تقدم وكالات التنمية في دول الاتحاد الأوربي و كندا و الولايات المتحدة الاميركية المليارات من الدولارات بهدف تعزيز الديمقراطية وحقوق الانسان و الحكم الرشيد في العالم وهي بحسب زعمها تنفق هذه المليارات من أجل تعزيز الاستقرار و السلام، فالأنظمة التي تحترم حقوق الانسان هي أنظمة أكثر استقراراً وأقل عرضة للعنف والنزاعات الداخلية حيث توفر البيئة الديمقراطية آليات سلمية لحل النزاعات والتعبير عن الرأي، كما أنها أي البيئة الديمقراطية أكثر قدرة على تحقيق الحكم الرشيد والشفافية وسيادة القانون، ضمان حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في التعليم والصحة والمساواة يعزز بدوره التنمية البشرية ويحسن جودة الحياة، فالديمقراطيات تتيح للمواطنين فرصاً أكبر للمشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم اليومية، وهذا بدوره يقلل من مخاطر النزاعات المسلحة والهجرة غير الشرعية والإرهاب، ويوفر مناخاً أكثر استقراراً.
من الناحية النظرية لا يختلف اثنان على أن احترام حقوق الانسان وتحقيق مبادئ الحكم الرشيد يؤدي على المدى الطويل إلى استقرار الدول والتخفيف من النزعات المسلحة والوصول إلى عالم أكثر أمناً وأكثر عدلاً.
لكن الذي يحصل من الناحية العملية أن وكالات التنمية ومن ورائها وزارات الخارجية والمطابخ السياسية، لا تعمل بهذه الطريقة الجميلة الملائكية، بل على العكس من ذلك فهذه الدول ترى في دول العالم الثالث سوقاً لتصريف منتجاتها ومنبعاً للمواد الأولية والعمالة الرخيصة ولا بأس أن يتمتع العمال ببعض الحقوق لزيادة الإنتاج أولاً وليستطيعوا الاندماج ضمن آليات المجتمع الاستهلاكي ثانيا.
فالهدف الأساسي هو هدف اقتصادي لزيادة الاستثمارات الأجنبية، يصب في مصلحة التجارة الدولية تتبعه أهداف أخرى كالحد من الهجرة غير الشرعية، التي تشكل عبئاً اقتصادياً، على عكس هجرة الكفاءات العلمية والتقنية التي تشكل رافعة اقتصادية مهمة.
أما دعم الانتقال الديمقراطي ودعم قيم الحرية والعدالة والشفافية والحكم الرشيد فأهلاً بها إذا أدت إلى، أو صبت في خدمة الأهداف الأساسية الاقتصادية أو السياسية للاتحاد الأوربي أو كندا والولايات المتحدة الأميركية، والا فالعكس هو الصحيح، فقد دعمت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي الكثير من دكتاتوريات العالم، ليس هذا وحسب، بل كثيرا ما تدخلت ضد خيار الشعوب الديمقراطي لتثبّت أركان حكم الطغاة سواء في الشرق الأوسط أو في أميركا اللاتينية.
ظهر هذا جليا لنا كسوريين، فرغم مجازر الأسدين الأب والابن، ورغم وقوفهما عثرة في وجه أي تحول ديموقراطي في سورية، بل ورغم ارتكابهما العديد من المجازر بحق الشعب السوري إلا ان المصلحة الأوربية والأميركية كانت أكبر من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. حتى أن مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية بين عامي 1997 و2001 هي من أعطى الضوء الأخضر للوريث بتولي السلطة بعد والده في تجلٍ واضح لدعم القيم الديمقراطية التي تؤدي على الاستقرار والسلم الأهلي.
لكن القضية الأبرز في هذا المجال هي القضية الفلسطينية بدون أي منازع فقد منحت الديمقراطية الغربية الحق ليهود أوربا باستيطان فلسطين والاستيلاء على أراضيها وطرد سكانها الأصليين، ومازالت إلى هذه اللحظة تدعم هذا الكيان الغاصب رغم كل التقارير التي تؤكد انتهاكه لحقوق الفلسطينيين والاستيلاء المتواصل من قبل المستوطنين على أراض جديدة وبناء مستوطنات عليها في عملية احتلال متواصلة لا تتوقف، وتهجير دائم لأصحاب الأرض الأصليين.
طبعا وبكل تأكيد هذا غيض من فيض وهو لا يشكل إلا جزءاً يسيراً جداً مما يجري في هذا العالم الذي تحاول وكالات التنمية لدول أوربا او أميركا أن تزرع فيه بذور الديمقراطية والاستقرار والحكم الرشيد في الشرق الأوسط او الشرق الأدنى او حتى أفريقيا واميركا اللاتينية.
إن ما تقدمه هذه الوكالات من الباب امام أعين ناخبيها، لا يلبث ان تنتزعه من الشباك في غفلة منهم. ولا يلبث الاستقرار والأمن والأمان الذي يحلم به دافع الضرائب الأوربي أو الأميركي أن ينقلب نزاعات مسلحة وهجرة غير شرعية وإرهاب على حد تعبيرهم.
بالتأكيد سينقلب لأن هذه التصرفات الرعناء هي من تهدد السلام والاستقرار العالمي، وهذا المستوى من انتهاك حقوق البشر وكرامتهم لا بد أن ينفجر نزاعات مسلحة للدفاع عن حقوق لم تصل لأصحابها بطريق الحوار الهادئ، والاحتكام الرشيد للشرعية الدولية.
المصدر: موقع (الحرية أولًا)