز عن السفر ويعود للبيت حيث تتلقفه امه و يهمله والده بعد ان تصطدم النوايا والإرادات بينهما. تمر الايام ليتوفى الوالد وتنتقل إيرادات العائله وتسييرها لاخيه الاكبر، وليأخذ هو امه ويغادر الى بيت خاله الذي يساعده في إيجاد عمل في مدينة تونس. ليتوفى بعد ذلك خاله وتتحول مسؤولية العائلة عليه ثم يتزوج ابنة خاله، وليستمر في عمله و يعولهم وامه. ويحظى بعد ذلك فرصة السفر الى فرنسا ليكمل دراسته في الحقوق. ويتفاعل هناك مع الأوروبيين والمدارس الفكرية المتنوعة التي كانت ضائعه بين ادعاء الأوروبيين بأنهم تنويريين ويعملون لمصلحة الانسان، وبين واقع استغلالهم للبشر واستعمارهم للدول الاخرى وصراع الحرب العالمية الثانية التي كانت في أوجها ذلك الوقت. حامد ينهل من العلم ويتفاعل مع أصدقائه ويكون على علاقة مع فتاة اوربية يتبادل معها التواصل الجسدي والفكري، ولكنه كان يفكر دائما في بلده وأهله وعائلته. حامد ينهي دراسة السنة الاولى ويعلم بوفاة والدته، يذهب لتونس يزور قبر والدته يحزنه أنه لم يفرحها بنجاحه، يلتقي بأخيه الأكبر يضعه أمام قسمة ظالمة لتركة الوالد وحرمان ظالم لاخواته البنات من الإرث ، يعود لفرنسا ثانية ليكمل دراسته. ويعود مجددا إلى تونس وليكون واحدا من جيل الشباب الذي سيعمل مستنيرا بسلوك فرحات حشاد النقابي وغيره من رواد العمل الوطني التحرري، الذي يربط بين الوعي والسلوك الاجتماعي والسياسي بين الناس، ولتبدأ بوادر ثورة التحرر الوطني التونسي من الاحتلال الفرنسي .
.هنا تنتهي الرواية وحولها نقول رواية تأخرت بالزمان كثيرا وقد تكون كتبت قديما ونشرت الان.
حصل متغيرات كثيرة في تونس وفي الواقع العربي كانت تنتظر أن يطل عليها الفيلالي روائيا.
جاءت انظمة الحكم بعد الاستعمار بعضها ملكي والبعض الآخر جمهوري وكلها استبدادية، استعبدت واستثمرت الشعب العربي لنصف قرن وأكثر وجاء بعدها الربيع العربي كأمل حاربه كل العالم مع المستبدين وأرادوا بلادنا مرتعا من أجل صراعاتهم ومصالحهم، وخلق حروب بينية مجتمعية تبعدنا عن املنا بالحرية والكرامة الإنسانية والعدل الاجتماعي والديمقراطية والحياة الأفضل.. لكن..ثورتنا مستمرة وربيعنا قادم.
المصدر: الأيام